"فتنة ماسبيرو".. بلقنة مصر؟ أم عرقلة التحول الديمقراطي؟!
14 ذو القعدة 1432
رضا عبدالودود

في توقيت حاسم، قرر المتلاعبون بمصير مصر حرق الوطن وإعادته للوراء، عقب قرارات معتبرة اتخذها المجلس العسكري، بوقف إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، وتعديل قانون الانتخابات وفق مطالب غالبية القوى السياسية.. وقبل أيام من اطلاق عملية أول انتخابات نيابية لبرلمان ثورة 25 يناير...

 

أراد أصحاب الأجندات العدائية توصيل رسالتهم ، عبر سيناريو تم تجهيزه باستغلال الحلقة الملتهبة في مصر والتي ساهم بصناعتها النظام البائد، الذي ظل لسنوات يواصل سياسة التأجيج الطائفي لمغازلة أطراف دولية وتأجيل استحقاقات ديمقراطية واجبة النفاذ ، ولا أدل على ذلك مما كشفته وثائق أمن الدولة بتورط وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي في تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية..وقد جاءت الرسالة واضحة من أمام ماسبيرو أن تظل مصر تدور في حلقة مفرغة من الفوضى..

 

أصل الحكاية
وتعود أحداث ماسبيرو إلى محاولة بعض النصارى بناء كنيسة غير شرعية في مضيفة (دار مناسبات، أو دار ضيافة) لأحدهم، ويدعى "يوسف عوض"، في قرية المريناب بمحافظة أسوان، مستخدمين أوراقاً مزورة لكنيسة تقع في قرية أخرى تبعد أكثر من ثلاثين كيلومتراً، ولا يزيد عدد الأقباط في قرية المريناب عن ثلاثين فرداً فقط، ما أدى إلى رفض أهالي القرية من المسلمين ـ  هذه المحاولة، وتجمعوا بصورة عشوائية لمنع البناء ، وعلى الفور قام المتطرفون النصارى بتصعيد الأمور إعلامياً وحشد الشارع والتحريض العلني على اعتقال بعض المسلمين كالشيخ حبيب منصور لدعمه للمسلمين الجدد، وشتم بعض المسئولين الرسميين بألفاظ نابية....وجاءت دعوات أقباط المهجر للتظاهر في ذكرى انتصار أكتوبر. كرسالة مضادة لتوجهات المجلس العسكري نحو إنهاء الفترة الانتقالية ، والتي عبر عنها بيان المشير طنطاوي أمس الأحد بقرارات لقت قبولا شعبيا..

 

تدمير الدولة..هدف الخارج وفلول الداخل
ومما لاشك فيه أن أحداث ماسبيرو ليست فتنة طائفية، بل يتعدى الأمر إلى محاولة "إسقاط الدولة"، وبدء مسلسل التدخلات الدولية الفجة في الشأن المصري، الأمر الذي يفسره دخول الخارجية الأمريكية على خط الأحداث بعرض المساعدة على المجلس العسكري في حماية دور العبادة المسيحية....بجانب مسارعة وزراء الاتحاد الأوروبى للاجتماع اليوم الاثنين فى لوكسمبورج لمناقشة الوضع فى مصر ، وسط تأكيدات أوروبية بأن مصر ستأخذ منعطفا جديدا بعد يوم من الأحداث العنيفة التى حدثت بين الأقباط والجيش فى مصر.

 

دلالات  مخيفة:
-عدد القتلى والجرحى الذي تجاوز 375 وفق البيانات الأولية يوم الاثنين 10/10 وحجم التخريب يؤكد أن هذه الأحداث ليست وليدة مشكلة كنيسة أسوان بقدر ما هي رغبة من جهات داخلية وخارجية تبغي إجهاض الثورة وتعويق مسيرتها نحو الحرية والعدل والديمقراطية، ولو أدى الأمر إلى حرب أهلية بين إخوة الوطن والدم والتاريخ، كما صرح البعض بغير مواربة.

 

-الخطاب الانتهازي الفئوي، حيث تمادت كثير من فئات الشعب وقطاعاته في تعظيم احتجاجاتها ضد الحكومة الانتقالية للحصول على حقوقها المشروعة، لكن توقيت تلك الاحتجاجات المهددة للسلم الاجتماعي غير مناسب، وعلى هذه الوتيرة أراد الأقباط تصعيد مطالبهم في تلك اللحظة الحرجة في ضوء ما يشاهدونه يوميا من استجابات المجلس العسكري والحكومة للمطالب الفئوية الضيقة، فأراد الأقباط الحصول على حقوقهم بقانون العبادة الموحد وتعويض خسائرهم من انهيار حكم مبارك الذي استفادوا من موازناته وموءاماته كثيرا، إلا أن الجميع قد تناسى أن كافة القرارات والقوانين التي تصدر في تلك المرحلة الانتقالية سيعاد تقييمها ومراجعتها بل وإسقاطها ان تطلب الأمر في حال قيام برلمان منتخب وحكومة تحظى بثقة الأخير..
- تعاظم تأثير أقباط المهجر على أقباط الداخل، فقد جاءت دعاوى أقباط المهجر للتظاهر يوم 9 أكتوبر، من أجل حقوق الأقباط ، واستجاب أقباط مصر لتلك الدعاوى التي أرادت احراج الجيش وإلهاء الحكومة المؤقتة والتي تعيش أزمات مستمرة تتفجر كل ساعة أمامها، سواء بفعل الداخل أو الخارج أو تفرضها تطورات الأوضاع اليومية..

 

ومما يفاقم مستقبل القضية القبطية استجابة أطراف قبطية مصرية (كالناشط جورج اسحاق الذي هدد عبر تسجيل بالفيديو بقطع يد أي عسكري أو شرطي تمتد للأقباط) لأجندة أقباط المهجر التي لا تبتعد كثيرا عن أهداف المخابرات الصهيونية والغربية والأمريكية إزاء مصر، ويأتي في مقدمة أقباط المهجر مجموعة من المتطرفين المدعومين من أوساط الماسونية العالمية، من أمثال: زقلمه وموريس ، حيث أصدروا بيانا قبل 24 ساعة من أحداث ماسبيرو يحرضون الأقباط علي التظاهر يوم 9 أكتوبر ومواجهة من يسمونه (الجيش الإسلامي) ، واصفين الجيش المصري بـ"النازيون العسكر الذين يسحلون الأقباط بماسبيرو فى ذكرى هزيمتهم فى أكتوبر 1973 انتصار إسرائيل عليه ". وقد سبق ذلك البيان مطالبة جمعيات أقباط المهجر من رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو - بالتدخل لحماية الأقباط من "الغزاة العرب " الذين يحكمون مصر ، ومقابل هذا يقدمون لإسرائيل صك بـ "الاعتراف بأورشليم عاصمة موحدة لإسرائيل ".

 

-كذلك تكشف أحداث ماسبيرو عن مخططات غربية وصهيونية ، طالما أتهم من يتحدث عنها بالارتهان لنظرية المؤامرة، أما الآن فقد بزغ فجر العمل المباشر والمنظم والمكشوف لأجهزة الاستخبارات الدولية التي يهمها استمرار وهن وضعف مصر، وفي هذا السياق جاءت كلمات رئيس المخابرات الحربية الصهيونية (أمان) اللواء عاموس يادلين، خلال خطاب تنحية في نوفمبر 2010 عندما قال أن " مصر تقع في القلب من أنشطة جهاز المخابرات الإسرائيلي، " وان التركيز يتم عبر تأجيج الفتنة الطائفية .. وأن «إسرائيل» نجحت ولا تزال في «تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة مصرية متصارعة ومنقسمة إلى أكثر من شطر؛ لتهديد المجتمع المصري» !.

 

تلك الكلمات الكاشفة لا تتناقض مع شخصية من قاد التظاهرات أمام ماسبيرو سواء كانوا من أقباط شبرا ومناطق أخري خرجوا سلميا ليشاركوا بالمظاهرة ...إلا أن  من جاء بالمولوتوف للمنطقة، والذي قتل جنود الجيش بالرصاص، وهم الذين كانوا قبلها بساعات يحرسون المتظاهرين ويتبادلون العبارات الطيبة معهم وزجاجات المياة...حسبما قال جندي كان يتألم ويصرخ قائلا : "غدروا بنا وقتلوا زميلي وهو واقف جنبي" ؟!....هم من يعملون ضمن الأجندة الغربية المضادة للثورة المصرية...

 

-وتشير أيضا أحداث ماسبيرو التحالف المصلحي المتصاعد بين بعض قيادات الكنيسة المصرية وفلول الحزب الوطني ، كما يبدو أن الحركات الاحتجاجية التي حاولت الاعتداء علي الجيش المصري طيلة الأشهر الماضية وجره إلي صدام مروع مع الشعب المصري يؤدي إلي تفتيته لصالح أجندات خارجية غير خفية قد وجدت بغيتها مؤخراً في التحالف مع التيار الكنسي المتطرف بعد أن أعيتها الحيل في الحصول علي حليف يوفر لها المدد البشري بعد فشل التحالف مع الألتراس الكروي والذي لم يستطع تحقيق المطلوب منه .
لذا فمن الضروري مواجهة ذلك التنظيم الكنسي المتطرف الذي يسعي سعياً حثيثاً إلي عرقلة الاستحقاق الانتخابي وفق منظومة متكاملة لإجهاض الثورة المصرية وإن لم يستطع فعلي الأقل يكرس أوضاعاً طائفية علي أرض الواقع يصعب تغييرها حال وصول أي حكومة منتخبة.

 

بيان الجيش الكاشف
وعلى الرغم من ضبابية الصورة التي تخفي الأهداف الحقيقية لفتنة ماسبيرو، جاء بيان المجلس العسكري كاشفا لجزء كبير من المخطط الذ يسعى لعرقلة المرحلة الانتقالية لصالح الفلول والجهات العديدة في الداخل والخارج التي تسعى لاستمرار أوضاع مصر دون حد الاستقرار...لذا أكد البيان على اجراء الانتخابات في موعدها، بجانب التأكيد على تطبيق القانون واجراء تحقيقات كاشفة لحقيقة ما جرى....

 

خارطة طريق
ويبقى التأكيد على أن مشكلات الوطن يجب أن يتم حلها في إطار التفاهم المشترك وسيادة أحكام القانون، مع إقرار حق التظاهر السلمي للجماهير, والذي يجب أن يُمارَس في إطار عدم الاعتداء على الآخرين، وعدم تعريض أمن وسلامة الوطن والمواطنين أو مؤسسات الدولة للخطر, وأن يتم التعبير في إطار الالتزام بالسلمية.

 

أما أن يتحول هذا الحق في التظاهر السلمي إلى اشتباكات وإطلاق نار وسقوط قتلى وجرحى على هذا النحو غير المسبوق، يجب ألا يسمح به الشعب المصري مسلمون ومسيحيون، وما يجب أن يكون محل تحقيق عاجل ومحاسبة عاجلة ، احتراما للدم المصري الذي هو خط أحمر...وإلى أن تظهر نتائج التحقيقات على الجميع الالتزام بثوابت المجتمع من توازن الحقوق والواجبات، والتصميم على عدم إتاحة فرصة الفوضى لتعطيل مسيرة بناء دولة القانون والمؤسسات؛ فهي الضمانة الوحيدة لصيانة حقوق الجميع.

 

بجانب تلك القيم لابد من تفعيل القانون دون تباطؤ، لأن المعالجة المتراخية أمام الحوادث التي أججها متطرفون أقباط من قبل من أسباب عودتها مرة بعد أخرى رغبة في الحصول على مكاسب جديدة على حساب الأكثرية المسلمة من شركاء الوطن.