د. العمر:الذي رأيته بزيارتي المغاربية فاق تفاؤلي..أنصح الدعاة بالجولات الدعوية.. التغريب يتهاوى
9 ربيع الأول 1433
موقع المسلم

لدى عودته من جولة دعوية اصطحب فيها الشيخ الدكتور ناصر بن سليمان العمر عدداً من طلاب العلم، جال خلالها ببلدان تونس والمغرب وموريتانيا، التقينا فضيلته في موقع "المسلم"، نستكشف منه نتائج تلك الزيارة، والانطباعات التي خرج بها منها، لاسيما أنها كانت زيارة مركزة وخاطفة في آن معاً، وازدحمت بجدول ممتد من الزيارات واللقاءات، والمحاضرات التي لم يقتصر إلقاؤها على فضيلة الأمين العام لرابطة علماء المسلمين، د.العمر، وحده بل شملت معظم أعضاء الوفد الذين قاموا بجهد دعوي موازٍ، واستطاعوا  ـ مع محدودية زمن الزيارة ـ أن يحققوا منها نتائج طيبة، انعكست بدورها تفاؤلاً مضاعفاً لدى الضيف الكريم بمستقبل المنطقة في ظل عودة مباركة إلى التمسك بالدين بعد عقود من التغريب والعلمانية التي فرضت قهراً على شعوب الشمال العربي (الإفريقي)، وسرعان ما لفظها بعد أن خلي بينه وبين دينه في أجواء من الانفتاح التي أفرزها الربيع العربي نجم عنها تكرار مثل هذه الزيارات من علماء ودعاة عديدين..

 

وقد وضعنا فضيلة الشيخ العمر في تلك الأجواء التي عايشها خلال أيام في هذا الحوار الذي أوضح فيه دور العلماء في التواصل بين الشعوب المسلمة، وذكر أن الوفد الدعوي إنما أتى ليستفيد، وأما فائدته لأهل البلد فتابعة، وتحدث عن شبهة كانت الأنظمة البائدة ترددها عن أهل الخليج لإبعاد الشعوب المسلمة عن التواصل بينهما وبين بعضها، وبين تهافت مثل هذه الدعاوى..

 

أجرى الحوار: موقع المسلم

 

فضيلة الشيخ ما هو انطباعكم العام عن الزيارة التي قمتم بها، وما هو الانطباع الذي تركته هذه الزيارة في نفوس أبنائكم وإخوانكم من المغرب العربي؟

 

الحقيقة كان الانطباع فوق التصور؛ فلقد فوجئنا بترحيب وفرح كبيرين بهذه الزيارة، وهذا ليس بغريب على إخواننا أصحاب التاريخ الإسلامي العريق، ومع أن هذه الزيارة كانت قصيرة، إلا أنها تركت أثراً كبيراً؛ لأننا ذهبنا مجموعة قرابة تسعة من المشايخ وطلاب العلم، وألقينا الدروس والمحاضرات وخطب الجمعة، والتقينا العلماء والدعاة والنُخَب والجمهور الكريم، حتى الأطفال الصغار التقيناهم فوجدنا أثراً عظيماً يدل على ترحيب أهل تلك البلاد وتطلعهم لزيارة إخوانهم من المملكة العربية السعودية، ولمسنا كم يكنون لها كل تقدير واحترام لاحتضانها الحرمين، وهذا بدوره ينعكس على سعادتهم وترحيبهم الشديد بزيارة الدعاة وطلبة العلم.
ولذلك فنحن قد حزنّا حقيقة لأن هذه الزيارة كانت قصيرة جداً لدرجة أننا لم نستطع أن نوفي أهل هذه البلاد حقهم، ولهذا فإنني أوصي من يذهب مستقبلاً من العلماء والشيوخ والدعاة أن يمدوا فترة زيارتهم لما يزيد عن أسبوع أو خمسة أيام على أقل تقدير حتى يتمكن من زيارة المحافظات والمدن والمراكز في كل دولة.

 

فضيلة الشيخ، كأنكم لم تلمسوا أثراً للدعاية  السلبية التي كانت النظم البائدة تشيعها عن علماء السعودية وكأنهم معادون للمذاهب الأخرى لا سيما المالكية في المغرب العربي وبأنها تروج لما يسمونه طبعاً الوهابية كدلالة اتهامية لدى التيارات الشيعية والليبرالية على التشدد الديني كيف يمكن أن يسهم التلاقح الفكري في نقض هذه الصورة السلبية؟

 

نعم؛ فالحمد لله أن هذا الذي ذكرتم لم نجد له أثراً على المجتمع إطلاقاً، بل إن المجتمع يرفض هذه الأقاويل تماماً، وفاجأنا بمدى إدراكه لتهافت ما يقال عن الوهابية أو غيرها، وبأنه يعرف ـ مثلما قيل لنا ـ أن هذه هي مجرد دعايات تضليلية،وليس الإمام محمد بن عبد الوهاب إلا مجدداً للدين الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فهم يعرفون هذا، وهذا دليل على ضعف تأثير هذا القول من تلك النظم البائدة ومن العلمانيين والليبراليين الموجود مع كل أسف في كثير من بلاد المسلمين، لكن لم نجد أي أثر له في الدول التي زرناها، وبالمناسبة فلقد سألت هناك عن الجانب المذهبي أي عن قضية الاختلاف والتعصب المذهبي، فلم نلمس أي تعصب فيما يتعلق بالمنهج المذهبي فالأئمة الأربعة كلهم من العلماء المعتبرين في الأمة، وهذا متفهم في تلك البلدان، ففرحنا بذلك والحمد لله ووجدنا الاستقبال من العلماء ومن الناس والفرح بذلك، فهم يقولون أنتم جئتم من بلاد الحرمين التي هي أيضاً منبع النور ومنها بُعث النبي صلى الله عليه وسلم،ولم يلتفتوا لتلك الشائعات والأقاويل والتزييف الذي يمارس في بعض وسائل الإعلام.

 

فإلى أي مدى تتوقعون تأثير مثل هذه اللقاءات على التواصل بين العلماء بين مشرق العالم العربي ومغربه وفي التفاعل المذهبي ؟

 

نحن ذهبنا في الحقيقة بتوصية من رابطة علماء المسلمين، ولقد كُلِّفت  بذلك كأمين عام لرابطة علماء المسلمين، فقد كُلِّفت بالذهاب إلى هناك من الهيئة العليا للرابطة، وكذلك من عدد من العلماء والمشايخ هنا في المملكة، ولا شك أن مثل هذه الزيارة كانت هامة فقد بحثنا فيها اختيار وترشيح عدد من علماء تلك البلاد ليكونوا أعضاءً في رابطة علماء المسلمين بإذن الله، فالتواصل مهم جداً والأمة تواجه هجمة شرسة لن يُتصدى لهاإلا بوقوف العلماء والدعاة أمامها صفاً واحداً، وهذا ما نحرص عليه في رابطة علماء المسلمين؛ فأثر تلك الزيارات وغيرها واضح، لكننا نتطلع إلى مزيد من التواصل وبناء أسس التعاون والتفاعل.

 

ما الذي استفدتموه من هذه الزيارة بما اطلعتم عليه من مشاريع جديدة وأفكار متطورة لدى أهلنا في تونس والمغرب وموريتانيا؟

 

لقد استفدنا استفادات كبرى، ولا أكتمك أخي الكريم أننا ذهبنا في الأصل لنستفيد، ولقد قلت لكل أهل تلك البلاد إن مجيئنا لكم لنستفيد منكم وإن حدث منا فائدة فقد جاءت تبعاً.

 

ومن أبرز ما استفدناه هناك هو إحياء سنة التواصل والقيام بحق الأخوة وتهنئتهم، وبخاصة بعض البلاد التي خرجت من تلك النظم الظالمة الطاغية، واستفدنا أيضاً أن المحافظة على الأصل، أي على الأسر والأفراد بعيداً عن عوامل التغريب والعلمنة، تقي المجتمعات المسلمة من مغبة فقدان الهوية؛ فمتى ما زالت النظم الظالمة الباغية سيبقى هذا الأصل وتبقى هذه الأسر، ولهذا بعد خمسين سنة مثلاً في تونس من الظلم والطغيان والتغريب وتجفيف المنابع فإذا بالناس يعودون إلى دين الله جل وعلا وكأنه لم تمر ببعضهم هذه الأحداث، نعم هناك مظاهر للتغريب، هناك لا يزال المجتمع يحتاج إلى شيء لإعادته إلى دينه، لكننا وجدنا الغالبية العظمى من الناس محافظين على دينهم، فرحين بزوال الظلم، مرتبطين بالإسلام، مما يدل على أهمية المحافظة على الأسرة وأهمية المحافظة على الفرد، وأيضاً أهمية تأثير المساجد، فالمساجد أثرها عظيم جداً، وأيضاً مزاحمة العلمانيين والليبراليين في أفكارهم عبر وسائل الإعلام وعدم تركها لهم، فمهما أتيحت فرصة فلا بد من استغلالها في إدارة الصراع بين الحق والباطل، وتصوّر أخي الكريم أنهم قالوا لنا أنه برغم وجود هذا الكم الكبير من القنوات الفضائية المغاربية وفيها قناوات غربية وفاجرة وفاسدة ومضللة، إلا أننا كنا نستفيد من القنوات الإسلامية التي تأتينا من المشرق وكانت سبباً للمحافظة على ديننا وعقيدتنا وهويتنا.

 

فضيلة الشيخ أنتم معروفون بالتفاؤل ما الذي عززته هذه الزيارة من هذا المفهوم لديكم؟

 

الحقيقة ولله الحمد أن موضوع التفاؤل كما تعلمون أتخذه منهجاً، أطرحه منذ سنوات وأتمسك به، وهذا من فضل الله عليّ، ولكني وجدت تطبيقاً فاق تفاؤلي، فكنت أقول لأهل تلك البلاد هل قبل سنة فقط كنتم تحلمون بما أنتم فيه الآن؟ قالوا: ولا حتى 10% مما نحن فيه اليوم، قلت إذن لماذا نيأس {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: من الآية110]، ويقول يعقوب "عليه السلام" في أصعب مرحلة مرت في تاريخه لأولاده: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} [يوسف: من الآية87]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم والأحزاب يحيطون بالمدينة يبشّر بفتح كسرى بلاد فارس والروم، فهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم متفائلاً، ولذلك حقيقةً إن ما حدث ويحدث الآن في عدد من الدول قد عزَّز وقوَّى التفاؤل ليس لدى الناس وحدهم، بل لديَّشخصياً كذلك رغم إني عندما كنت أتحدث عن التفاؤل كان ذلك من منطلق يقين وثقة مطلقة والحمد لله، لكن ما رأيته زادني إيماناً ويقيناً بضرورة هذا التفاؤل، وأذكر أنني كنت في العام الماضي قد قلتُ في درسي في مناسبة عاشوراء "لقد تفاءلت تفاؤلاً عظيماً من قصة موسى عليه السلام مع فرعون"، فجاءني من يسألني كيف تطرح التفاؤل في ظل هذه الأوضاع شديدة الصعوبة والابتلاء؟! وبعد عام واحد فقط، قلتُ لهم: أتذكرون كلامي العام الماضي، وقد كان عند بعضكم أشبه ما يكون بالخيال أو بالمستحيل، فإذا هو يتحقق أكثر مما كنت أنا أتوقع، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته، نعم إن النفوس المتشائمة أخي الكريم لا تستطيع أن تنتصر؛ لأنها لم تنتصر على نفسها؛ فكيف تنتصر على عدوها؟!

 

إن التفاؤل يمنح المؤمن ثقة بالله جل وعلا، بينما التشاؤم خطير جداً، وسوء ظن بالله جل وعلا {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت:23]، بينما التفاؤل كما في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي"؛ فنحن والله لا نظن بربنا إلا خيراً مهما كانت الأوضاع، ومهما كانت الأحوال. ويجب أن نعمل بجد وصدق وإخلاص والنتائج لسنا مكلفين بها {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل: من الآية35]، ولقد رأينا التفاؤل وإقبال الناس ورأينا ما عمله الليبراليون والعلمانيون يتهاوى؛ لأنه بني على شفا جرف هار فانهار بهم في نار جهنم.

 

ذكرتم فضيلة الشيخ في إحدى التغريدات على موقع تويتر "كنا نسمع عن بلد المحاضر وتكوين العلماء موريتانيا وما شاهدته ورفْقتي في يومين فاق ما سمعناه حيث انتقلنا من علم اليقين إلى عين اليقين" هل تصفون لنا فضيلتكم ما شاهدتم وفاق ما سمعتموه؟

 

نعم.. رأيت مظاهر كثيرة،ففي موريتانيا هي بلد العلماء ومحاضرهم، رأينا والله عجباً،ففي مركز تكوين العلماء شباباً أعمارهم من خامسة العشر بل أقل، وتزيد يبدؤون برنامجهم العلمي قبل صلاة الفجر بساعة إلى قرابة الساعة العاشرة ليلاً لا يرتاحون إلا ساعة أو ساعتين طيلة أيام الأسبوع، وجدنا أن شباباً أعمارهم أربعة عشر عاماً يحفظون من المتون الشيء الكثير، ومن النماذج التي شاهدناها شاب عمره أربعة عشر عاماً كفيف البصر ولكنه منفتح السريرة والبصيرةجاء من المغرب ليتعلم في موريتانيا ، فهذا الشاب يحفظ كتاب الله جل وعلا ويحفظ الصحيحين والمعلقات السبع والألفية حتى إننا عجزنا أن نحفظ مقدار أسماء ما يحفظ وليس ما حفظ، وذهب بعضنا إلى قرية تبعد مائة وأربعين كيلومتر عن العاصمة نواكشوط وهذه القرية فيها محضرة الشيخ النووي فوجدوا فيها أكثر مائة شاب في غرف متواضعة، تحوي الغرفة فيها عشر شباب، ليس تحتهم إلى الحصير فقط ولا يوجد لديهم إلا أربع من البطانيات وطعامهم زهيد، يأكلون وجبة يسيرة جداً، فيبدؤون برنامجهم طوال الأسبوع لا يخرجون من ذلك المكان إلا آخر الأسبوع، وحتى من كان بيت أهله منهم مجاور للمحضرة لا يخرج إلا يومي الخميس والجمعة فقط ثم يعاود مرة أخرى، فهم لا يعرفون آلات اللهو ولا اللعب أبداً،تجدهم منقطعين تماماً عن ملاهي الحياة، وعادة ما يبدؤون من عمر الخامسة إلى الخمسة والعشرين ومعهم مشايخهم بشكل عجيب جداً.

 

لقد رأينا الحفظ والإتقان، ولا شك أن هذا فاق ما كنا نتصور، وقد مررنا على أماكن كثيرة رأينا فيها علماء كبار، وأذهلتنا قدراتهم العلمية ومكانتهم ومنزلتهم، بما فاق ما كنا نسمع، نعم لقد انتقلنا من علم الحقيقة إلى عين الحقيقة.

 

هل تنوون تكرار مثل هذه الجولات في أفريقيا لاحقاً، لا سيما الدول الناطقة بالعربية أو التي لديها قبائل ناطقة بالعربية؟

 

أصدقك القول، لو أن ظروفي مواتية لسافرت فوراً مرة أخرى إلى تلك الدول، ولديّ برنامج أيضاً في دول أخرى بإذن الله، خاصة إلى تلك الدول التي تنفست الحرية بعد الظلم والطغيان، وقد وُجِّهت لنا ولمجموعة من المشايخ دعوات بإذن الله سنحققها، بل إنني أصبحت أطالب المشايخ بالذهاب إلى تلك البلاد سواء في المغرب العربي أو غيرها،وقد وجدت تجاوباً سريعاً، وهناك من سبقني في الحقيقة،فثمة علماء ودعاة سبقونا، جئنا نحن بعدهم، بل لقد تأخرنا في ذهابنا، وسوف يكون لتلك الدول ولغيرها نصيب كبير، فهذا حقهم علينا ونسأل الله أن يبارك في هذه اللقاءات ما رأيناه من حرص ورغبة واستماع لا يجعل لنا عذرا في التأخر عن تحقيق رغباتهم.

 

السؤال الأخير وإن كنتم أشرتم إليه في إجابتكم.. ما هي الرسالة التي توجهونها للمشايخ والدعاة حول أهمية الزيارات الدعوية لدول الشمال الأفريقي على ضوء ما لمستموه من أثر لزيارتكم لأبناء تلك الدول؟

 

في الحقيقة أننا عندما زرنا تونس ونحن في طريقنا إلى سيدي بو زيد مررنا ببلاد القيروان التي فيها مسجد وجامع عقبة بن نافع رضي الله عنه، تساءلنا كيف وصل آباؤنا وسلفنا الصالح لتلك البلاد رغم ظروفهم الصعبة وقلة المواصلات، بينما نسافر نحن من الرياض إلى تونس في خمس ساعات فقط وإلى المغرب في سبع ساعات فإذن ما العذر؟! فواجب علينا خاصة وهم يقولون لنا: أحيوا سنة آبائكم وأجدادكم الذي جاء هذا الدين عن طريقهم؛ فواصلوا وأكملوا مسيرة مَن سبقكم.

 

أقول لإخواني من طلاب العلم أن يجعلوا نصيباً من برامجهم، مرة في العام أو مرتين لزيارة إخوانهم في عدد من البلاد الإسلامية، والحمد لله هذا حاصل بالفعل ولكننا بحاجة لمزيد من الحث، لاسيما أن بعض طلاب العلم ربما لا يجدون لديهم حماسة للذهاب في تلك الزيارات، لكنهم إذا ما ذهب الواحد منهم مرة أو مرتين سرعان ما يغير رأيه، وتصبح تلك الزيارات جزءًا من حياته لما يراه من الأثر والفرح، بل يشعر بالمسؤولية الكبرى عليه في هذا الأمر حتى إنه يجد حرجاً في نفسه إذا ما قصر في القيام بمثل هذه الزيارات. 

 

ولذلك أحث إخواني المشايخ وطلاب العلم والدعاة، بل وأفراد من المجتمع،إلى أن يذهبوا إلى هناك بنوايا دعوية طيبة، ففي ذهابهم نفع.

 

صحيح أنني قد وجدت في هذه الرحلة أن بعض رجال الأعمال السعوديين ـ مع كل أسف ـ قد أقاموا أماكن للفساد بأموال المسلمين من هذه البلاد، وأنا أتألم حينما قيل لي هناك "انظر ماذا فعل الذي جاء من عندكم وأقام هذه الأماكن لبث الفساد"، فلماذا إذن لا يذهب أهل الخير؟ نعم، إنهم يفعلون وقد وجدت أن هناك من ذهب من أهل الخير ـ  والحمد لله ـ في كل الدول التي زرناها مساهمات عظيمة لعدد من التجار، سواء من المملكة أو من دول الخليج أو من غيرها، وجدنا بناء المساجد والمراكز العلمية والجمعيات الخيرية المدعومة من أهل هذه البلاد، وهذا ولله الحمد واجب وجزء من حقهم علينا، وقد قابلت في زيارتي عدداً من تجار من الخليج ما أتوا إلا من أجل شيء واحد وهو أن يساهموا ويتفقدوا المشاريع المناسبة ليساهموا فيها،ووجدت عدداً من المشاريع قد كُتب عليها أسماء من أنشؤوها سواء أكانت علمية أم دعوية أم مراكز ثقافية أم غير ذلك أم مساجد وإذا هم من أهل هذه البلاد ومن دول الخليج وغيرها.

 

إن هذا جزء من حقهم علينا، ومن شكر النعمة، ومما أفاءه الله علينا، فحتى رجال الأعمال واجبهم كبير جداً، فأدعو الجميع كلٌّ بما يستطيع أن يساهم، أن ينظم رحلة مناسبة حسب ظروفه وإمكاناته وقدراته، لكنني أنصح ألا يذهب أحد إلا وقد أعدَّ برنامجه قبل أن يذهب، فمن فضل الله علينا أننا قبل أن نسافر استفدنا من بعض إخواننا الذين لديهم تجارب سابقة؛ فنظّموا برامجنا، ولذلك كان إخواننا في تلك البلاد يستقبلوننا في كل المطارات التي زرناها، ونبدأ برنامجنا أحياناً مباشرة خلال ساعات، ولهذا لم نذهب من أجل السياحة إلا ما نراه فقط في طرقنا، وكان النوم أقل شيء نفعله ، كل ذلك من أجل استثمار هذه الدقائق التي أتيحت لنا، لأن مدد الزيارة كانت في كل دولة قصيرة.

 

ولذلك أقول: إن كل من أراد أن يسافر في جولة دعوية عليه أن يتعاون مع إخوانه الذين سبقوه في كيفية ترتيب البرنامج الدعوي،فالذين يذهبون بدون إعداد مسبق قد يضيعون جزءاً من أوقاتهم سدى، وفي الحقيقة أن هذا هو أحد أسباب تأخرنا في السفر إلى تلك البلدان،حالما يتوفر البرنامج الملائم لاستثمار الدقائق ولا أقول الساعات فيما يفيد،وقد أكرمنا الله، وله الحمد بتحقيق أشياء كثيرة في وقت محدود، واستفدنا تجارب كثيرة، فهذا ما أوصي به طلاب العلم في المبادرة والذهاب، وأيضاً أن يزور كل من يذهب جميع ما يستطيع أن يزوره، فيلتقي مع الناس، ومع المسؤولين بقدر طاقته ويزور الجمعيات التي هناك، ولا تكون زيارته حكراً على جمعية معينة أو مؤسسة معينة بل يذهب للجميع، يذهب لإخوانه المسلمين في كل مكان يزورهم في مساجدهم يلبي دعواتهم في بيوتهم يزور المسؤولين من أجل أن يتناقش معهم.

 

وأنصح أيضاً من يذهب أن يأخذ معه ما يستطيع من الكتب العلمية المفيدة؛ فإما أن يرسلها قبل أن يذهب ويجدها هناك مهيأة أو أن يحمل معه ما يستطيع من كتب وأشرطة ورسائل؛ فهم متشوقون لكل ذلك،وأود أن أشكر إخواننا هناك؛ فقد وجدنا حسن الاستقبال ابتداءً من المطارات وانتهاءً بالمطارات ولم نلمس أي عرقلة في كل الدول التي زرناها، بل وجدنا الترحيب من الصغير والكبير، وسهلت إجراءاتنا بأكثر مما كنا نتخيل، ترحيباً بمجيئنا وتعاوناً من الجميع،وهو ما لا يدع لنا عذراً في التأخر ولا يدع لطلاب العلم سبيلاً لتأخرهم والله أعلم.