قرارٌ جريء، ونريد المزيد
21 ذو الحجه 1432
عاصف عبد الهادي

اتخذت جامعة الدول العربية قراراً جريئا ، يستحق الثناء والإشادة ، والذي يقضي بتجميد عضوية النظام السوري في كافة هيئات الجامعة العربية ، ودعوة الدول الأعضاء لسحب السفراء من العاصمة السورية دمشق ، ودعوة المعارضة الوطنية السورية للتشاور بشأن المرحلة الانتقالية فيما يبدو بأنه اعتراف ضمني بشرعية تمثيل المعارضة للشعب السوري ، كما أنه سيتم اتخاذ عقوبات اقتصادية لا شك أنها ستعجل في انهيار النظام البعثي المتداعي أصلا .

 

بالإضافة إلى ذلك دعت الجامعةُ الجيشَ السوري إلى التوقف عن استهداف المدنيين السوريين .. قد يقول البعض إن هذه الخطوة جاءت متأخرةً جدا ، وهذا صحيح ، لكن أن تأتي متأخرة خيرٌ من ألا تأتي ، ولعل من أهم أسباب تأخير هذه الخطوة هو رغبة بعض الدول العربية الجادة في حل الأزمة إعطاء النظام السوري مهلة كافية للإصلاح الذاتي ، رغم قناعة الجميع بأن هذا النظام يحترف المكر والخداع والمراوغة ، لكن المُهل كانت بمثابة إقامة للحجة عليه ، ولا يخفى على الجميع أن بعض الأنظمة العربية كانت ولا تزال حجر عثرة أمام أية محاولة لعزل النظام السوري ، ورده عن غيِّه وإجرامه ، هذه الأنظمة – ولا أقول الدول - بعضها يعاني نفس الأزمة التي يعانيها نظام الأسد حاليا ، وقد أثبتت الوقائع أنه تلقى دعما لوجستيا عسكريا من نظام الأسد - صاحب الخبرة الطويلة والقوية في قمع الجماهير – لقمع الثورة في بلده ، فمن غير المنطقي أن ينصح غيرَه بالبِر والرِفْق دون نفسه ، والبعض الآخر ممن يقف في صف الأسد يخشى ثورة شعبية مستقبلية قد تطيح به ، ليلحق بركب الحكام المخلوعين ، وهناك فريق ثالث من هذه الأنظمة ملزم بالوقوف مع الأسد بحكم أن الاشتراك في الولاء و علاقات الصداقة مع إيران .

 

من أبرز إيجابيات هذا القرار أنه يعيد الاعتبار للعمل العربي المشترك الذي ظلّ غائبا لفترات طويلة ، وأنه يعطي العرب فرصة حقيقية لمحاولة حل مشاكلهم داخل البيت العربي ، كما أنه يشكل طمأنة ولو بسيطة لملايين السوريين الذين بُحَّتْ أصواتهم وهم يناشدون العرب للتدخل من أجل وقف سفك دمائهم يوميا بدم بارد ، كما أن القرار سيكشف لنا حقيقة بعض الجهات السورية التي تزعم معارضتها للنظام ، بينما هي في حقيقة الأمر تُمارِس دورا مشبوها لا يروق لآلاف الشبان السوريون الذين نراهم صباحا ومساءا في شوارع سوريا ينظمون المظاهرات المنادية بإسقاط النظام ، ويرفضون أي مجالٍ للحوار معه .

 

النظام السوري أثبت أنه يستغل الفرص من أجل وأد خصومه لا من أجل الحوار معهم ، كما أنه ما زال يهدد ويتوعد بإشعال المنطقة بأسرِها ، لا أدري هل هو جنون العظمة  أم هي المحاولات المستميتة للتشبث بالحكم ، التي تبيح له فعل كل ما لا يتصوره عاقل ، فإذا كان النظام قادرا على إشعال المنطقة ، كما يزعم ، فلماذا لم يحرر الجولان المحتلة منذ ما يزيد عن أربعين عاما ؟

 

لقد خٌدع الكثيرون بهذا النظام ، وبمواقفه "القومية" ، و"المُمانِعة" ، لكن هذه الأحداث كشفت حقده الدفين ليس على من يعارضونه فقط ، وإنما حقده على الإسلام كدين وعقيدة ومنهج حياة ونظام حُكم ، فتصرفات جنوده وبلطجيته على الأرض كشفت الكثير الكثير من الحقد المخبوء في الصدور ، ولنفترض جدلأ صدق ما يزعمه نظام الأسد من عدائه ونضاله ضد دولة الاحتلال الاسرائيلي ، فهل هذا يخوّله ويعطيه الحق في إبادة خصومه ومعارضيه ، وملاحقتهم في كافة أصقاع الأرض ! ، لقد سئمت الشعوب العربية على مدار عقودٍ وعقود من الشعارات البرّاقة الكاذبة ، التي تتاجر بالقضية الفلسطينية ، وتتخذ منها ستارا وغطاءا لقمع الشعوب ومصادرة حرياتهم وحقوقهم المشروعة .

 

إن الشعوب العربية ، وفي مقدّمتها الشعب السوري والفلسطيني ستقف صفّا واحدا خلف النظام السوري في حال خاض أي حرب عسكرية – وليس كلامية – ضد دولة الاحتلال ، بهدف تحرير الأراضي المحتلة ، ولا نحسب أن ذلك ممكنا حقا ، فلطالما تعرّض هذا النظام للإهانة من الصهاينة في عُقر داره واحتفظ بحقّه في " الرد في الزمان والمكان المناسبين " ، وخير ما يدل على ذلك أن الشعوب العربية ناصرت حزب الله الشيعي في لبنان إبان حرب تموز2006 ، رغم اختلافها معه فكريا وعقائديا ، واحتضنت العائلات السورية آلاف النازحين اللبنانيين وأحسنت ضيافتهم واستقبالهم ، ولكن للأسف يبدو أن البعض لم يَقدِّر هذا الجميل .. فلا يستغلن أحد العواطف لخداع شعوبنا التي باتت واعية أكثرَ من أي وقتٍ مضى ، وقد أصابت الفصائل الفلسطينية كثيراً عندما لم تَبِع النظامَ السوري مواقفاً مؤيدة له ضد شعبه ، على الرغم من طلبه لهذه المواقف مرارا وتكرارا ، من أجل تزيين صورته أمام الشعوب ، فالفلسطينيون لم ولن يكونوا يوما من الأيام عونا للشيطان ضد إخوانهم ، ولن يكرروا أخطاء الماضي .

 

نشكر الدول العربية التي عملت بإخلاص من إجل إصدار هذا القرار ، ونطالبها ببذل المزيد من الجهود لحقن دماء الشعب السوري ، وحماية حقوقه ، والعمل على حل الأزمة بما ينصف المظلومين ، بأيدي عربية بحتة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا .