10 سنوات..توريط الهند ومحاصرة باكستان وتعفين الوضع في أفغانستان
11 ذو القعدة 1432
عبد الباقي خليفة

10 سنوات مرت على احتلال أمريكا لافغانستان، 10 سنوات من قتل المدنيين العزل، والذي يقدر عددهم بين 150 ألفا ( أرقام الاحتلال ) ونحو المليون مدني،( منظمات المجتمع المدني ) و10 سنوات من  التدمير والقصف العشوائي والقتل على الهوية. وهي أيضا 10 سنوات من الخسائر المادية والبشرية لأمريكا، تمخضت عن الأزمة المالية وسقوط مركز الثقل الرأسمالي وول ستريت بقلب نيويورك.

 

 

وبعد 10 سنوات من وجود ما يربو عن 150 ألف جندي في أفغانستان، لا يزال الاحتلال وذيوله في المربع الأول، بل يزدادون تخبطا مع مطلع كل يوم يقضونه في أفغانستان وهم يفكرون في كيفية الخروج منه. لم تستطع واشنطن وجنرالاتها حسم الحرب ( غير المتكافئة ) مع طالبان والحزب الإسلامي والجماعات الإسلامية المتحالفة معهما.

 

وهناك دلائل على أن طالبان ستعود لحكم أفغانستان بعد سويعات فقط من رحيل الاحتلال المقرر في 2014 م. ولذلك فإن الغرب يريد توريط قوة صاعدة في أفغانستان هي الهند لقطع الطريق أمام باكتستان ومنعها من عقد تحالفات استراتيجية ليس في أفغانستان فحسب بل مع جمهوريات القوقاز وآسيا الوسطى خشية قيام تحالف اسلامي في المنطقة، ومن جهة أخرى تدمير تلك القوى الصاعدة في أرض وصفت على الدوام بأنها مقبرة الغزاة .

 

إن أمريكا لا تواجه تنظيما،( القاعدة وزعيمها الراحل ، رحمه الله ، على سبيل المثال)  وإنما تواجه شعبا، وسياساتها تقودها لمواجهة أمة بأسرها، بل لمواجهة داخلها بدأنا نلمسها من خلال مظاهرات وول ستريت ضد جشع الشركات التي تتحكم في كل شئ تقريبا داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي تسعر نار الحرب في أفغانستان وغيرها من أجل مصلحة كمشة من المرابين الشجعين المرتبطين بلوبيات لا تهمها مصلحة أمريكا إلا بالقدر الذي يحقق أهدافهم.

 

 

أطول حرب بأكبرخسائر: وتقول تقارير الأمم المتحدة أنه في السنوات الخمس الأخيرة فقط، قتل أكثر من 10 آلاف من المدنيين الافغان وقتل أكثر من 2500 من جنود الاحتلال معظمهم من الأمريكيين، بيد أن تقارير أخرى تفيد بأن الأعداد في كلا الطرفين أضعاف ذلك " وقد تجاوزت بالفعل الحرب في أفغانستان حرب فيتنام، وأصبحت أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة ". ويشكك مراقبون من بينهم قائد قوات الاحتلال في أفغانستان سابقا الجنرال ميكريستال ستانلي، في امكانية تحقيق بلاده وحلفاؤها أهدافهم في أفغانستان بعد الجرائم التي ارتكبوها بحق أفغانستان بل بحق الشعب الأمريكي الذي فقد الكثير منه رفاهيته بسبب الحروب بالوكالة والتي تقوم بها هذه المرة واشنطن لصالح طرف آخر، أي عكس ما كان يحصل في السابق حيث يخوض الآخرون حروب أمريكا.

 

 وقد أدى ذلك لأن تخسر واشنطن في حرب أفغانستان وحدها 57 مليار دولار، بينما الشعب الأفغاني يواجه الحرمان والمرض والموت وباعتراف وسائل الإحتلال فهناك 80 في المائة من السكان لا يملكون امكانية العلاج،  وتواجه أفغانستان أكبر موجة جفاف، علاوة على وجود 3 ملايين شخص في حاجة إلى المساعدة العاجلة.

 

 

عودة لسياسة الحرب بالوكالة : هذه النتائج دفعت واشنطن للبحث عمن يسد الفراغ في أفغانستان، وهي لا تريد لباكستان أن تلعب دورا محوريا في مستقبل البلاد، لذلك لا تتوقف عن كيل التهم لها رغم كل ما قدمته.... حتى كرامة باكستان وضعتها تحت أقدام أمريكا، ومع ذلك لم يشفع لها ذلك شيئا عند إدارة يزداد عدد اليهود فيها في كل مرة يصل فيها رئيس أمريكي جديد إلى البيت الأبيض.

 

واليوم تجد باكستان نفسها وجها لوجه أمام أمريكا التي ربطت أفغانستان استراتيجيا مع الهند، وذلك بمثابة حكم بالاعدام على باكستان التي عانت كثيرا في زمن الملك ظاهر شاه من ذلك التحالف القذر. وهدد الامن القومي الباكستاني من خلال مطالبة كابل ظاهر شاه بالجزء البشتوني من باكستان، وكان هناك عملاء حتى أن زعيمهم طالب بدفنه في جلال آباد الأفغانية بعد موته وهو ما حدث فعلا.

 

وتتذرع واشنطن كما ورد على لسان وزير الحرب ليون بانيتا، بوجود روابط لباكستان مع حركة حقاني، وبالتالي حركة طالبان باكستان، رغم ما فعلته الحكومات الباكستانية إلى درجة سفكت فيها دماء شعبها من أجل تحالف وهمي ، تبين أخيرا أنه خدعة، مع واشنطن.
الولايات المتحدة لم تتنكر لهذا التحالف فحسب، ولم تفضل الهند على باكستان فقط، بل أصبحت تحملها المسؤولية على العمليات الجريئة في كابل، وبالتالي تحميلها المسؤولية على خسارتها للحرب وفي ذلك بوادر وارهاصات عداون على باكستان نفسها على طريقة، أكلت يوم أكل الثور الأبيض. فالسفير الأمريكي في أفغانستان ريان كروكر يتهم جماعة حقاني بأنها وراء الهجوم على مركز قيادة الناتو والسفارة الأمريكية في كابل مؤخرا، والذي قام به ثلاثة أفراد شغلوا حكومة كرزاي وقوات حلف شمال الأطلسي بقضه وقضيضه مدة 20 ساعة. وكان الجيش الأمريكي قد اتهم وكالة الاستخبارات الباكستانية بمساعدة جماعة حقاني في هجوم كابل . بل إن الرئيس أوباما نفسه زعم أن هناك اتصالات بين مجموعات مسلحة وأجهزة الاستخبارات الباكستانية. وستكون هذه الأجهزة من الغباء إن لم تفعل ذلك، وهي تشاهد حبك المشنقة التي يراد لباكستان أن تختنق بها. بل استكثر أوباما على الباكستانيين حماية ظهورهم، وكان ذلك هدفا أي أن تبقى باكستان مكشوفة الظهر" أعتقد أنهم يحمون ظهورهم تحسبا لما يمكن أن تصبح عليه أفغانستان " أي عودة طالبان وحكمتيار لحكم أفغانستان بعد خروج الاحتلال. كما كرر ما زعمه وزير دفاعه والرويبضة في كابل .

 

ولم تزد باكستان عن التحذير من خسارة أمريكا لها كحليف إذا استمرت في اتهام اسلام آباد ولكن هؤلاء لا يدركون بأن الولايات المتحدة لا تؤمن في الدائرة الاسلامية بحلفاء وإنما تريد عملاء فقط ، فمتى يدرك الباكستانيون وغيرهم ذلك ؟!!!
لكن المؤكد هو أن إعطاء واشنطن ظهرها لباكستان سيؤدي كما قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الباكستاني سالم سيف الله إلى الحاق أضرار بجهود تحقيق الاستقرار في أفغانستان ويذكي المشاعر المناهضة للولايات المتحدة" لكن فاته أن الأجواء معكرة أصلا وأن باكستان في انتظار هجمة مفاجئة فضلا عن انفراد عقد مصالحها في أفغانستان والمنطقة بل داخلها بدرجة أولى .

 

ومما لا شك فيه أن أمريكا وحلف شمال الأطلسي لا يمكنه فعل شئ بدون باكستان والتعويل على الهند مجرد " تفكيربالتمني" إذ أن الشعب الأفغاني لا يمكنه القبول بدور في بلاده لعدو تاريخي منذ محمود الغزنوي. ولا يمكن أن يقبل بهذا الدور على حساب الشعب الشقيق في باكستان الذي احتضن جهاده وآوى مهجريه. وكل ما يقوله حامد كرزاي من عبارات دبلوماسية بعد عقده شراكة ( استراتيجية ) مع الهند لا يمكن أن تنطلي على الجانب الباكستاني" باكستان هي الشقيق التوأم، والهند هي الصديق العظيم، والاتفاقية التي وقعناها مع صديقنا لن تؤثر على شقيقنا" وبالتالي لا تزيد عن كونها تلاعب بالألفاظ، كمن يقال لمن سيعدم "سنريحك من تعب الحياة ".  

 

والترتيب للهند للعب دور محوري في مستقبل أفغانستان، من بينه تولي تدريب الشرطة الأفغانية ( وليس باكستان) وتسليح الجيش الأفغاني ( وليس باكستان) ولعب دور استشاري سياسي اقتصادي أمني وعسكري ( وليس باكستان) وربما تدخل عسكري وفق اتفاقيات ( وليس باكستان) كل ذلك لا يمكن أن يتغاضى عنه بكلمات لا نقول معسولة بل كذوبة ومنافقة وتتأبط شرا لباكستان لمحاصرتها سياسيا واقتصاديا وثقافيا ، لا سيما وأن العلاقة الاستراتيجية بين أفغانستان كرزاي والهند تشمل التعليم أيضا؟!!!

 

إذن هي اتفاقية موجهة ضد باكستان وإن قيل غير ذلك، فرئيس وزراء الهند مانموهان سنغ، أكد على أن تدخل بلاده في أفغانستان لخدمة أهداف استراتيجية تخص جنوب آسيا، وأن " الهند ستقف إلى جانب ( أفغانستان ) عندما تنسحب القوات الأجنبية من البلاد عام 2014"م. وبذلك يبقي الباب مفتوحا لتدخل عسكري لحماية الدمى الحاكمة في أفغانستان. حتى المساعدات الهندية المعلنة وهي ملياري دولار، لن تكون مجانا بل ستجني الشركات الهندية والمؤسسات الهندية في مجال التعليم والاتصالات والطاقة وغيرها أضعافها على حساب الشعب الأفغاني لاحقا فليس هناك من يدفع مجانا في عصرنا الراهن إن لم يكن أخا لك في الدين أما النظير في الانسانية فلم يعد قائما في عصر يتاجر فيه حتى بالقيم.

 

وقد زاد من أهمية الدور الهندي أمريكيا بعد مقتل برهان الدين رباني، الذي لم يكن على وفاق أبدا مع باكستان، حتى زمن الجهاد ضد الروس، وكان يشتكي دائما من الادارات الباكستانية، بينما كان قادة آخرون من أمثال حكمتيار وحقاني وبدرجة أقل عبد رب الرسول سياف وغيره يثنون على الدور الباكستاني.

 

وعندما أشار حامد كرزاي إلى وقف المفاوضات مع طالبان( لم تكن موجودة أصلا ) وأنه يفضل التفاوض مع باكستان" نحن لا نستطيع التفاوض سوى مع باكستان"وتابع" ليس لدي أي جواب آخر غير القول إن باكستان هي الجانب الآخر في محادثات السلام معنا" فإنه بذلك يوجه اتهامات بطريقة دبلوماسية بأن اسلام وآباد وبعد أن تبين لها أن واشنطن قلبت لها ظهر المجن وتريد أن تمكن للهند في أفغانستان مدت يدها لطالبان التي صنعتهم على عينها، وهذا ليس سرا، وهو أن باكستان ساهمت في تشكيل حركة طالبان بعد الصراع الأفغاني الأفغاني على إثر تحرير كابل وسقوط الحكم الشيوعي على يد المجاهدين.