وسقط الساقطون
19 ذو الحجه 1432
د. محمد بسام يوسف

هي لحظات من السعادة، تُنسيكَ مرارات السنين وظلام الظالمين، وذلك عندما ترقب عُصبةَ الأنذال تَهوي من قمم الجبروت والطغيان، في لحظةٍ تظنّ هذه العُصبة أنها باقية أبد الدهر!.. فيزداد إيمانكَ بصواب سنن الله عزّ وجلّ في أرضه وعباده، ويشتدّ يقينكَ، بأنّ إمبراطوريات القهر، لا تسقط إلا من ذروة الظلم والجبروت، ليكونَ سقوطها مروِّعاً وعبرةً للعالمين!..
على خُطا هذه السنن الربّانية الخالدة، سقط قوم عادٍ وثمود.. وسقط فرعون ونيرون وهولاكو وجنكيز خان وكسرى.. ورفاق ستالين وتشاوشيسكو.. وبن علي ومبارك والقذافي.. وسقطت مملكة الوحوش الأسديّين في الشام!..
*     *     *

 

أية أسطورةٍ هي هذه الثورة السورية؟!.. وأيّ عصرٍ هو هذا العصر السوريّ، وأيّ صفحاتٍ للتاريخ البشريّ ستتّسع ليوميات غضبة الشام، المضرّجة بالدم والغار وزغاريد الحرائر وعبق الحرية وأناشيد الأطفال وصولات الرجال وزفرات الشهداء ومصابرة الأمّهات؟!..
أية نذالةٍ هي هذه النذالة الأسدية، وهل ستتحمّل صفحات التاريخ وطأةَ شُذّاذ الآفاق، الملطّخين بالعار والشنار، الذين احتلّوا سورية طوال هذه العشرات من السنين العجاف؟!..
*     *     *

 

نعم.. سقط الساقطون، بمجرميهم وسَفَلَتِهم وأبواقهم وطبولهم ومنافقيهم وشبّيحتهم.. وأوكارهم.. وطائفيّيهم وجعجعة حلفائهم وفحيح أنصارهم.. وخياناتهم وساديّتهم ومَكرهم وتفاهتهم!.. وانتصرت الصدور العارية والعقول العبقرية والإرادة المستَمَدَّة من إرادة الحيّ القيّوم.. انتصرت القلوب الطاهرة التي قهرت الخوف والباطل، والحناجرُ التي تصدّت لدويّ المدافع وأزيز الرصاص.. انتصر الدم الهادر في أروقة صرح الحرية.. انتصر السوريون وتحقّق الحُلُم.. بل تحقّقت الأسطورة!..
*     *     *

 

لماذا هذا التريّث في الكتابة؟.. فقد طال الغياب!.. يسألني كثير من القرّاء والأحباب.. فأجيب مبتسماً مازحاً، مُخفياً مرارةً بطعم كلفة انتفاضة السوريين وثمن حرّيتهم: كنتُ منشغلاً، أرقب جزّار سورية وهو يَلوك خرافات الإصلاح، ويهدّد الدنيا بزلازله وبراكينه ونيران كسرى، فأتحسّس يأسَه وسقوطَه، من براثن زمجرته الجوفاء.. كنتُ أتابع (وليد المعلِّم) وهو يمحو نصف خريطة العالَم أو يزيد، من مقرَّر مادّة الجغرافية.. وأستمع إلى وزير الدفاع الإيرانيّ يتوعّد –باسم حكومته وحكومة الشيطان الأكبر العراقية، واسم حليفه بطل الممانعة- تركيةَ والدولَ العربية، حمايةً لحليفه الطائفيّ المجرم.. وأحاول تحليل خزعبلات (حسن نصر الفرس)، حول النظريات المعاصرة للحروب المتدحرجة!.. وأُلزِم نفسي –من منطلق ضرورة الاطلاع على ثقافة العدوّ- بمشاهدة بسام أبو عبد الله وطالب إبراهيم..

 

وشحادة وكيوان وحسّون والبوطي.. وقنديل وسَـمَاحة وفيصل عبد الساتر.. وأشباههم من أشباه الرجال.. وهم ينبحون ويستهبلون الناس ويتغابون ويولولون ويَفِحّون وينافقون ويُدَجِّلون ويشعوذون، بلا خجلٍ ولا حياء، ولا ضميرٍ ولا مروءةٍ ولا أخلاق!.. كنتُ أرمق –مندهشاً- أصحابَ الألسنة الطويلة وأبناء فكر الوهم، وأهلَ الانبطاح والانفتاح، من هواة القذف والحذف وبذاءة الاتهام وضراوة الكولسات وشدّة البهتان، الذين كانوا يعتبرون التعرّض لجرائم النظام.. جريمة، ويعدّون الحديث في القضية السورية وجراحاتها خَرقاً وخروجاً عن ملة القوم، وجنايةً على الحلول (الوهمية) مع الوحوش الأسدية.. كنتُ أرمقهم وهم يملأون –هذه الأيام- شاشات القنوات الفضائية وصفحات الإعلام الورقيّ والإليكترونيّ، وقد صاروا –بقدرة قادرٍ- أبطالَ ثورة، وعباقرةَ سياسة، وصناديدَ المواجهة التي لا يُشَقّ لهم فيها غبار، وأهلَ التاريخ النضاليّ الحافل المزعوم!..
أفلا تحتاج متابعة كل ذلك وقتاً.. وجهداً.. وغياباً؟!!..
*     *     *

 

سقط الساقطون، ولن يستطيع صفويّ فارسيّ لئيم، أن يحميهم من ارتطامهم بقاع جهنّم السوريين، ولن يملكَ بُعبُع لبنان وسيلةً لمنع تدحرج رأسه ورؤوس أزلامه وأولياء نعمته، إلى هاويةٍ تصنعها ثورة أسطورية، له ولأشباهه من المتآمرين المارقين المشعوذين المعتدين المجرمين.. ولن يبقى أثر لبوقٍ أو طبلٍ منحطٍّ يجعجع على الهواء مباشرةً!..
سقط الساقطون، لا شك في ذلك.. قريباً جداً سيسقطون.. وستكون سرعة انهيارهم.. تاريخيةً، وآيةً للعالمين.. بإذن الله عزّ وجلّ.. نحن على يقين.