مضيق هرمز.. واتساع رقعة الحرب
27 صفر 1433
إدريس أبو الحسن

لا يسع المتابع لتداعيات الملف النووي الإيراني على الساحة الإقليمية والدولية إلا الجزم بحتمية حرب وشيكة جدا في المنطقة، فهذا ما تتضمنه أكثر التقارير السياسية الصادرة عن مراكز الدراسات والمحللين في الآونة الأخيرة.

 

والحقيقة أن طبول هذه الحرب تدق منذ أمد بعيد، منذ بداية تخوف المجتمع الدولي من إمكانية حصول إيران على سلاح نووي أو قدرتها على صعنه، لكن المناخ السياسي الذي فرضه موقع إيران السياسي إقليميا ودوليا حال دون ذلك، فإيران كانت ولا تزال شريكا أساسيا لأمريكا في مشاريعها الاستعمارية في أفغانستان والعراق، ومع ذلك هي تتمتع بحصانة روسيا في الأمم المتحدة بحكم التحالف الاستراتيجي معها، زد على ذلك انها دولة بترولية يشكل الحرب ضدها مقامرة اقتصادية بأسعار النفط التي هي العمود الفقري للاقتصاد العالمي يضاف إلى هذا كله التخوف من أجنحة إيران في دول المنطقة  أن تقوم بأعمال تخريبية لا يعرف إلى أين يمكن أن تنتهي!

 

هذه العوامل وغيرها جعلت الغرب تحديدا يراهن على منع إيران من تطوير قدراتها النووية من خلال أساليب دبلوماسية تمثلت تحديدا في ثلاث مسارات محورية :

الأولى : المفاوضات مع إيران.
الثانية: فرض العقوبات الاقتصادية عليها.
الثالثة: دعم المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج.

 

هذه المسارات الثلاث لم تفلح في ردع إيران وإن كانت أثرت عليها تأثيرا نوعيا جعلها تعتمد في برنامجها النووي على لهجة التبرير أكثر من لهجة التهديد وترضخ للتفتيش الدولي والجلوس للمفوضات مع الغرب!! وبقيت إيران على ما هي عليه شاقة طريقها بالتعاون مع حلفائها الروس تطور قدراتها عل تخصيب اليورانيوم يوما بعد يوم! 

 

إقليميا شكل استمرار إيران في تطوير "النووي" تهديدا مباشرا للخليج برمته فمع كل تخصيب كل طرد مركزي يتخصب المشروع الشيعي في المنطقة! حتى أصبح مشروع (تصدير الثورة في العشر سنوات الأخيرة) يشكل تهديدا آخر للخليج ، وهو ما زاد من تخوف الخليجيين لا سيما مع تصاعد لهجتها الإعلامية وتصريحاتها حول دول الخليج (البحرين وجزر الإمارات الثلاث والخليج عموما)، ما جعلها تسرع نحو التسلح تحسبا للخطر الإيراني القادم وتقاوم مشروع التشييع الإيراني إعلاميا وفكريا ودينيا!وتحض حلفاءها من الغربيين على إثناء إيران عن امتلاكها للسلاح النووي!!

 

تأثر الاقتصاد الإيراني إلى حد ما بالعقوبات الاقتصادية ولم يتأثر مشروعها النووي ، وتصدعت علاقاتها بالخليج ولم يثنها ذلك عن مشروعها (تصدير الثورة) بل أكدت في غير ما مناسبة أنها قادرة على زعزعة الاستقرار الخليجي أو إرباكه بواسطة أذرعها في دول الخليج والشرق الأوسط عموما!(حزب الله في لبنان وآخر في المملكة -في الشرقية- والحوثييين في اليمن وشيعة البحراينة والكويت.) 

 

ومع هذا الوضع أصبح الغرب بكل وسائله عاجزا عن فهم كنه السياسة النووية الإيرانية ونتاجها ، وأصبح من الصعب تقدير القدرات النووية الحقيقية لإيران ، أضف إلى ذلك الأسلوب (الذكي) الذي تتعاطى فيه إيران مع تصريحاتها بخصوص قدراتها النووية إذ توحي في ثنايا تصريحها بحقها النووي انها قادرة جزما على تصنيع السلاح النووي وربما تمتلكه!

فلطالما أعلنت إيران عن تخصيبها لليورانيوم بنسبة 20% وقد أعلنت عن قدرتها على التخصيبب بهذه النسبة قبل أيام في محطة بالقرب من مدينة "قم".

 

فعليا هذه النسبة لايمكن معها إنتاج القنبلة النووية فالخبراء يقررون أن النسبة الضرورية لتخصيب اليورانيوم هي ما بين 80 و90% ، لكنهم يقررون أيضا بأن مجرد القدرة على التخصيب بإتقان يعني القدرة على بلوغ نسبة 90% كما يقول الباحث الذري فلاديمير سليفياك عن إيران: اذا اتقنوا التخصيب بمستوى 20% حقا، فبوسعهم عمل أكثر. لأن هذا يعني أنه تتوفر لديهم التكنولوجيا المطلوبة)

 

هنا ثلاث حقائق حاسمة لابد من التعريج عليها في هذا الصدد:
الأولى: أن القدرة على التخصيب مهما كانت قليلة تعني بالضرورة القدرة على تصنيع السلاح النووي إذا كانت متقنة.
الثانية: أن القدرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% تعني القدرة على تصنيع السلاح في غضون سنة كما صرح بذلك خبراء عسكريون روس.
الثالثة: وهي الأهم أن نقطة انطلاق إيران في تخصيب اليورانيوم (مجهولة) ما يعني أن الحديث عن امتلاك إيران للسلاح النووي في غضون سنة هو على افتراض أن بداية التخصيب بنسبة 20% متأخرة وهذا ما لا يمكن الجزم به  بمعنى آخر قد تكون المدة الزمنية الكافية لإنتاج قنبلة نووية أقل من سنة بكثير!! يقول اللواء فلاديمير دفوركين، كبير الباحثين العلميين في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لاكاديمية العلوم الروسية،: "ايران تحتاج ليس اكثر من سنة لصنع عبوة نووية، وبعد ذلك سلاح نووي، اذا اتخذت طهران قرارا سياسيا بهذا الشأن، بالطبع. وان ايران لن تعلن هذا القرار صراحة، ولذلك لا يجوز استبعاد ان هذا القرار قد اتخذ منذ فترة بعيدة. وانطلاقا من هذا، ان السنة، هي فترة متوسطة تستطيع طهران خلالها صنع سلاح نووي".

وهذه هي النقطة المفصلية التي سرعت وتيرة العقوبات الدولية على إيران حتى وصلت للنفط!

 

في هذا المناخ وفي ظل تعقيدات الاقتصاد الإيراني وتصاعد غليان الشارع الإيراني بسبب ذلك قرر الغرب قطع شريان الاقتصاد الإيراني من خلال فرض العقوبات الاقتصادية على النفط الإيراني ، فمن شان ذلك أن يقوض النظام الإيراني ويدفعه للتآكل وللتهالك  يوما بعد يوما كما حدث بالنسبة للعراق بالضبط!

 

بدأ الغرب بدراسة فرض العقوبات وهو الذي يستورد نسبة كبيرة من النفط الإيراني ونحت أمريكا المنحى نفسه! وبادرت اليابان إلى البحث عن بديل لوارداتها النفطية من الخليج وهو الشيء نفسه الذي قامت به الصين ، هنا أدركت إيران أنها هالكة لا محالة إذا ما حقت عليها العقوبات النفطية، فقررت الرد على التهديد بالعقوبات على النفط بإغلاق مضيق هرمز!!

 

وأصبحت معادلة السلاح النووي تعني العقوبات على النفط والعقوبات على النفط تعني إغلاق مضيق هرمز الذي هو المخرج الأهم للنفط الخليجي، والذي مر عبره نحو 17 مليون برميل من النفط يوميا في عام 2011 وفقا لوكالة معلومات الطاقة الأمريكية، ويمر منه 40% من نفط العالم أي( عقوبات إيرانية على نفط الخليج(  وهذا يعني ارتفاع صاروخي لأسعار النفط لا يمكن للاقتصاد العالمي عموما والاقتصاد الغربي خصوصا تحمله ، إن ذلك يعني كارثة اقتصادية ستحل بالغرب وأمريكا والاقتصاد العالمي عموما، وهو ما لا يمكن للغرب أن يسمح بحدوثه. هذا بالذات ما يفسرإمكانية اندلاع الحرب حتى مع عزوف أمريكا عنها في العراق واقتراب ذلك في أفغانستان وإعلانها نهاية الحروب!! لأن الأمر هنا يمس عمق المصالح الاستراتيجية الأمريكية والغربية.. وهو ما صرح به وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا قبل أيام إذ قال: (إنّ الولايات المتحدة سترد اذا ما سعت إيران الى إغلاق مضيق هرمز، الممر البحري الاستراتيجي لنقل النفط، وأنه خط أحمر لا ينبغي تخطيه)، كما أقر قائد القوات البحرية الأميركية  الأميرال جوناثان غرينيرت " بأن الاستعداد لصراع محتمل في مضيق هرمز جعل النوم يهجر عينيه."

 

وشبهت بريطانيا تهديد إيران بإغلاق المضيق بغزو صدام حسين رحمه الله للكويت وأرسلت أقوى أسلحتها البحرية إلى المنطقة كما عزم الناتو على فعل الشىء نفسه في محاولة لردع إيران .

 

خليجيا هناك محللون يميلون إلى أن التيار الأقوى في الساسة الخليجيين يميل إلى الحرب كحل أخير لا بد منه لقطع رأس الأفعى والتخلص من النظام الإيراني الذي أربك المنطقة بتهديداته اليومية منذ قيامه! ومن تداعيات ما يسعى إليه من امتلاك سلاح نووي! لا سيما مع تطور الثورة السورية وموقف إيران منها وتناقض المواقف الخليجية لا سيما قطر مع التحالف السوري الإيراني.كما صرح بذلك المحلل العسكري رياض قهوجي، رئيس مؤسسة "الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري" (انيغما) بقوله "لا أحد في دول الخليج يريد الحرب، الجميع يستعد لاحتمال وقوعها.. هذا هو الجو".

 

وبغض النظر عن ميل ساسة الخليج للحرب من عدمه، أو دخولهم لها وهم كارهون فمن المؤكد أن السباق المحموم للتسلح من قبل الخليجيين وإيران يدل على الاستعداد لحرب محتملة لا سيما مع إصرار الغرب على المضي في فرض العقوبات النفطية على إيران ، ويرى معظم المحللين العسكريين في المنطقة حتمية وقوعها إذا فرضت العقوبات (فإن إيران لن تتردد في مواجهة أي عقوبات تتخذ ضدها من خلال إغلاق جزئي للمضيق، وبما قد ينتج عنه اشتباكات بينها وبين الولايات المتحدة بحريا دون تطورها إلى التدخل البري.) كما صرح بذلك اللواء السابق في سلاح الجو الملكي الأردني مأمون أبو نوار لـCNN العربية. وهو ما أكده أيضا الكاتب والمحلل السياسي الإيراني محمد صالح صدقيان في مقابلة مع قناة "روسيا اليوم" بقوله: إن المشهد المرافق لأزمة مضيق هرمز حاليا ينذر بسيناريو الحرب التي عاشتها المنطقة قبل عقدين من الزمن.

 

يختلف المحللون في إمكانية قدرة إيران على غلق المضيق ،يرى الدكتور محمد عبد السلام، الباحث في الشؤون الإيرانية، بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، "أن إيران تستطيع عسكريا غلق مضيق هرمز بشكل جزئي، حيث تمتلك السفن العسكرية الصغيرة الملغمة، ولديها أيضا ألغام بحرية " بالاضافة إلى الزوارق الحربية الحاملة للصواريخ.

توجه الغرب بعتاده الحربي وكاسحات الألغام البحرية وتصعيد لهجته اتجاه إيران على سياسيتها في إغلاق الهرمز يؤكد استبعاد خيار التعويضات النفطية للدول المستورة للنفط من إيران لا سيما وأن تقديرات الخبراء تؤكد أن تلك الدول لا تستطيع تأمين حاجتها من النفط من دول الخليج وغيرها إلا بعد ستة أشهر على أقل تقدير وهذه المدة الزمنية لا تصب إلا في صالح المشروع النووي الإيراني، لا سيما وأن إيران تجعل من تعويض الخليج للنفط الإيراني في السوق العالمية هو بمثابة إعلان حرب أيضا ، هذه الحيثية هامة جدا في تفسير جنوح الغرب إلى سرعة فرض العقوبات النفطية واستعداده للحرب إذا  فرضتها إيران بإغلاق المضيق.

 

وسواء وقعت الحرب وهو المحتمل القريب أم لم تقع فالخاسر الأكبر في الحالتين هو دول الخليج  بمعنى آخر أن إيران إن تراجع الغرب عن قرار العقوبات أو الحرب لثنيها عن تطوير قدراتها النووية فمعنى ذلك أن إيران ستمتلك قوة ردع نووية سيبقى بسببها الخليج تحت رحمتها ،وسيدفع هذا بالشيعة إلى الاستئساد والغطرسة وسيكون بداية بعث جديد للمشروع الشيعي المشؤوم، وهنا على السنة اليقظة..

 

ولا يقولن قائل إن هذا لن يسمح به الغرب مطلقا فالغرب لا يعنيه أن تمتلك إيران السلاح النووي أولا تمتلكه بقدر ما تعنيه مصلحته  الاستراتيجية في حد ذاتها  فإن امتلكت القنبلة النووية فلن تشكل خطرا محدقا بـ"إسرائيل" أو الغرب الأكثر تطورا في هذا الشأن ، نعم ستصبح أكثر قوة وتهديدا لـ"إسرائيل" والغرب وتتغير موازين القوى الإقليمية وهذا لا يصب في مصالح الغرب و"إسرائيل" لكن إيران ستبقى من الناحية الاستراتيجية ضعيفة بالمقارنة معهما لا سيما إذا أعطت ضمانات لليهود والغرب بخدمة أهدافهما كما فعلت وتفعل في العراق وأفغانستان (وهي التي عرف عنها تبجحها بذلك ) ووقتئذ سيكون تغير موازين القوى في صالح إيران والغرب معا كما هي حالة العراق..

 

ولا أدل على ذلك أيضا من امتلاك دول سنية كباكستان مثلا للسلاح النووي منذ زمن بعيد ومع ذلك نجدها في حالة ضعف استراتيجي مقابل الغرب..

 

وأما إذا اندلعت الحرب -حتى وإن كانت بمبادرة "إسرائيلية" فردية - فالخليج يعتبر في الموقف الإيراني شريكا فيها وبرغم امتلاك الخليجيين لترسانة قوية تقنيا من السلاح إلا أن ظهرها الساحلي مكشوف للصواريخ الإيرانية فلا تشملها منظومة الحماية الصاروخية لصواريخ باتريوت وغيرها في المنطقة التي يرتكز فيها النشاط النفطي الخليجي بشكل أساس لاسيما في المملكة العربية السعودية وهو ما يعني إمكانية وقوع زلزال للاقتصاد الخليجي على أقل تقدير، زد على ذلك ما قد يحدث من زلازل سياسية على أيدي عصابات الطوائف الشيعية في الخليج. كما يقول المحلل السياسي الكويتي سامي الفرج (هناك ساعة تدق ونحن لا نستطيع في الخليج أن نتحكم بهذه الساعة ، والضرر الأكبر سيكون على دول الخليج، فنحن في مرمى الصواريخ الإيرانية).

 

تبقى الحرب متأرجحة بين حتمية وقوعها واحتماله، تبعا لما يقدره الغرب أو تقدره إيران في هذا الشأن في الأيام المقبلة وإن كانت طبولها هذه المرة أشد قرعا من أي وقت سبق وينذر باتساع رقعتها في المنطقة . وإنما الغيب لله.