6(والأخيرة): السلفية صناعة بريطانية!!
لِمَ كل هذه الحملة المرهقة، والمعاناة الناصبة التي يتكلفها الشيخ البوطي؟ لم هذا الحشد المنظم لهذه الأفكار المضطربة حول تيار لازال يشق طريقه بتصميم وعزيمة جادة في ثنايا الحياة الإسلامية، وهذا التصميم وهذه العزيمة يناسبان الصعوبات المبثوثة في طريقه، وعلى الرغم من هذه الصعوبات فإن المؤمنين بهذا التيار يعتقدون أن أمره جد، لأنه دين، وأنهم بهذا الاعتبار ليسوا ثلة قليلة منعزلة، ولا جماعة مشاغبة همها التفريق - كما يحاول الشيخ البوطي أن يصوره – بل جموع جرارة متعطشة إلى عودة الإسلام ليظلل حياة الناس من جديد.
إن المسلمين في كل البقاع ملوا من اللافتات التي ترفع باسم الإسلام هنا وهناك، وضاقت صدورهم بالإسلام «الرسمي» الذي قُيّد بالقيود والسلاسل والأغلال، الذي يقدم إليهم على أنه هو الإسلام الذي أنقذ به الله البشر، وصموا آذانهم عما يلقى عليهم من فتاوى هذا الإسلام «الحكومي»، وفروا إلى تاريخهم وسِيَرِ رجالهم لعلهم يجدون فيها شيئاً من السلوان عن هذا الظلام المخيم، فهل وجدوا السلوى؟
نعم وجدوا.. فإن قراءة فكر ابن تيمية تكشف عن رجل كانت حياته وأفكاره تمثيلاً لقضايا المسلمين المصيرية، وشرحاً عملياً ونظرياً لقوة ونصاعة الإسلام؛ وللعقبات والصعوبات التي تعترض سبيله من أن ينتشر ويسود. بل وجدوا فيه أكثر من ذلك؟ وجدوا فيه رجلاً عاش عصره وتفاعل مع مشاكله تفاعل المعتز بدينه، الواثق به، على رغم كل المصاعب، وتصدى لجبهات كثيرة، فما طأطأ لها رأساً،ولا لانت له قناة. هذه الجبهات التي قد يبدو التصدي لها عند بعض الناس – ومنهم علماء - أمراً لا طائل تحته، ولا ثمرة منه غير التعب الذي يجني على صاحبه ويسيء إليه. ولكن تصدي ابن تيمية لها بهذه الروح من أبرز بواعث الحياة في حقل الدعوة الإسلامية فيما بعد عصره إلى اليوم. وذلك لأن مقصود هذه الجبهات في حربها للإسلام واحد هو تغييبه عن مسرح الحياة، أو تحييده وتجميده على الأقل. بل إن ذلك هو أوضح دليل على وحدة المنهج الفكري والتطبيقي عند ابن تيمية، فالسلبيات التي تعترض سبيل الإسلام يجب تبيينها أصولاً وفروعاً، وأعداء الإسلام التاريخيون ينبغي إرشاد المسلمين إلى أساليبهم ومواصفاتهم، دون مواربة ولا مداهنة. والبدع التي طرأت على مسيرة المسلمين لابد من كشف جذورها، ومصادر حياتها، وأخطارها، دون غمغمة ولا مجاملة.
صورة التيار السلفي عند البوطي:
يرى البوطي أتباع هذا التيار أنهم مجموعة تحاول اختلاق مذهب جديد والانغلاق عليه. وأنهم جماعة تريد تفريق كلمة المسلمين، بل وتصد عن الإسلام، وأن كلمة «السلف» تضم الصالح والطالح، ولم تُعْرَف هذه الكلمة، ولم يستخدمها المسلمون للدلالة على جماعة لها مواصفات معينة. «كيف ولو أنهم عبروا عن كينونتهم الجماعية ووحدتهم المذهبية بهذا الشعار إذن لدخل معهم في تلك الكينونة الجامعة سائر تلك الفرق الجانحة عن الحق الشاردة عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم-، إذ إنهم جميعاً (أي الفرق الجانحة عن الحق) مصبوغون بصبغة هذا الشعار، سواء انتموا أم لم ينتموا إليه (هكذا بالإكراه!)، بل إنهم السلف أنفسهم لا المذهب الذي ينتمي إليهم (يا ناس!)، فهم بكل فئاتهم وأشتاتهم أصل هذا المذهب وجذوره، دون أي تفريق بين مهتد وزائغ، وبين صالح وطالح».
ويرى أن ظهور شعار «السلفية» كان في مصر إبان الاحتلال البريطاني لها، وأيام ظهور حركة الإصلاح الديني التي قادها وحمل لواءها كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ثم استحلى أتباع (المذهب الوهابي) هذا الشعار؛ لما بين أتباعه وبين حركة الأفغاني ومحمد عبده من قاسم مشترك! وهو لا ينسى أن يُعَرّض بدعوة محمد بن عبد الوهاب مدعياً «بأن ينبوع مذهبه - بكل ما يتضمنه من مزايا وخصائص - يقف عند الشيخ محمد بن عبد الوهاب»، وهي عبارة ملتوية لو طولب البوطي بشرحها لدار وناور، ولكان له موقف منها حسب هوى من يكلمه فيها. ويرى أن ضيق وتبرم أتباع ابن عبد الوهاب بكلمة (الوهابية) جعلهم يستبدلون كلمة (السلفية) بها، ليوحوا إلى الناس بأن أفكار هذا المذهب لا تقف عند محمد بن عبد الوهاب، بل ترقى إلى السلف، وأنهم في تبيينهم لهذا المذهب، أمناء على عقيدة السلف وأفكارهم، ومنهجهم في فهم الإسلام وتطبيقه [236 من كتابه].
ويضع تعريفاً طريفاً للسلفي فيقول:«والسلفي اليوم كل من تمسك بقائمة من الآراء الاجتهادية المعينة (!) دافع عنها، وسفه الخارجين عليها ونسبهم إلى الابتداع، سواء منها ما يتعلق بالأمور الاعتقادية، أو الأحكام الفقهية والسلوكية» [ص237]. ويقول أيضاً في كلام كأنما يصف نفسه: «فكل من حصر الحق في الرأي الذي انتهى إليه، وَعَدّ صاحب الرأي الثاني مبتدعاً أو زائغاً، على الرغم مما وضحناه من أن كلا الرأيين نابتان في حقل المنهج المتفق عليه، فهو المبتدع حقاً،وهو المفرق لجماعة المسلمين، والمتسبب لإثارة البغضاء فيما بينهم دون أي موجب أو عذر، وهو المتنكب عن إجماع المسلمين..»، [ص 238]. ويرى أن (السلفية) مذهب جديد مُخْتَرَعٌ في الدين، وهو مجموعة آراء اجتهادية في الأفكار الاعتقادية والأحكام السلوكية، انتقيت من مجموع آراء اجتهادية كثيرة مختلفة، قال بها كثير من علماء السلف وخيرة أهل السنة الجماعة، لكن على غير أساس علمي، بل «اعتمادا على ما اقتضته أمزجتهم وميولاتهم الخاصة بهم»، بل ويختم هذه التخرصات بالإعلان أن هذه البدعة لا سابقة لها في أي عهد من عهود السلف أو الخلف، وأنها «من أشنع مظاهر البدع الدخيلة على الدين» بل ويقسم بحياته:إنه لا يعرف للبدعة معنى غير ابتداع لفظة السلفية فيرفع عقيرته قائلاً: «ولعمري، لئن لم يكن هذا كله ابتداعاً في الدين، فما هو المعنى المتبقي للبدعة إذن، وفي أي مثال أو مظهر يبرز ويتجسد؟!» [كتابه ص 242].
وقد سقنا هذه العبارات والفقرات ليتضح لنا تصور الشيخ لهذه الكلمة التي أطارت النوم من جفونه وكلفته هذا العناء، ولا نريد مناقشة ما جاء به من تعريفات وتأكيدات حتى لا يطول الكلام، ولكن نكتفي بطرح النقاط التالية: لا شك أن الشيخ على علم بالعبارة المأثورة عند أمثاله ممن يَدْرُسون ويُدَرِّسون العقيدة على طريقة المتكلمين وهي: (مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم)، ألا تعني هذه العبارة أن هناك شيئاً اسمه مذهب السلف، وشيئاً اسمه مذهب الخلف؟
هل الشيخ متأكد أن الناس قبل هذا العصر لم يستخدموا كلمه السلف ليدلوا على تيار معين في المسلمين؟ وليضرب صفحاً عن آثار ابن تيمية وابن القيم وأتباع هذه المدرسة؛ ألا يجد في كتب الحديث والتراجم شيئاً يدل على ذلك؟
أمّا نحن فنجد ذلك واضحاً كل الوضوح، وأن التيار المتمسك بالكتاب والسنة وفهمهما كما فهمهما الصحابة والتابعون وتابعوهم (وهم خير القرون) تيار واضح القسمات في كتب العلم.
قال الخطابي: «هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث في الصفات كان مذهب السلف فيها: الإيمان بها وإجراءها على ظاهرها ونفي الكيفية عنها». وجاء في الأعلام للزركلي، 8/6: «نبا بن محمد بن محفوظ القرشي، المعروف بابن الحوراني، الشيخ أبو البيان، شيخ الطائفة البيانية، من المتصوفة بدمشق، قال ابن قاضي شهبة: كان عالماً عاملاً، إماماً في اللغة، شافعي المذهب، سلفي العقيدة، له تآليف ومجاميع وشعر كثير».
ويقول الدكتور وهبة الزحيلي عن الشيخ جمال الدين القاسمي: «كان سلفي العقيدة، لا يقول بالتقليد»، فهل الشيخ الزحيلي مبتدع في استخدامه هذا المصطلح؟ وإذا كان كذلك فما هو المقابل لهذه الكلمة في وصف عقيدة الشيخ جمال الدين القاسمي يا ترى؟!
وقد غفل البوطي أو تغافل - في حمى حملته على خصومه – عن أن «السلفية» مصطلح يختلف معناه الاصطلاحي بين قوم وقوم، فأعداء الإسلام عرباً وعجماً، على اختلاف مشاربهم وتعدد نظرياتهم؟ يطلقونه على كل من يتمسك بدينه ولا يتنازل عن عقيدته، ولا يتخلى عن الأصول التي لا يجوز التخلي عنها بحجة أنها قديمة، فالشيخ البوطي عند هؤلاء سلفي؛ لأنه يعتقد أن في الإسلام واتباع منهجه نجاة البشرية وهدايتها، ولا يفرقون بين مسلم ومسلم، سواء في جزيرة العرب أو بلاد الشام أو شمال إفريقيا أو شبه القارة الهندية أو في أوربا وأمريكا.. ما دام هؤلاء المسلمون يعتزون بدينهم ويرونه منهجاً كاملاً شاملاً يحكم الحياة ويصلح دنيا البشر وآخرتهم.
والبوطي والمتصوفة وكثير من المشايخ المتأثرين بالمدارس ذات المناهج التي كانت سائدة في عهد المماليك، ثم عهد الدولة العثمانية يحصرون هذا المصطلح بأتباع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن تأثر بها، وبأفكار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
أما «السلفيون» أنفسهم الذين كرّس البوطي جهاده ضدهم، فلا يرون أنهم يخترعون ويبتدعون مذهباً جديداً، وإنما يقولون: إن هناك تياراً لازال موجوداً منذ عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى عصرنا هذا، يعتمد جعل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة المنهج الذي يجمع المسلمين كافة، وهذا المنهج كان واضحاً كل الوضوح في عصر الصحابة والتابعين، وهو المنهج الذي سار عليه أكابر علماء الأمة فيما بعد ذلك، وقد عكر على هذا المنهج مؤثرات غريبة عنه تسللت بأسباب وأساليب شتى، وما زال الأمر كذلك، حتى ظهور مدرسة ابن تيمية وتلاميذه التي أحدثت هزة عنيفة في ذلك الوقت، وعلى الرغم من وقوف الحكومات وعلماء السلطة في وجه هذه المدرسة وعملهم المستميت في كبت صوتها، فإن القوة التي تميز بها هذا الصوت لم تتلاش ولم تندثر، بل بقي الصدى يتردد هنا وهناك، ولا نرى حاجة لتفصيل أسباب ذلك وآثاره هنا، بل نقول: إننا نرى الجهود التي تصدت لمنهج ابن تيمية في السابق هي هي الجهود التي تحتشد لاجتثاث هذا المنهج من حياة المسلمين، ولكن هل يمكن ذلك؟ هذا سؤال متروك لأصحاب هذه الحملة ليجيبوا عليه بالقول الصريح، أو بالفعل المُقْنِع.
وأتباع هذا المنهج لا يدعون العصمة لأنفسهم، كما أنه إذا بدا في سلوك بعضهم ما يغضب غيرهم؛ فماذا في ذلك؟ إن من طبيعة النفس البشرية أن يضيق صدرها بما يخالف ما هي عليه، والإنسان عدو ما يجهل، وكذلك فإن الخطأ والظلم من هؤلاء ممكن ومتصور؟ أليسوا بشراً؟ وقد قال الله عز وجل: {إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ والأَرْضِ والْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وأَشْفَقْنَ مِنْهَا وحَمَلَهَا الإنسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب 72].
وإنه «ما من طائفة إلا وفي بعضهم من يقول أقوالاً ظاهرها الفساد. وهي التي يحفظها من ينفر منهم، ويشنع بها عليهم، وإن كان أكثرهم ينكرها ويدفعها» وهذا ما فعله الشيخ البوطي عندما استضافته «رابطة العالم الإسلامي» عام1406 هـ فقد تشاكى هو، وكثير من ضيوف الرابطة الذين جاءوا من أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقيا، تشاكوا بمرارة وأسى مشكلة وحيدة هي الخلافات والخصومات الطاحنة (!) التي تثيرها بينهم جماعة السلفية! هذا ولعله من رحمة الله بالمسلمين، ومن فضله وستره على السلفيين؛ أننا منذ ذلك التاريخ المشار إليه - وهو تاريخ حضور الشيخ البوطي لذلك الموسم الثقافي الذي دعت إليه «رابطة العالم الإسلامي» - لم نسمع بعدها عن شيء مما أشار إليه الشيخ والشاكون إليه، فها نحن منذ عام 1405هـ وإلى الآن - قرب نهاية عام 1411هـ - نعيش في بلد أوربي فيه عدد لا بأس به من المسلمين من مختلف الأصقاع والمشارب، لم نسمع عن شيء من هذه «الخلافات والخصومات الطاحنة» التي يتقلب البوطي منها على مثل جمر الغضا..! وهل على أحد لوم إذا ما ذكرته هذه العبارة «الطاحنة» بأبيات زهير التي يصف فيها الحرب من معلقته:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ *** وما هو عنها بالحديث المرَجَّمِ
متى تبعثوها تبعثوها ذميمةً *** وتَضرَ إذا ضرَّيتموها فَتَضْرَمِ
فَتَعرُكُكُم عَرْك الرحى بثِّفالها *** وتَلْقَحْ كَشافاً ثم تُنْتَجْ فتُتْئِم
وقبل أن نضع القلم نحب أن نتوجه بكلمتين إلى شيخنا البوطي.
الكلمة الأولى:
في الناس من يقرأ لابن تيمية ولغيره، وفيهم من له عقل يستطيع أن يميز بين السقيم والسمين، وبين النافع والضار، وهذه كتب العلم لم تزل مبذولة تشهد على كاتبيها، وقد أصبحت منتشرة أكثر والوصول إليها أسهل بحمد الله؛ فمن يا ترى من العلماء يرشح لنا الشيخ البوطي حتى نتخذ منه نافذة نطل بها على تراثنا الإسلامي العظيم نقلاً وعقلاً وفهماً واستنباطاً، ومن كتب في مناحٍ المسلمُ أحوج ما يكون إليها في هذا العصر الهائج المائج؟
سيقول الشيخ: وهل تَدّعون أن أحداً من العلماء أحاط بكل ما يحتاجه المسلمون، وأجاب عن كل تساؤل يعرض لهم؟ إذا كنتم تدعون ذلك فقد أبعدتم النجعة، وبالغتم مبالغة مذمومة، وبلغتم بابن تيمية أو غيره ممن تتعصبون له درجة لا تطاق ولا تقرون عليها! إن هذا العلم قدر مشترك لكل علماء المسلمين، وكل منهم ساهم في هذا البناء المتماسك.
فنقول: نعم، لا ندعي لأحد الإحاطة، ولا نغمط أحداً حقه ولا نبخسه ما وهبه الله، يأبى علينا الإنصاف ذلك، ولكننا - مع اعترافنا لكل ذي حق بحقه - ننظر إلى ما هو موجود، وإلى نفعه للمسلمين من الجانب العملي، وإلى مردوده على ما نتطلع إليه من الانتقال بحالهم من التراجع والضعف؛ إلى النظر إلى المستقبل بثقة وثبات، وإلى تحويل إمكاناتهم من قوة كامنة إلى قوة دافعة، ولذلك نسأل الشيخ البوطي:أي كتب تقترحها علينا نطل من خلالها على الإسلام الصافي بقوة حججه، وسمو أخلاقه، ووضوح أفكاره، وحرارة الإيمان، وفاعلية العقيدة فيه:
الفتوحات المكية أم اقتضاء الصراط المستقيم؟!
فصوص الحكم أم منهاج السنة النبوية؟!
اليواقيت والجواهر أم الصارم المسلول؟!
إرشاد المغفلين من الفقهاء والفقراء إلى شروط صحبة الأمراء! أم السياسة الشرعية؟!
الكبريت الأحمر وشرح وصية المتبولي أم درء تعارض العقل والنقل؟
الكلمة الثانية:
هناك مجال ما أجداه على الدعوة الإسلامية لو اقتحمه الشيخ البوطي، فبدلاً من اقتصاره على الحديث ناقداً ومشنعاً على إخوانه أتباع الكتاب والسنة، وشنه هذه الحملات المتكررة عليهم في داخل بلده وخارجه؛ حبذا لو خرج من هذه الدائرة المغلقة والتفت إلى تربية الدعاة والاهتمام بنشر العلم الشرعي الذي استؤصلت معالمه بشكل مقصود وأساليب ملتوية مفضوحة، إلا بقايا من الجهود الفردية التي لا تفي بالحاجة ولا تقوى على التحديات المحيطة، وإن في إمكانات الشيخ البوطي - «التي لا نحب أن نرتاب فيها» - البركة، فهو في حال - من البحبوحة الكلامية،وحرية التحرك - يغبطه عليها الكثير، وله قدم صدق عند أصحاب الحل والعقد،فلم لا يستثمر هذه الفرصة بما يعود على الإسلام والمسلمين بالخير، وينشِّط «الصحوة الإسلامية» التي نوه بها بقوله مرة: «إن معين الصحوة الإسلإمية من الشام، وهي من الشام تنتشر، وسرها في الشام، وقد كان ذلك فيما مضى، واليوم، وسيبقى بعد اليوم». بشره الله بالخير، ولو أزال الشيخ الغموض الكامن في عبارة «وسرها في الشام» لأجاد وأفاد، ووفى بالمراد، ولشكر له المنتظرون سماع هذه التطمينات شكراً لا مزيد عليه. وكذلك قوله الآتي في كلمته تلك فيه غموض يحتاج إلى تفصيل وشرح، ولا يقدر على ذلك سواه -حفظه الله - فهلا فعل؟! يقول:
«إن المكائد تضاعفت ليس من أفراد فقط أو جماعات؟ بل من حكومات تعادي الإسلام... وإذا كانت الشام منبع أعداء الإسلام فلتنهض الشام نهضتها، ولينهض الشعب متعاوناً مع رئيسه». كيف يكون معين الصحوة في الشام؛ ومنبع أعداء الإسلام من الشام؟! ومن الأفراد، ومن الجماعات، ومن الحكومات التي تعادي الإسلام؟ ولم لا تضع دليلاً يستخدمه أهل الشام لاكتشاف هؤلاء الأفراد، والجماعات، والحكومات؟! كل ذلك يحتاج إلى تجلية وبيان من أجل النشء الذي وقفت جهودك لتوعيته، لتستبين سبيل المجرمين. فضع إصبعك على الجروح الناغرة يا شيخ، ولا تخف، وخذِّل عن المسلمين، ولا يكن همك كهمِّ المتنبي فقط؛ ضيعة أو ولاية، فما أنت فيه خير من الضيعة أو الولاية، وكن على ذكر من كلمة إبراهيم بن أدهم أو غيره: «لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف». واعتبر بأصحاب الضيعات حواليك - ضباع تتهارش على الجيف في العاجلة، وتذهب - مخلفة روائح الجيف ورائها - إلى الآجلة.