
على غرار ما تقوم به الولايات المتحدة من استخدام مستمر لحق الفيتو بمجلس الأمن أمام أي محاولة عربية أو دولية لإدانة الكيان الصهيوني إزاء جرائمه الوحشية المتكررة ضد الشعب الفلسطيني، بدا من الواضح أن روسيا بدأت تسير على نفسى الخطى فلم تتردد في استخدام هذا الحق ولكن في هذه الحالة لمنع إدانة النظام السوري إزاء ما يرتكبه من مجازر ضد شعبه التي لا تقل وحشية عن تلك التي ارتكبها أو يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين. فبينما صوتت 13 دولة بمجلس الأمن لصالح مشروع القرار الذي دعمته الدول العربية، لإدانة نظام بشار الأسد، استخدمت روسيا والصين حق الفيتو لرفض القرار في مجلس الأمن الذي عقد جلسته بعد ساعات من مجزرة وحشية في حمص ارتكبها جيش بشار قتل فيها المئات في أكثر الأحداث دموية منذ اندلاع الانتفاضة قبل 11 شهرا.
واستغرب الدول الأعضاء من رفض روسيا والصين القرار الذي يسمح لبشار بمواصلة القمع والتقل الوحشي ضد المدنيين، حيث إن مسودة القرار لم تكن تحتوي على عقوبات او حظر السلاح أو تدخل عسكري أو تحقيق في الانتهاكات لحقوق الانسان الحاصلة في سوريا، بينما ذهب مندوب روسيا إلى أن "المعارضة السورية يجب أن تفصل نفسها عن الجماعات المسلحة".
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه الصحف الرسمية في سوريا الفيتو الروسي والصيني بأنه " صفعة قوية" لنظام القطب الواحد و"تصرف نبيل"، هدد الجيش السوري الحر بمهاجمة المصالح الروسية في سوريا، إن لم تتخل موسكو عن دعم نظام بشار الأسد.
.
أما مندوبة الولايات المتحدة سوزان رايس، فقد أكدت أن روسيا والصين يدعمان الأسد لمصالح شخصية، معربة عن "اشمئزازها" من ذلك، وأكدت أن النظام السوري ارتكب جرائم ضد شعبه. هذا الاشمئزاز الأمريكي إزاء الموقف الروسي والصيني لا يقل عن اشمئزاز السوريين أنفسهم إزاء الموقف الأمريكي بل الغربي كله الذي تأخر كثيرا في مساعدة هذا الشعب المذبوح بل في إمكانه بشكل كبير على الالتفاف على موقف موسكو وبكين وتخليص السوريين، لكن يبدو أن سوريا ليست مثل ليبيا التي تدخلت فيها واشنطن سريعا وعينها على النفط والثروات، بينما تتكاسل عن نظام بشار الذي يريد له الكيان الصهيوني الاستمرار لمصالحه وهو ما تضعه أمريكا عين الاعتبار.
ويربط المحللون رفض روسيا والصين للقرار بوجود مصالح خاصة بين الدولتين لاسيما موسكو ونظام بشار الأسد، فروسيا واحدة من أكبر موردى الأسلحة لسوريا، وتتجاوز القيمة الإجمالية للعقود السورية مع وزارة الدفاع الروسية 4 مليارات دولار، وقدرت مبيعات الأسلحة الروسية لسورية بـ 162 مليون دولار سنويا فى كل من عامى 2009 و2010.
وقد وقعت موسكو أيضا عقدا بقيمة 550 مليون دولار مع سوريا لطائرات التدريب على القتال، كما تستأجر روسيا منشأة بحرية فى ميناء طرطوس السورى، وإعطاء البحرية الروسية قدرتها على الوصول مباشرة إلى البحر الأبيض المتوسط، هذا بالإضافة إلى رغبة موسكو في استعادة دورها وهيمنتها الإقليمية والدولية مجددا أمام منافستها الولايات المتحدة.
كما يرى مسئولون أوروبيون أن موسكو تعتبر أن سقوط النظام السوري الحليف لها، وإقامة نظام بديل له من شأنه يعرض أمنها القومي والاستراتيجي في المنطقة للخطر، خصوصاً بعد نشر الدرع الصاروخي في تركيا الذي اعتبرته تهديدا لأمنها، في الوقت الذي تعتبر سوريا نافذتها الوحيدة على البحر المتوسط وتربطها بها اتفاقات سياسية واقتصادية لا يمكنها التضحية بها.
هذا فضلا عن التأييد الأوروبي والأمريكي لحركات الاحتجاج التي تشهدها موسكو إثر الانتخابات الأخيرة، الأمر الذ دفع القيادة الروسية إلى التشدد في الموقف الى جانب دمشق، حيث تتهم موسكو الأمريكيين والأوروبيين بتحريك التظاهرات في روسيا بقصد إضعاف الاتحاد الروسي ودوره على الساحة الدولية.
ورغم الفيتو الروسي الصيني فإن الشعب السوري بمساعدة الجيش الحر قادر على الإطاحة بنظام الأسد الذي استوحش في أيامه الأخيرة مع تزايد الانشقاقات داخل جيشه النظامي وتعاظم قوة الجيش الحر الذي يدفع بشار نحو نهايته ووقتها لن يفيده دعم روسيا أو غيرها.