1 رجب 1433

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر 31 عاما لم يسبق لي الزواج، صديقة لي عرضت علي الزواج بصديق زوجها وهو شاب متزوج من أخرى وله منها 3 أطفال أكبرهم في الصف المتوسط، يبلغ من العمر 37 عاما عندما سألت عن سبب زواجه بأخرى كانت الإجابة أنها لا تعفه وتكره ذلك الأمر حتى أنه لم يستطع البناء بها إلا بعد مرور 3 شهور من حفل الزواج، وهو يسكن في محافظة من محافظات الصعيد وأنا في محافظة قريبة من الإسكندرية، ومستواه المادي جيد، وزوج صديقتي يمدح في خلقه ومستوى التزامه.
الآن أنا أخشى من قبول رؤيته الرؤية الشرعية لخوفي من أمر اختلاف العادات والتقاليد بين المدينتين - ومن كوني زوجة ثانية -ومن أن يكون أقل التزاما مني، فأنا بفضل الله حافظة لكتاب الله وأسعى في طلب العلم الشرعي وما علمته من صديقتي أن إحدى بناته 10 أعوام لا تصلي إلا في رمضان فقط، وأنا أعلى منه في المستوى العلمي بفارق بسيط
وهو أطول مني ب30 سم وأخشى أن يكون ذلك سببا في عدم توافقنا جسديا أو يكون سببا في إحراجه بعد الزواج
أفيدوني أفادكم الله فأنا لا أب ولا أخ ولا أعمام لي وأخوالي مسافرون في دولة أخرى فلا أعرف كيف أتخذ القرار.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

نحمد الله سبحانه وتعالى ونصلي ونسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
نشكر لك أختنا الفاضلة ثقتك بإخوانك في موقع المسلم ونسأله سبحانه لنا جميعا السداد في الرأي والإخلاص في القول والعمل ونسال الله أن يرزقك من فيض كرمه ووافر علمه وأن يرزقك الزوج الصالح والولد الصالح.
الأخت الفاضلة:
بداية لا يمكن لأي إنسان أن يختلف على أهمية الزواج للمسلم وأنه باب عظيم من أبواب الخير وأنه وقاية للإنسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
وإنما تأتي صعوبة القرار والحاجة للشورى عند الاختيار، فالرجل والمرأة مطالبان بالاهتمام باختيار الزوج الصالح، فحث النبي صلى الله عليه وسلم المرأة ووليها بالتحري الدقيق عند الاختيار فقال كما في صحيح البخاري وغيره: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
وأحب أن أقسم حديثي إليك إلى نقاط:
- بالنسبة للرجل الخاطب ليس عيبا فيه أن يكون متزوجا قبل ذلك، فقد شرع الله وأباح للرجل أن يجمع بين أربع زوجات في وقت واحد، وليس عليه أن يبرر لمن يريد خطبتها طلبه الزوجة الثانية، وليس لها أن تسأله، فلا يحتاج الزواج بالثانية إلى وجود مبرر قوي كما أقنعونا وكرروا كثيرا حتى ترسخ هذا في أذهاننا وهو بعيد كل البعد عن المنهج الإسلامي.
- رد الخاطب عليك في هذا السؤال رد غير صائب لسببين:
1- صعوبة بل استحالة إثبات ما قال، فلا يوجد بين الرجل وزوجته ثالث كائنا من كان، ومعظم الرجال الذين يُسألون عن سبب طلبهم للزواج الثاني يكررون نفس المبرر الهلامي.
2- فيه ظلم لزوجته الأولى فقد أفشى سرا بينهما – بافتراض أن كلامه صحيح – وليس من مروءة الرجل ولا من دينه أن يتحدث في هذا عن زوجته أمام غرباء يطلب الزواج منهم، وخاصة انه ذكر تفاصيل دقيقة ما كان لك أن تعلميها سواء كنت مخطوبة له أو زوجة.
- وليس عيبا في الرجل أن يكون مسئولا عن أولاد، مع الاحتفاظ بكونك ستتزوجين رجلا عنده مشاغله الحياتية من عمل وزوجة وأبناء غيرك، وهذا من أبواب التفكير الذي لابد وان تعرفيها وتقدريها حق قدرها، والأمر يختلف بحسب طبيعتك وشخصيتك فهل عندك استعداد لقبول هذه الظروف أم لا، وأنت الوحيدة القادرة على الإجابة.
- لا تجعلي من كبر سنك – المتصور في ذهنك – بابا للضغط عليك لقبول أي طارق عليك، فالزواج من الرزق المقسوم الذي لا يعلمه إلا الله، فكم من فتاة تزوجت صغيرة ولم توفق، وكم من فتاة تزوجت كبيرة فوفقها الله لزوج صالح يرعاها وأنست به وأنس بها، فدعي هذا الأمر من تفكيرك مطلقا عند اتخاذ قرار الزواج.
- أعلم ضغوط الأسرة والمجتمع الصغير والكبير عليك، فالقريبات والقرينات والصديقات كلهن تزوجن وأنجبن، وربما صار أبناؤهم كبارا، ولكني أقول لك أيضا لا تدعي هذا الضغط – الهائل - عليك دافعا لاتخاذ قرار بقبول من تأتي به الريح لمجرد الخروج من هذه الشرنقة، فندم وألم الاختيار الخاطئ أكبر بكثير مما عليه أنت الآن.
- وليس اختلاف البيئات والثقافات والأفكار عيبا أيضا – مع التسليم بوجودها وقوة تأثيرها، فهو كما قلت من جنوب مصر وأنت من شمالها، وبينكما اختلاف بيئات وثقافات كثيرة، ولكني لا أراها عائق ولكني لابد وأن أبصرك بها لكي تأخذي قرارك على نحو واع وعالم بكافة أبعاد الأمر.
- لا شك أن فارق الطول (30سم) فارق كبير بين الرجل وزوجته، فارق أمام الناس وفارق بينكما منفردين ولا بد وان يعتبر لكنه ليس عيبا قادحا في الرجل ولا يرفض الخاطب بسببه.
- السؤال الأهم في كل ذلك، وهو إن كان في صالحه فربما يلغي كل الجوانب السلبية فيه أو على الأقل يقلل من تأثيرها، ألا وهو تدينه وخلقه وحفاظه على حقوق الناس تصديقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم السابق ذكره، فأنت كما قلت تحفظين القرآن الكريم – حفظك الله – وهو على ما أُخبرت عنه من زوج صديقتك أنه على مستوى إيماني وخلقي جيد لكنك على ما رأيت من حاله قلت أن ابنته (عشر سنوات) لا تصلي إلا في رمضان، فينبغي التبين لتلك النقطة فهي أهمهم والتي إن كانت في صالحه ربما تجب كل شيئ وإن كانت غير ذلك فلابد وأن ترفضيه لأنها ستزيد كثيرا في مبررات رفضك له.
- ولا تعتبري بعدم صلاة ابنته إلا في رمضان فقط، فربما يبذل الصالحون مع أبنائهم الجهد الكبير وترينهم لا يلتزمون إلا قليلا لأسباب عدة لا مجال لحصرها، لكنها في كل الأحوال معيار مهم لتقييم التزام الإنسان
- ولكن يمكن معرفة كثير عنه بالسؤال الدقيق من أهلك وأقربائك عنه وعن أحواله – وهذا أدرك انه أيضا صعب لتباعد بلدانكما ولاحتمال الغرر بكم عند سؤالكم لأي شخص خاصة وأنكم ستعرفون من لهجتكم – ولكن السؤال والتحري هو الطريق الأقرب للمعرفة، ولكن المشكلة هنا في عدم وجود الأب والأخ والأعمام وسفر الأخوال، فمن يكلف نفسه ويذهب للتحري بدقة عن خاطب لك؟
- اختنا الفاضلة: إن القلوب أوعية والألسنة مغارفها فالإنسان الصالح لا يخرج من فمه إلا صالحا والإنسان صاحب القلب الخبيث يخطئ لسانه كثيرا ويلحن كما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:30]، والكاذب والمدعي لا يثبت على قول واحد ويزل لسانه بما يفضح سريرة قلبه، وسيتضح لك ولأهلك منه سريرته الكثير عندما تتحدثون معه وخاصة مع تكرار الزيارة.
- بادري بصلاة الاستخارة وكرريها كي تستريحي في كلا الحالتين سواء بالرفض أو القبول لأنك استخرت ربك الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
- ولم تعرضي في سؤالك أين ستتزوجين وان كان اقرب الظن انك ستتزوجين في بلده بين أهله وعشريته وزوجته الأولى وأبنائه، وعندما سيأتي أهلك (أمك أو أخوالك) لزيارتك مرة أو مرتين في العام ولن يصل إليك أحد منهم بسهولة لبعد مشقة السفر، والمرأة أسيرة عند زوجها وأنت ستكونين أسيرة وغريبة ومنقطعة ووحيدة فينبغي إحسان النظر جيدا قبل اتخاذك لقرارك.
- اعلمي أن كل أنثى تغار على زوجها، والزوجة في غالب الأحيان في جنوب مصر تكون من أهل الرجل وعائلته، فربما تصلح الزوجة الأولى من حالها مع زوجها فلن تستطيعي مجاراتها في ذلك - مهما كنت – فما بينهما عشرة طويلة ومودة قديمة، فإن أصلحت عيبها الوهمي الذي ذكره خاطبك فلن تملكي من الرصيد الذي تمتلكه هي لاستعادته، فكم من رجل تزوج زوجة ثانية – أو ربما لوح لها فقط - فأصلحت الأولى من نفسها فاستعادته وتجرعت الثانية كاس الوحدة والألم.
- واسألي نفسك فأنت ستكونين علاجا لمشكلة نتجت عن زواجه الأول الذي احتاج للزواج بعده، فإذا لم تكوني علاجا أو لم تتمكني من ذلك، هل سيبقي عليك كما أبقى عليها - لوجود العشرة والولد – وهل سيأتي حينها يأتي بالثالثة أم ستكونين خارج حساباته تماما؟
أختي الفاضلة:
هذا الرجل إن لم يكن له رصيد إيماني وخلقي عال، وان لم يمتلك من العدل وخشية الله النصيب الوافر الذي يوازن بهما كل ما سبق من الجوانب السلبية فيه، فلا أعتبره فرصة ذهبية لك، وعسى أن يبدلك الله خيرا منه، والأقدر على الإجابة عن سؤالي هذا هو أنت واهلك ومن تثقين أنت وأهلك برأيه فيه،
وفقك الله سبحانه وقدر لك الخير حيث كان وأسأله أن يرزقك الزوج الصالح المناسب لك.