كلنا نعرف المثل العربي الشهير: أهل مكة أدرى بشعابها..
وهو مثل يجد تطبيقه العملي في الكتاب- بل: "الكتيّب" للدقة- الذي نعرضه اليوم، فمؤلفه الباحث الأستاذ: قاسم دراني، هو إيراني الجنسية، وواحد من المكتوين بنار نظامها الصفوي الحقود.
إن الكتيب أشبه ما يكون بتقرير موضوعي مكثف يلخص حقيقة إيران منذ تسلط الخميني ورهطه على رقاب الشعوب الإيرانية، قبل ثلث قرن من الزمان. وكان في الأصل-بحسب إشارة عابرة- إجابة عن سؤال حول أوضاع أهل السنة والجماعة في جمهورية الموت الخمينية، الأمر الذي انتهزه الباحث لكي يفاجئنا بأن البغضاء الفظيعة التي يحملها نظام الولي الفقيه ضد أهل السنة والجماعة، لم تنجح في النفاذ إلى أعماق الشعوب الإيرانية حتى من عوام الشيعة، بالرغم من السياسة المنهجية التي يسلكها النظام لتعميق الهوة بين هؤلاء المغلوبين على أمرهم وبين أهل السنة، ويدعمها بالترغيب والترهيب، وبالضخ الإعلامي الضخم ومناهج التعليم المبنية على التضليل والتعتيم والخداع.بل إن الرجل يضع جمهور أهل السنة وعوام الشيعة في خندق واحد في مواجهة أصحاب العمائم الصفويين ونظامهم التكفيري القمعي!!
المفاجأة الثانية التي يقدمها المؤلف تأريخية، فالرجل يؤكد أن الثورة الإيرانية كانت ثورة شعبية حقيقية، وأن القادة الفعليين للثورة استقدموا الخميني من مَخْبَئِه الفرنسي منخدعين بما تظاهر به من زهد في السلطة، فإذا به يزيحهم واحداً تلو الآخر، فمنهم من قُتِل ومنهم من كان السجن مصيره، ومنهم من فر بجلده.فلما استبد الخميني بمقاليد الحكم وأمسك بمقدرات البلاد، جعل من نفسه حاكماً ثيوقراطياً-على غرار ملوك الغرب في العصر الوسيط حيث يدعي الحاكم الجائر أنه يحكم بتفويض رباني ويزعم لنفسه عصمة مطلقة!!-.
ويذكر الكتاب في هذا الصدد خداع الخميني لعلماء أهل السنة من أمثال العلامة أحمد مفتي زاده، الذين صدقوا شعاراته عن إسلامية الثورة وادعاءه العداء للطائفية، فلما تمكن أنشب مخالبه في صدورهم قتلاً وسجناً وتهجيراً ...وصب جام حقده الدفين على أهل السنة والجماعة بالدرجة الأولى، وإن لم يَنْجُ الآخرون من جوره وبطشه!!فلا يحق لأحد من أهل السنة في الدولة المجوسية الجديدة أن يترشح لأي منصب رفيع بل حتى منصب عادي مثل مدير بلدية أو مستشفى، ولو في منطقة تبلغ نسبة أهل السنة فيها90%!بل 100% مثل كردستان وبلوشستان!
ومحاربة النظام لأهل السنة ليست وقفاً على الجوانب الدينية والسياسية والإدارية، فهم يواجهون حرباً منظمة للتضييق عليهم في لقمة عيشهم، وفي الإهمال المتعمد لمناطقهم، حتى إن الغريب يستطيع معرفة أن هذه البلدة سنية من النظرة الأولى بسبب تردي الخدمات فيها إلى درجة مزرية.يضاف إلى ذلك سياسة الاستعمار السكاني التي تشبه السياسة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، إذ يجري اقتلاع أهل السنة من مناطقهم بشتى الذرائع، ويتم جلب غلاة الصفويين إليها مع تقديم إغراءات لهم من مضاعفة رواتبهم ومنحهم مساكن مجانية...
وفي المجال التعليمي يتبع نظام أحفاد أبي لؤلؤة المجوسي سياسة فظيعة، فالسني لا يرتاد الجامعة ما لم يلعن أعداء الولاية-اي يلعن نفسه ورموز دينه- ومع ذلك فإن هنالك تخصصات لا يسمحون له بدراستها لأن بيان مذهب الطالب مفروض عليه في استمارات دخول الجامعات، وأما الكليات العسكرية فمحرمة على أهل السنة تحريماً قطعياً لا يقبل المناقشة!!
ووسائل إعلام النظام تمارس الطعن السفيه في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي أمهات المؤمنين ليل نهار، ولا يتاح لأهل السنة أن يردوا على أكاذيب القوم، ومن تجرأ ففعل ذلك تتم تصفيته بوقاحة ووحشية.
إن الكتاب وثيقة مهمة على قلة عدد صفحاته فمضمونه غني بالحقائق، التي تدعو المرء إلى إطلاق صرختين، أولاهما في وجه المتاجرين بحقوق الإنسان في الغرب وبين المتغربين من أبناء المسلمين، فليجيبونا عن السر وراء عماهم عن هذه الفظائع التي قل نظيرها في التاريخ!!
والثانية في أذن المتمردين من الرافضة في بلداننا لكي يعرفوا قيمة النعمة التي يعيشون فيها لكنهم يجحدونها، فإن أبوا فأرى معاملتهم رسمياً بسياسة وليهم السفيه تجاه أهل السنة والجماعة في جمهورية الموت والتمييز الطائفي المقيت.
ومن مزايا الكتاب تلك الصور النادرة التي تنطق بمستوى الفقر الذي يعانيه أهل السنة تحت نير ملالي قم المتزندقين، نتيجة سياسة الإفقار المنهجية التي يسير عليها النظام السفيه.