إسلاميو مصر المفترى عليهم
5 ربيع الأول 1433
علا محمود سامي

على الرغم مما أفرزته المراحل الثلاث من انتخابات مجلس الشعب المصري، الغرفة الأولى للبرلمان، من اكتساح للإسلاميين بمختلف فصائلهم لأغلبية المقاعد الفردية والأخرى الخاصة بنظام القوائم الحزبية، إلا أن الناظر لحال ما يتعرضون له يجدهم أكثر ضحايا المجتمع المصري ، وكأنهم ليسوا بفائزين في انتخابات قال الشعب فيها كلمته بعد ردح طويل من القهر والاستبداد.

 

وعلى الرغم أيضا من كافة التطمينات التي يرسلها التيار الإسلامي بمختلف اتجاهاته إلى جميع الاتجاهات والأفكار في داخل المجتمع المصري بأنهم ليسوا فزاعات يمكن أن يفرزها مجلسي الشعب ، فإن كل ذلك لم يشفع للإعلام الليبرالي ودعاة النخب المثقفة في كف أذاهم عن الإسلاميين، وهو الإعلام الذي لايزال يواصل أراجيفه ضد الإسلاميين منذ قيام الثورة، وبأفكار يدعي أصحابها التنوير والاستنارة.

 

هذه الفزاعات تزايدت في الفترة الأخيرة بعد اكتساح الإسلاميين في انتخابات مجلس الشعب، للدرجة التي روجت لها أجهزة الإعلام على نطاق واسع شبهات حول الإسلاميين، وخاصة في كل ما يتعلق بتشوية صورتهم على نحو ما هللت له أجهزة ودعايات الإعلام الليبرالي من إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والدعوى بأن حزب النور، المعبر عن التيار السلفي، هو من قام بتدشين هذه الهيئة، على الرغم من النفي المتكرر للحزب بعدم مسئوليته عنها، إلا أن كل ذلك لم يشفع لهذا الإعلام، الذي ادعي من هو ضمن كوادره بأنه أحد أعضاء هذه الهيئة ليقوم بتشوية دور الإسلاميين بأسلوب ساخر، اعترف بهذا الدور لاحقا أحد مذيعي هذا الإعلام على الهواء مباشرة بارتكابهم هذا الفعل الكاذب بدعاوى خادعة.

 

هذه النوعية من أجهزة الإعلام سعت طوال الفترة الماضية إلى إثارة حملات منظمة لتشوية الإسلاميين أمام الناخبين المصريين، وراحت تنصب ما يشبه فخاخا إعلامية لأعضاء وقيادات التيار الإسلامي في برامج فضائية تفتقر إلى الموضوعية والانحياز للرأي والرأي الآخر، كأن يتم استضافة أحد أعضاء هذا التيار مقابل اثنين أو أكثر من المناوئين لهم، أو استضافة إسلاميين عبر الهاتف للإدلاء بدلوه حيال ما يتم مناقشته في داخل الاستديو، فلا تتح له الفرصة الكافية لعرض فكرته، أو دحض ما يتم ترويجه، أو أن تكون استضافتهم عبر بث تسجيلي وليس مباشر ليتم مناقشة ما دار في هذا التسجيل عبر ستديو مفتوح على الهواء مباشرة بحضور غلاة العلمانيين والليبراليين، إلى غيرها من وسائل تفتقر الموضوعية والرأي والرأي الآخر، بل والأمانة المهنية.

 

وعلى الرغم من الأقلية التي يتميز بها أمثال هؤلاء من دعاة الليبرالية وغلاة العلمانية ، إلا أن صدحهم الدائم بكل ما يخالف إرادة الشعب وامتلاكهم لوسائل إعلامية وتقنية مكنتهم من أن يكون صوتهم أعلى من غيرهم، حتى أصبحوا بمثابة أغلبية وصار غيرهم كأنهم أقلية، ولم يكتفوا بذلك بل ويعملون على قدم وساق لفرض إرادتهم على الأغلبية ، على نحو ما صار ما يدعو إليه هذا الإعلام لفرض إرادته على إرادة المصريين ، بالدعاوى المتكررة عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني أو تشكيل مجلس رئاسي مدني، وفق أمزجتهم ومن سار في فلكهم، غير عابئين بما رسمه المصريون من خارطة طريق لتسليم السلطة العسكرية إلى أخرى مدنية بنهاية يونيو المقبل.

 

أمثال هؤلاء القلية يحرصون على إحداث ضجيج دائم  بمحاولة فرض إرادتهم على الإرادة الشعبية، والالتفاف على ما أفرزته التجربة الديمقراطية التي كثيرا ما كانوا يتشدقون بتطبيقها، حتى ظهر أنها بالنسبة لهم ما هى إلا ديمقراطية ينبغي أن تكون ذات مقاسات ومواصفات معينة، ولكونهم يدركون أنه ليس هناك ملحق للديمقراطية ، فقد تحايلوا عليها بطرق متفاوتة مستدعين معارك يدخلون فيها الإسلاميين كطرف أساس للاشتباك معهم في معارك كلامية، في الوقت الذي حرصوا فيه على استثمار تصريحات الإسلاميين لإثارتها في صورة فزاعات يثيرون بها المجتمع ضد الإسلاميين، في محاولة منهم للحيلولة  دون وصولهم إلى سدة الحكم، على الرغم من تصريحات عدة أطلقها إسلاميون بتأكيدهم على عدم الانفراد بالقرار، وان السلطة ليست مغنما لهم.

 

هذا الاستدعاء للمعارك هو ما يعول عليه الإعلام بمختلف أفكار البالية -إن كانت له أفكار بالأساس- في مواجهة الإسلاميين ، وإبرازهم في صور منفرة للرأي العام، متناسين عن عمد أو ما سواه بأن هذا الرأي العام قال كلمته في الإسلاميين، عندما قام بالاقتراع لهم لتمثيلهم في مجلس الشعب.

 

ولكون هؤلاء يدركون أن المؤسسة التشريعية ستكون هى الأقوى خلال المرحلة الحالية على الأقل كونها ستعمل على انتخاب الجمعية التأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، فقد اعتبروها بمثابة كعكة انتفضوا لعدم التهام الإسلاميين لها ، على الرغم من جملة التطمينات التي أرسلها الإسلاميون بأن وضع الدستور لن تنفرد  به الأغلبية البرلمانية، في إشارة إلى توافق جميع القوى لتشكيل هذا الدستور.

 

إلا أن ذلك كله لم يكبح جماح الحملة المسعورة من جانب نخب تدعي التثقيف وإعلام يدعي التنوير، فراحوا ينبشون في خلافات فقهية بين الإسلاميين ، بل ويستحضرون لهم ماض بالعمالة لجهاز أمن الدولة "المنحل" بتشويه فج ، لايقل عن محاولاتهم تجاه الإسلام وأهله.

 

هؤلاء النفر يريدون جعل الإسلاميين دوما في حالة رد الفعل وإشغالهم بالهجوم الموجه ضدهم لسببين. الأول: استهلاك وقت الإسلاميين لإدراك هؤلاء أن الوقت دائما في صالح الإسلاميين، وأنهم لم يهدروا المرحلة الانتقالية، بعد استفادتهم منها في التواصل مع المصريين ما كان نتيجته حصد الأغلبية في البرلمان، في الوقت الذي دخل فيه غيرهم في تجاذبات سياسية، حاولوا كثيرا إشغال الإسلاميين بها، إلا أنهم تمكنوا من القفز على مثل هذه الفخاخ المجهزة لهم.

 

أما السبب الثاني فيرجع إلى محاولات التشوية الدائمة التي تبدو أنها تسير وفق منهج مخطط له ، بل ومنظم وكأنه تم احكامه في دوائر صنع القرار العالمية وبطرق متفاوتة، فما إن ينجح الإسلاميون في تجاوز إحداها، حتى يجددون أنفسهم في واحدة غيرها، وهى كلها الطرق التي تفتقر إلى أبسط أخلاقيات العمل السياسي. ليصبح الإسلاميون أسرى مثل هذه الأفكار البالية، ليجدوا أنفسهم أمام استبداد فكري جديد، بعدما عانوا ردحا طويلا من الظلم والاضطهاد إبان زبانية النظام السابق.

 

كل هذه الألغام التي يضعها الليبراليون على أعتاب خطوات الإسلاميين لتحكيم الشريعة في مصر ينبغي أن ينتبه إليها أنصار التيار الإسلامي، وأنهم إذا كانوا قد خرجوا من ظلمات حكم الاستبداد والطاغية المخلوع، فإنهم اليوم في أمام خطط من نوع جديد ، تتآمر فيها قوى إقليمية ودولية ، بتغليف استبدادي ولكن من نوع فكري وإعلام جامد وديكتاتورية لايعرف أصحابها معنى الديمقراطية التي ظلوا يتشدقون بها، الأمر الذي يفرض عليهم تحسس الطريق، وتوخي الحذر في التعامل مع أمثال هؤلاء، وخاصة في الإعلام الذي يكاد ينطق بشعار لامثيل له بأن أي رأي يخالف الإسلاميين فمرحبا به.. وأن ما سواه فليس له سوى التشوية والإقصاء.