الشيخ فتحي السعيدي: الفيتو على الطرح الإسلامي بتونس سيلغى غالباً.. الجمعيات الإسلامية زادت عن الألف
2 ذو الحجه 1432
موقع المسلم

على إثر هذا الانتصار الانتخابي الذي حققته حركة النهضة التونسية، كان لنا هذا اللقاء مع رئيس جمعية الخير الإسلامية، الشيخ فتحي السعيدي، ليطلعنا على رؤية تيار إسلامي فكري من خارج النهضة لما يجري في أرض تونس، والعلاقة الراهنة بين النهضة والسلفيين، ونظرة السلفيين للعمل السياسي التونسي، وآفاقه المستقبلية؛ فكان هذا الحوار

كيف تقرؤون المستقبل السياسي التونسي بعد فوز النهضة، وتعالي أصوات مناهضة لحكمها باسم الخشية على السياحة والاستثمار والفن وحقوق المرأة.. الخ؟
تحاول النهضة طمأنة الغرب والعلمانيين داخل البلاد, بكل الوسائل, بأنها لن تمس ما يسمونه مكتسبات في تونس, كمجلة الأحوال الشخصية والإطار العام لقطاعي السياحة والاستثمار في تونس..., و قد بدأت فعلا في ذلك حيث كانت أول زيارة لراشد الغنوشي بعد الانتخابات, إلى البورصة, وذلك لطمأنة الأنظمة المالية على تواصل المنظومة المالية التونسية كما هيّ, بحيث لا يتم فرض الرؤية الإسلامية المالية..

 

أخطر ما تخافه القوى الفرنسية في تونس سيطرة الإسلاميين على مناهج التعليم, وعلى وزارة التربية والتعليم, فوزارة التربية التعليم في تونس, وزارة سيادية مثلها مثل الداخلية والدفاع. والنهضة ستجد نفسها مجبرة على التعامل مع وزارة التربية من ناحية المناهج والتوجهات. وسيكون هناك صراع قاس وقوي حول التعليم في تونس.

 

لا أعتقد أن يتمّ إبعاد رشيد عمار من وزارة الدفاع لأنّه إحدى ضمانات الولايات المتحدة أمام خروج النهضة عن الاتفاقات المبرمة مع واشنطن. نلاحظ حركة كبيرة داخل الجيش التونسي من ناحية الإعداد والتنظيم, ومحاولة زجّه, ولأول مرة في تونس, في القرار السياسي. ونعتقد أن الجيش سيكون أحد السيوف المسلطة على رأس النهضة والحمد لله أنّه ليس على شاكلة ولا قوة الجيش التركي, حيث إنّ فعله يمكن مواجهته شعبيا لو استلزم الأمر.
تنظيميا النهضة قررت القيام بمؤتمرها بعد الانتخابات على عكس الكثير من الأحزاب كي لا تهتزّ قبل الانتخابات وكي لا  يؤثر التباين بين بعض أجنحتها وطبقاتها على تماسك وبنية الحركة قبل الانتخابات، لاسيما في اختلاف وجهات النظر في التعامل مع القوى العلمانية والإلحادية التي ضعفت بعد الثورة.

 

 

في خصوص فاعلية الحكومة التي ستتكون من تحالف تسيره النهضة, أشير إلى نقطتين.
أولا, النهضة تنظيم كوادر وليس تنظيم قيادات, بمعنى أن برنامجها الانتخابي والخدمات التي يمكن أن تقدمها للشعب ستكون مقبولة إن لم تكن جيدة وهنا نستحضر بقوة التجربة التركية.
النقطة الثانية والأهم, والتي يشار إليها لأول مرة عبر موقعكم, هي أنّ في ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي, كانت الغالبية العظمى من طلبة الكليات العلمية والهندسية, خصوصا, منتمين أو متعاطفين مع النهضة. ومع حملة القمع الوحشية التي مورست على الإسلام, انسحب الجانب الأعظم من هذه القاعدة الطلابية, عن العمل السياسي وتوجهوا إلى حياتهم المهنية والعائلية وتمركزوا, طبيعيا, في الإدارة التونسية, وفي المصانع وفي جميع القطاعات.. جُمدوا أو جمدوا أنفسهم سياسيا. بعد الثورة وزخمها والحرية المرافقة لها, عاد هؤلاء إلى ممارسة العمل السياسي. مع من؟ مع النهضة. يعني أنّ النهضة لن تحتاج إلى تكنوقراط جدد أو بناء خبرات لتسيير أمور الحكومة وتحسين الخدمات للشعب. فمُعظم الكوادر النوعية في البلاد معها مسبقا أو ضِمْنا.
والإضافة التي قد تأتي بها النهضة إسلاميا, هي في إلغاء الفيتو المفروض (في العقيدة السياسية الرسمية في تونس) على الطرح الإسلامي؛ بحيث لن تغلق باب الاستثمار في السياحة الإسلامية أو المصرفية الإسلامية..., حيث كان النظام السابق يمنع كل ما يمت للإسلام بصلة في الحياة العامة التونسية.

 

الآن قد يدخل الطرح الإسلامي في السباق مثل بقية الأطروحات بدون إلزام أو إشهار له من طرف النهضة وكذلك بدون مكبّلات خاصة به, وهذا أقصى ما تستطيع أن تقدمه النهضة, سياسيا واقتصاديا واجتماعيا..
أيضاً فيما يخص المستقبل السياسي للبلاد، لا يمكن للمراقب للوضع السياسي التونسي أن لا ينتبه للزيارة الأخيرة التي قام بها, الباجي القايد السبسي, الوزير الأول التونسي, إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ففيها وقع الاتفاق على عدم الاعتراض على النهضة ولكن بشروط, مع وضعها تحت المراقبة ضمن تفاصيل قد نشرحها في كتابة خاصة بالموضوع بإذن الله، وقد تحاول الولايات المتحدة جر النهضة للصراع مع السلفيين, وهذا مقروء من شروط الاتفاق الأمريكي مع السبسي.
الإلحاديون والعلمانيون, رغم كونهم جثة هامدة, إلا ان قوى كثيرة ستحاول تحريكهم لعرقلة عمل النهضة, وأبرز هذه القوى الحزب الاشتراكي الفرنسي.

 

بخلاف الحالة المصرية، لم نجد مشاركة واضحة من التيار السلفي التونسي في الانتخابات؛ فهل هذا لإحجام التيار لأسباب أيديولوجية أو لضعفه أو لرغبته في عدم تشتيت الناخب التونسي؟
علاقة قيادات النهضة مع السلفيين باردة في العموم مع بعض التذبذب الذي يراوح بين اتصالات ولقاءات جانبية ومناوشات كلامية صغيرة. قاعدة النهضة قريبة من السلفيين والعديد من النهضويين أبناؤهم سلفيون. يوجد في النهضة قيادات متعاطفة وقريبة من السلفيين مثل الصادق شورو والحبيب اللوز وتوجد قيادات غير وديّة مع السلفيين.
التيار السلفي في تونس هو الأبرز إسلاميا على المستوى الشعبي وخصوصا شبابيا والأكثر حركية في المساجد. وهناك لبس واضح لدى عامة الناس في تونس ولدى الكثير من القوى الغير إسلامية في الخلط بين السلفيين والنهضة حيث يعتبرون السلفيين نهضة وكل من له سمت إسلامي نهضة..

 

بعد الثورة لم يستطع هذا التيار تحديد شكله التنظيمي والسياسي, فنسبة منه ترى وجوب الدخول إلى المعترك السياسي والحراك المدني ولكنها لم ترسم لها ملامح وبرامج لهذا المنهج مثلما حصل مع مصر, وذلك لغياب القيادات الكاريزمية فيه وخصوصا طلبة العلم والدعاة, مع وجود كوادر مدنية نوعية تصلح أن تكون قيادات الصفّ الثاني.
والجانب الآخر بعكس الأول تسيره قيادات كاريزمية قوية لها خبرتها في مواجهة النظام السابق والتعامل معه بالآليات الأمنية, وهي رافضة لمبدأ الدخول في الانتخابات..

 

ما مدى التأثير المتوقع لفوز النهضة على انتشار الفكرة الإسلامية في تونس؟
نلاحظ الآن انشراحا شعبيا عاطفيا واضحا لانتصار النهضة قد يؤدي في بداية وهجه إلى زيادة عدد المتوجهين إلى التدين في صفوف الناس بحيث يزيد من القاعدة الشعبية للصحوة الإسلامية في البلاد و التي هي في الأساس واسعة, ولله الحمد والمنّة, ممّا يزيد أيضا من إمكانيات الاستقطاب السياسي للعمل الإسلامي. على مستوى البلاد, نتمنى أن يكون ذلك حافزا لدخول المصرفية الإسلامية إلى تونس خصوصا مع وجود جمعية قوية في تونس للمصرفية الإسلامية أنشئت بعد الثورة, كما يمكن تغيير بعض المناهج التربية وخصوصا منهج التربية الإسلامية في الثانوية والذي وضع أساسا لهدم العقيدة, قد تحاول النهضة استرجاع المساجد التي يسيطر على السلفيون وعددها كبير

 

 

هل يمكنكم إطلاع قراء الموقع على الخريطة الإسلامية التونسية بشكل دقيق وبمقاربة لأحجام القوى الإسلامية فيها؟
تتكون الخارطة الإسلامية في تونس أساسا من النهضة والسلفيين اللذين يمثلان الوزن الأكبر يأتي إثرهم حزب التحرير وحزب الإصلاح والعمل, وهو الجبهة الإسلامية التونسية سابقا, وهو حزب يقول أنّه سلفي انشق في ثمانينات القرن الماضي عن النهضة, ثمّ الدعوة والتبليغ والمتصوفة الذين يمثلون ثقلا كبيرا خصوصا في الجنوب. هناك محاولات جادة للشيعة للتغلغل في الجسد التونسي إلّا أنّ الأحداث الأخيرة في سوريا وقبلها في العراق أسقطت أقنعتهم. وأساليبهم قائمة على شراء الذمم بالمال.

 

في نظركم، ما هي أكبر التحديات التي يواجهها إسلاميو تونس في المرحلة الراهنة؟
تنقسم التحديات إلى ثلاث يضاف إليها التحديات التي ستواجه النهضة أمام الشعب في برنامجها كحكومة وفي نوعية الخدمات التي ستقدمها له.
التحدي الأول: الإسلاميون فيما بينهم وخصوصا في طبيعة العلاقة بين النهضة والسلفيين. ثمّ داخل تنظيم النهضة نفسه الذي يواجه صراعات خفية قوية في داخله.
التحدي الثاني: الإسلاميون مع غيرهم داخل تونس. وهنا يجب إعادة دراسة الواقع السياسي للآخر كليا, حيث إنّه من كان يمثل ثقلا ووزنا رسميا لم يعد كذلك ومن كان له تأثير على القرار السياسي لم يعد تأثيره بتلك القوة السابقة. فالعلمانيون أصبحوا جثة في تونس وحال النهضة معها كحال الجنّ مع سيدنا سليمان, عليه السلام.

 

مع القوى الخارجية (الجزائر, ليبيا, فرنسا, أمريكا, العدو الصهيوني, إيران...): قد يستغرب السامع عندما نقول أن الجزائر هي التي تُأثر داخل تونس كي لا تبحث القوى الأمنية في الدولة عن الصراع مع السلفيين. ليس لسواد عيون السلفيين, بل لأن حدود الجزائر الجنوبية مخترقة, وحدودها الجنوبية الشرقية مع ليبيا اخترقت بعد الثورة الليبية وليس من مصلحة الجزائر فوضى في تونس تؤدي إلى اختراق حدودها الشرقية الطويلة والجبلية والوعرة مع تونس.
ليبيا, أتوقع, إن شاء الله أن يكون تأثيرها إيجابيا على تونس, اقتصاديا وسياسيا وواقعها الجديد ضمانة كي لا تتغول الدولة مثلما كان الحال مع بن علي. هذا ويجب أن يُلتفت إلى عدم بناء آمال أكبر مما يجب على الدعم الاقتصادي الذي سيجلبه انفتاح تونس على المشاريع الليبية.

 

فرنسا, العدّو اللدود للإسلام في المغرب العربي عموما وفي تونس خصوصا. فرنسا التي تتلوى ألما لانهيار ما بنته في تونس, وأذنابها يرقصون الآن رقصة الديك المذبوح وأصبحوا لا يقرؤون حسابا لأعمالهم فتجرؤا على المقدسات مما استفز الشعب بأسره الذي لن ينسى الفلمين المسيئين وتصريحاتهم في الإعلام.

 

الولايات المتحدة, هي التي تشكل الحركة والوجه السياسي السُلطوي في أعلى هرم السلطة, فرشيد عمار وزير الدفاع محسوب عليها والباجي القايد السبسي اتفق مع واشنطن على العلاقة مع النهضة ويقال أنه اتفق معها على مواجهة التيار السلفي في تونس.
العدو الصهيوني, تكمن قوته في خلايا الموساد المعششة في وزارة الداخلية, الوزارة التي تعاملت مع التيار الإسلامي بجميع مكوناته.
إيران لديها بعض المراكز الثقافية وبعض أوكار مخابراتها, كما أن سفارتها تلعب دورا كبيرا في استمالة من تراهم قد يمثلون قوى فاعلة في تونس. كانت لعائلة أصهار بن علي مصالح مع إيران ولسفارة إيران صندوق ب25 مليون دولار للشركات التونسية.

 

هل تتوقعون تأثيراً إقليمياً يتجاوز حدود تونس للانتخابات، مثلما تأثر العرب جميعاً بالثورة التونسية واعتبروها ملهمة في أكثر من بلد عربي؟
الثورة التونسية نجحت خارج تونس رغم أنه لم تكن هنالك نية لتصديرها, لأنها أُخذت كنموذج في آلياتها, آليات لم يكن يُعتقد أنّها فاعلة, ورغم ذلك أسقطت نظاما من أعتى الأنظمة وحشية وقمعا, وبان أيضا أنّه أكثرها جبنا. فوعت الشعوب أنّه بإمكانها مسك قرارها بيدها, بإذن الله, وأنّ هؤلاء الطغاة ليسوا إلّا خيالات مآته يحكموننا بالخوف الذي زرعوه فينا لا غير.

 

هل يمكن أن تكون الانتخابات التونسية نموذجا أيضا؟ الأمر حسب الواقع. قد يكون كذلك مع مصر لتشابه نسبي إذا استثنينا غياب الطائفية في تونس.
مع ليبيا الأمر محسوم قبل الانتخابات لوضوح الرؤى الاجتماعية (القبلية...) ولقوة الحضور الديني. قد تتشابه الصور المعروضة لصناديق الاقتراع وللصفوف المنتظرة كي تنتخب ولكنّ الواقع الذي يحدد هذا السؤال, "لمن سأنتخب؟" لا يتشابه.

 

لماذا حققت النهضة نتائج أعلى في أوروبا أكثر مما حققته في الداخل التونسي برغم نجاحها هنا وهناك؟
النهضة منظمة بشكل جيد في أوروبا التي كانت ملاذها السياسي أمام انغلاق المجال الوطني أمامها زمن بن علي. و قد ذابت عناصر النهضة في الجاليات التونسية في الغرب وتفاعلت معها ونشطت وسطها عكس التيارات الأخرى اليسارية والعلمانية وغيرها التي كانت نخبوية ومتعالية ومنعزلة عن الناس.

 

بتقديركم الخاص، هل نجح الإسلاميون في تونس في بناء مؤسسات اجتماعية وتحقيق بنية تحتية تربوية في المرحلة الانتقالية الراهنة؟

بالنسبة للجمعيات, تكونت العديد منها في عديد المجالات حيث فاق عدد الجمعيات في البلاد 1400 جمعة فيها عدد لا بأس به مرتبط بالنهضة وعدد أيضا من الجمعيات السلفية. أما في خصوص البنى التحتية التربوية فالمحاولات موجودة وجادة ونذكر منها مشاريع "جمعية الخير الإسلامية" في تكوين المدرسين والمدرسات على مناهج عصرية إسلامية والانتشار الكبير والسريع للمدارس القرآنية. الوقت الذي مرّ قصير لإنجاز مشاريع جذرية والإمكانيات ضعيفة لمثل هذه المشاريع. نذكر على سبيل المثال مشروعا تربويا تنفذه "جمعية الخير الإسلامية" لإنجاز خمسين حضانة إسلامية عصرية تتبعها مدرسة ابتدائية مكملة بمعهد ثانوي.

 

هل يمكن توقع قيام تونس بدور قاطرة التواصل بين مشرق العرب ومغربهم الكبير بعد أن كسرت حواجز عديدة تتعلق بالهوية الإسلامية والعربية خلال العام الماضي؟
بكل تأكيد إن شاء الله, فتركيبة وإرث وآمال الشعب التونسي إضافة إلى موقعها يؤهلونها القيام بهذا الدور, نرجو من الله أن يرزق أهل هذا البلد الطيب الأمن والأمان والإيمان.