د. معتز الخطيب: الثورات ستعيد "المهنية" المفقودة للإعلام العربي.. التوك شو العربي يحاكي بعضه
30 ذو القعدة 1432
همام عبدالمعبود

أوضح الباحث السياسي السوري، الدكتور معتز الخطيب أن الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي، اعتادت فبركة الرأي العام، من خلال اختراع إجماعات وتوافقات لا توجد على أرض الواقع، مشيرًا إلى أن "وجهات النظر ستختلف حيال تغطيات القنوات المختلفة للثورات العربية، وذلك تبعًا لمواقف الدول التي تملك تلك القنوات، وإلى أي مدى تعبر تلك القنوات عن سياسات دولها".

 

وقال الدكتور الخطيب، الباحث والمحلل الإعلامي ومعد البرامج بقناة الجزيرة الفضائية، في حديث خاص لموقع "المسلم": "يَصعب تَقَبُّل فكرة أن مجرد إبراز أحداث سياسية معارِضة للنظام القائم، هي عمل إعلامي بحت، لأنها تحمل مضامين سياسية أيضًا، لكن في الوقت نفسه لا ينبغي التخوف من ذلك؛ لأن السكوت عنها هو عمل سياسي أيضًا"، معتبرًا أن "الجدل يقع في التحيزات، أو طريقة التغطية، وحجمها ومداها، ونوعية اختيار العناوين والضيوف، والمساحة التي تعطى لهذا الخبر أو ذاك".

 

وأكد الدكتور معتز الخطيب أن "أساسيات المهنية الإعلامية، وكذلك المنهجية التحليلية في العلوم السياسية، هو التمييز بين الخبر والتفسير أو التحليل، وحين يتم الدمج بين الاثنين فهذا يحيل إما إلى نقص في المهنية، أو إلى قناة حكومية تعبر عن سياسات مُتَعَمدة"؛ مشيرًا إلى أن "الإعلام نوعان فقط لا ثالث لهما: إعلام مهني، وإعلامي غير مهني".

مزيد من التفاصيل في نص  الحوار:
* ما تقييمك لتغطيات وسائل الإعلام العربية لثورات الربيع العربي؟
** التغطية الإخبارية للأحداث كانت على الدوام مثار نقاش وانتقاد، ولكنه (الانتقاد) كان في مجمل الأحيان مبهمًا، وعلى طريقة إثارة الشبهات بالإحالة إلى سوء النوايا. الفارق الجديد اليوم في ظل الفضائيات الإخبارية المصورة هو كثافة الأحداث أولاً، وثانيًا: هو ذلك النوع من الأحداث ذات النوع الجدلي كالثورات العربية التي أكرمنا الله بها نحن العرب.

 

فالثورات التي شكّل شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" عنوانَها الأبرز تُعتَبر تغطيتُها في ذاتها نوعًا من العمل السياسي والموقف السياسي، لأن الأنظمة الديكتاتورية اعتادت أن تُفَبرك "الرأي العام"، كما اعتادت أن تخترع إجماعات وتوافقات، وتقدم نسب 99.9%، وأن تُخرج "مسيرات" تأييد تهتف باسم الرئيس، وتدعو له بالبقاء، وتصفق له، وتجعل من أخطائه حِكَمًا وإنجازات تاريخية!.

 

اختلف الوضع الآن، فمجرد تغطية حدث يسير عكس التيار، بل عكس ما تم تسويقه وتعليبه لسنين طويلة يُعتَبر عملاً عدائيًّا من وجهة نظر الأنظمة تلك. وفي الحقيقة يَصعب تَقَبُّل فكرة أن مجرد إبراز أحداث سياسية "معارِضة" للنظام القائم هي عمل إعلامي بحت، لأنها تحمل مضامين سياسية أيضًا، ولا ينبغي برأيي التخوف من ذلك؛ لأن السكوت عنها هو عمل سياسي أيضًا، فنحن أمام تداخل متين للسياسي والإعلامي.

 

* فما مهمة أجهزة ووسائل الإعلام اليوم بعد اندلاع الثورات في العالم العربي؟
** مهمة أجهزة الإعلام ووسائله اليوم، هي "الإعلام"، بمعنى تعميم الخبر عما وقع بالفعل، ثم تقديم التحليلات والتفسيرات والرؤى، والتعليقات السياسية، عن تداعيات ما وقع ودلالاته. هذا عمل إعلامي وسياسي في الوقت نفسه.
إنما يقع الجدل هنا في "التحيزات"، أو طريقة التغطية، وحجمها ومداها، ونوعية اختيار العناوين والضيوف، والمساحة التي تعطى لهذا الخبر أو ذاك، وموازين ذلك كله، هل تتناسب مع الصورة الكلية ووزن ما حدث أم لا؟. أعتقد أن هذه الفلسفة النظرية ضرورية لفهم كل الجدل الذي يثار حول الموضوع؛ لأنها تساعدنا على فهم وتفسير ما يجري من اختلاف في التغطيات.

 

* لنعد إلى سؤالنا الأساسي حول تقييمكم لتغطيات وسائل الإعلام للثورات العربية؟
** أعتقد أن وجهات النظر ستختلف حيال تغطيات القنوات المختلفة للثورات، تبعًا لمواقف الدول التي تملك تلك القنوات، وإلى أي مدى تعبر تلك القنوات عن "سياسات" دولها. ولكنني أعتقد أنه حصل تطور ملحوظ في التغطية الإعلامية عامةً – بالنسبة للقنوات الإخبارية العربية وليس الحكومية – من ثورة تونس إلى ثورة سوريا، ففي تونس كان الحدث مفاجئًا وجديدًا، ولكن مع مصر ثم ليبيا ثم سوريا فرض الحدث نفسه.

 

ولم يعد بالإمكان التلاعب به حقيقةً أو التستر عليه؛ لاعتبارات عدة، أولها: أن الحدث على الأرض يفرض نفسه بحدته وتواتره وقوته، وثانيًا: أن التنافس الإعلامي اشتد أُوراه، فإن تكتمت (الجزيرة) كشفت (العربية) أو الـ(بي بي سي) أو (فرنسا 24)، وهكذا. فالتنافس كان قائمًا أيضًا على كسب قلوب الشعوب وليس التعبير عنهم فقط.

 

* وكيف يمكن التمييز بين تغطية وأخرى؟
** يمكن التمييز بين التغطيات في الدرجة فقط وليس النوع، وهذا الهامش الضيق يمكن أن نقرأه من خلاله فارق سياسات الدول المالكة لهذه القناة أو تلك، وإن بدا لي هذا الهامش يضيق كلما ترسخت الثورة على الأرض، كما في سوريا مثلا، لو قارنَّا بين حقيقة موقف دولة ما وتغطية القناة التي تملكها هذه الدولة، وحتى هذا الهامش أعتقد أنه يخضع للتأويل أيضًا.

 

ولكن هنا لا بد من الإشارة إلى تغطية "القنوات الحكومية" أو "شبه الحكومية" للثورات، فقد رأينا كيف أن تغطية القنوات العربية للثورات كانت محط هجوم شديد، من قبل قنوات النظام المصري والليبي والسوري، الذي تحول إلى بوق للدعاية للنظام واختراع الأكاذيب والاتهامات المجانية لتلك القنوات، بل تحول مع النظامين الليبي والسوري إلى غاية في الإسفاف، وقلة العقل والفجور في الخصومة!
وهذا انعكاس طبيعي لأنظمة مستبدة، تمارس القتل المادي لشعوبها، فلا حرج أن تمارس محاولات القتل المعنوي، لقنوات تشتغل بمهنية عالية.

 

* تناثر كلام كثير هنا وهناك حول الاستقالة المفاجئة التي تقدم بها المدير العام السابق لقناة الجزيرة وضاح خنفر.. فأين الحقيقة؟
** مثل هذا السؤال يُوَجَّه للأستاذ وضاح خنفر نفسه، فهو وحده من يمكنه أن يقدم (معلومات) عن هذا الموضوع، والرجل تكلم، أما التحليلات والتأويلات فهي كثيرة ومنشورة هنا وهناك، لكن تبقى الحقيقة لدى صاحبها.

 

* يلاحظ بعض المراقبين انسحاب البرامج الحوارية (توك شو) شيئًا فشيئًا من قناة الجزيرة.. فما هي برأيك الأسباب؟
** هذه الملحوظة غير صحيحة؛ فالبرامج الحوارية على الجزيرة كانت قد توقفت لأكثر من سبعة أشهر، منذ الثورة المصرية في شهر فبراير، واستؤنفت في سبتمبر الماضي، ووجهة النظر كانت تكثيف التغطيات الإخبارية لأحداث الثورات المتلاحقة، فلم يكن من المناسب الخروج عن إيقاع الثورة للحديث في شؤون قد لا تمت إلى الثورة وأجوائها بصلة.
كما أن تلاحق الأحداث، وكثافتها كانت من الممكن أن تحمل على قطع البرامج الحوارية اليومية، فالجزيرة قناة إخبارية بالدرجة الأولى، هكذا تعرف نفسها. نعم سقط برنامجان حواريان من الجزيرة وهما (حوار مفتوح) و(الملف) بسبب استقالة مقدِّمَيهما. ولكن الجزيرة عوّضتهما ببرنامج "حديث الثورة" وهو برنامج حواري أيضًا.

 

* وما تعليقك على ظاهرة (إسهاب التوك شو) حيث تتكرر البرامج في معظم الفضائيات ولا تتغير سوى الوجوه؟
** أعتقد أن البرامج الحوارية تشكل عصب أي قناة تلفزيونية، على الأقل في العالم العربي، وخاصة البرامج السياسية، والأمر مفهوم، لأن المنطقة مُثْخَنَة بالجراح والأحداث، ويمكنك مثلاً معرفة ذلك من خلال متابعة كم تشغل أخبار منطقة الشرق الأوسط من مساحة في الصحافة الأجنبية، معنى ذلك أن السياسية هنا في عالمنا شأن يومي.
أما فيما يخص التكرار فهذا أمر ملاحظ، وقد يبدو مملاً أيضًا، مع تكرر وجوه الضيوف، ولعل من أسباب تكرار البرامج الحوارية، كثرة التقليد، وقلة الابتكار، في الفضائيات العربية، فبعضها يحاكي بعضًا أو يقع أسيرًا لمحاكاة نجاح هذه القناة أو ذلك البرنامج.

 

* ما رأيك في الاتهامات التي تكال للكثير من الفضائيات بأنها تخلط الخبر بالرأي؟ وما هو الحل برأيك؟
** إن كنتَ تتحدث عن الفضائيات الحكومية فهذا صحيح، وخاصة في ظل الثورات العربية؛ لأن التمييز بين الخبر والرأي أمر لصيق بالمهنية والحرفية، وبقدر حرفية القناة والقائمين عليها يكون الوضوح والتمييز؛ لأن من أساسيات المهنية الإعلامية، وكذلك المنهجية التحليلية في العلوم السياسية التمييز بين الخبر والتفسير أو التحليل، وحين يتم الدمج بين الاثنين فهذا يحيل إما إلى نقص في المهنية، أو إلى قناة حكومية تعبر عن سياسات مُتَعَمدة.

 

* ما تقييمك لتجربة الإعلام (السلفي) أو الفضائيات التي يديرها أو يشرف عليها التيار السلفي؟
** الحقيقة أنني لا أؤيد مثل هذه التسميات، لأنها غير دقيقة في رأيي، وكذلك ما يقال عن "الإعلام الإسلامي" ونحوه. لا أحب نسبة الإعلام إلى الدين أو إلى توجه معين، إلا إذا كان قناة دينية متخصصة. وإن كنتَ تقصد الإعلام المحكوم برؤية سلفية يتمثلها القائمون عليه، والمالكون له، فأنا أؤيد حرية التعبير لأي طرف كان.
فمن حق الجميع أن يمتلك منبرًا خاصًّا له، ولكن هناك محذورات لهذا الأفق من التفكير، وهي كثرة الفضائيات وتناسلها، فإن أضيف إلى ذلك تعدد التوجهات المحدودة، الحزبية والسياسية والدينية، فستجد المشهد الإعلامي غارقًا في التجاذبات المتناقضة، والتي من شأنها أن تخلق حالة من السيولة غير المحمودة!.

 

* بشكل عام.. ماذا ينقص الإعلام الإسلامي ليصير إعلامًا مهنيًا بمعنى الكلمة؟
** المهنية لها مواصفات محددة وأخلاقيات تَحكمها، مهما كانت صفة الإعلام الذي نتحدث عنه. فهناك إعلام مهني وإعلامي غير مهني، سواء كان إسلاميًّا أم غير إسلامي. وفي تقديري أن الأيديولوجيا تقلل من مفهوم الإعلام المهني.