العصرانية.. تخريب وتبديد لا تجديد
6 ذو القعدة 1432
منذر الأسعد

الكتاب: العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب
المؤلف: محمد حامد الناصر
الناشر: مكتبة الكوثر بالرياض
ط2/2001م
438 صفحة قطع عادي (17×24سم)

*******

بين أيدينا اليوم كتاب يستحق القراءة لأنه يرصد بدقة الحصاد المُرّ الذي أفرزته المدرسة التخريبية التي تعارف الدعاة والإعلاميون الإسلاميون على تسميتها بـ"العصرانية"، كما أنه يتجاوز التوثيق العلمي الأمين لأبرز رموز العصرانية وأهم معاولها الهدامة، فينسف الأفكار الرئيسية التي تقوم عليها بالحجة الدامغة والدليل الناصع.

 

يتكون الكتاب من أربعة أبواب، أولها: الجذور التاريخية والفكرية للمدرسة العصرانية، وثانيها: دور دعاة التغريب خلال النصف الأول من القرن العشرين، والباب الثالث: العصرانيون الجدد، والباب الأخير: المدرسة العصرانية في الميزان. ويضم كل باب عدداً من الفصول، ويشتمل الفصل الواحد على مباحث تتصل بمحتواه.

 

يعيد المؤلف جذور المدرسة العصرانية إلى المعتزلة الذين بالغوا في تقدير العقل إلى درجة يأباها الدين الحنيف وينسفها العقل ذاته الذي لطالما تشدق القوم باسمه. وإذ يعرض الكتاب نبذة كافية عن الأصول الخمسة لأهل الاعتزال ومنهجهم المنحرف في تفسير القرآن الكريم، وفي التعامل مع السنة النبوية الشريفة، يرى المؤلف أن مصدر الخلل لدى المعتزلة يكمن في تقليدهم الببغاوي لفلاسفة اليونان. ولا يفوته أن يدحض مفترياتهم على الحديث النبوي بمنطق سديد مؤيد بالنصوص الواضحة من القرآن الكريم والسنة المطهرة وفهم السلف الصالح لتلك النصوص.. أما السلف الأحدث للعصرانيين فهم رواد المدرسة العقلية الحديثة-ويحلو لأنصارها أن يسموها: المدرسة الإصلاحية!!- ويتصدرهم جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا ومصطفى المراغي. وأما الجذر الثالث وهو الأشد عوجاً فيتمثل في القرآنيين الهنود الذين ساروا على نهج السير أحمد خان الموالي للاحتلال البريطاني!!

 

ويربط المؤلف ذلك كله بنشاط المنصرين والمستشرقين الذين عملوا بدأب ضد الإسلام صرحة في بعض الأحيان وبالمواربة والخداع في أكثر الأحوال، من خلال الطعن الزائف في ثوابت الإسلام وازدراء اللغة العربية لإبعاد الناشئة عن الاتصال بالقرآن الكريم.

 

ثم يصنف تيارات التغريب في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي في ثلاثة أصناف،هم: تيار مدرسة الاستعمار-تيار تطوير الإسلام- نصارى العرب. وهنا نطالع حملات هؤلاء للتشكيك في كتاب الله عز وجل والتطاول على الحديث النبوي والانتقاص من الشريعة الغراء، وهي مساعٍ هدامة تبرز فيها أسماء طه حسين وعلي عبد الرازق وزكي مبارك ومحمود أبو رية وأحمد أمين...

 

وأما الباب الثالث المخصص للعصرانيين الجدد فيستهله الباحث الناصر بتأكيد أنهم ليسوا سواء، فبعضهم يتكلم مدفوعاً بفكر ضال يسعى إلى إخفائه سواء أكان شيوعياً أم قومياً متعصباً أم تغريبياً ليبرالياً، ومنهم من يركب موجة العداء للصحوة لمكاسب شخصية رخيصة، وهنالك فريق يقع في الفخ عن سذاجة وضحالة علم..

 

ويحتوي هذا الباب على أربعة فصول،هي:
1-مفهوم التجديد بين الهدم والبناء
2-العصرانية بين الجذور الغربية والصلات المشبوهة
3-العصرانية مخاطر ومتاهات
4-حقيقة العصرانية دعوة إلى العلمانية

 

ونقرأ في هذه الفصول وفي المباحث التي تشتمل عليها، نسفاً علمياً لشعار التجديد عند العصرانيين الجدد، وعرضاً وافياً لفكرة تطوير الدين المنقولة حرفياً عن سوابقها لدى اليهود والنصارى، مع تشخيص لأبرز خصائص هذا المدرسة، ووقفة طيبة مع افتراضهم البائس أن الدين والعقل خصمان لا يتفقان، وهو الأمر الذي يفنده الكاتب بأدلة وبراهين حاسمة.

 

وتبدو في هذا الباب أبرز انحرافات القوم في مواقفهم من السنة الشريفة ومن أصول الفقه وأهم شذوذاتهم كالتحايل على الربا المحرم، وتحريفهم حقائق الشرع بخصوص الحدود، وسعي هؤلاء إلى إلغاء الجهاد بكل الحذلقات التي يتقنونها، وصولاً إلى مبدأ العلمنة: فصل الدين عن الدولة والفكرة الهدامة: توحيد الأديان، تقليداً منهم لسادتهم في الغرب، من دون أن تنجو من أقلامهم المسمومة أبهى صفحات تاريخنا المشرق وأعظم رجالات حضارتنا بل أعظم البشر بعد الأنبياء منذ فجر البشرية حتى قيام الساعة!! لكنهم لا يكتفون بجرائمهم تلك وإنما يضيفون إليه تزويراً مقابلاً يتلخص في تجميل الصفحات القاتمة (القرامطة وثورة الزنج..) وتفخيم الشخصيات القميئة المنبوذة (ابن عربي والحلاج...).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنبيه: هناك غلط فاحش يغلب على الظن أنه مطبعي،في الصفحة 302 فقد ورد اسم الصحابي الجليل يزيد بن أبي سفيان على أنه استباح المدينة المنورة ثلاثة أيام، والصواب أن الذي فعل ذلك هو يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان وشتان بين الثريا والثرى!!