
طفل صغير يتعرض لوابل من الرصاص من مسلحين ووالده يلوح للقتلة لكي يتوقفوا عن إطلاق النار، لكن توسلاته لم تفلح بل ويتمادى القاتلون حتى لفظ الطفل أنفاسه وكاد أن يلحق به والده.. يخيل لمن يقرأ هذه الكلمات أو حتى يرى المشهد ذاته أنه للطفل الفلسطيني محمد جمال الدرة الذي قتلته قوات الاحتلال "الإسرائيلية" قبل عدة سنوات، لكن هذه المرة طفل سوري يقتله عدو لا يقل في وحشيته عن القوات الصهيونية وهو نظام بشار الأسد الذي يتعامل مع شعبه بالدبابات والقذائف والمجازر والمقابر الجماعية.
وتأثر الكثيرون لمشاهدة الطفل السوري فداء محمد الضياء وهو ينزف برصاص النظام السورى في مدينة نوى التباعة لمحافظة درعا حيث ظهر من خلاله والد الطفل وهو يلوح بيده للقناصة وكأنه يتوسلهم بأن يوقفوا إطلاق النار وترك إبنه إلا أن توسلاته قوبلت بوابل من الرصاص وجهت صوب الطفل الصغير دون أن تصيب والده الذي وقف بجانبه في إشارة من النظام لأبناء شعب سوريا بأن من لم يتوقف عن المظاهرات سوف يجد أبناءه نفس مصير الطفل فداء.
وانهار والد الطفل بجانب إبنه ولم يستطع الحراك قبل أن يسحبه أحد رفاقه خلف أحد الحواجز التي يحتمي بها عدد من النسوة خوفاً من رصاص شبيحة الأسد، وهو نفس تقريبا ما حدث مع محمد الدرة عام 2009 الذي كان خارجاً مع أبيه في شارع صلاح الدين بين نتساريم وغزة، فدخلا منطقة فيها إطلاق نار عشوائي، فقام الأب بسرعة بالاحتماء مع ابنه خلف برميل، واستمر إطلاق النار ناحية الأب وابنه وحاول الأب الإشارة إلى مطلقي النار بالتوقف، ولكن إطلاق النار استمر ناحية الأب وابنه محمَّد، وحاول الأب حماية ابنه من القصف، ولكنه لم يستطع وأصابت عدة رصاصات جسم الأب والابن، وسقط محمد الدرة في مشهد حي نقلته عدسة مصور إحدى الوكالات الأجنبية لجميع العالم.
ما يحدث في سوريا منذ 10 شهور من مجازر وحشية بحق المدنيين وخاصة الأطفال واستخدام المدافع والدبابات لقصف المنازل لا يقل بشاعة عما ارتكبته "إسرائيل" خلال عدوانها على غزة قبل 3 أعوام التي استشهد فيها 1400 فلسطينيا وأصيب الآلاف خلال 22 يوما ، لكن في الثورة السورية التي اشتدت مؤخرا حتى إن زبانية بشار يقتلون 100 سوري يوميا، تجاوز فيها عدد الشهداء ال6 آلاف.
وخلال الأسبوع الماضي فقط كثفت القوات السورية هجومها على عدد من المدن الثائرة خاصة مدن حمص والزبداني وريف دمشق والرستن والمضايا ووادي برادة وإدلب وقري جبل الزاوية، سقط فيها أكثر من ألف شهيد، العديد منهم من الأطفال، ودمرت مئات المنازل فوق رؤوس ساكنيها، فضلا عن المجازر التي ارتكبت في أحياء كثيرة مثل الخالدية وبابا عمرو، في وقت تصوت كل من وروسيا والصين ضد قرار إدانة بشار في مجلس الأمن .
وفي الوقت الذي اندلعت المسيرات والمليونيات في كافة أنحاء العالم الإسلامي إبان عدوان غزة وأمام مشاهد الدمار والقتل التي تتشابه كثير مع ما يحدث في سوريا ، فإن الأمر لم يتكرر بالنسبة للأخيرة التي يحدث فيها يوميا مذابح دموية، ويواجه أهلها في كثير من المدن حصاراً شديدا وتتعرض مستشفياتها للقصف.
والغريب أنه في الوقت الذي كانت الدول العربية والإسلامية قبل ثورات الربيع العربي قابعة تحت حكام مستبدين، كانت الأحزاب والجماعات خاصة الإسلامية منها تتظاهر وتنتفض احتجاجا على مجازر غزة، لكن الآن ومع استعادة أجواء الحرية في تلك البلاد، لا نسمع عن هذه المليونيات أمام ما يرتكبه النظام الصهيوني الحاكم في دمشق.
ويرجع البعض ردود الفعل الباهتة هذه من جانب الشعوب ومن يحكمها في مرحلة ما بعد الإطاحة بأنظمتهم القمعية، إلى انشغالهم بالفترة الانتقالية وتسليم السلطة خاصة في مصر فضلا عن محاولات تهدئة الخلافات بين مختلف القوى السياسية وبعض الاضطرابات وفزاعة الفوضى التي يحاول إثارتها النظام السابق.
وفي النهاية هل ينتظر السوريون كثيرا حتى تستيقظ وتستفيق هذه الشعوب لتقف معهم في مواجهة هذا الطاغية الذي يستغل السكوت والصمت العربي والدولي ويمضي في مجازره وكأن هذا الصمت يدعمه ويقويه في مواجهة شعب أعزل طالب بالحرية.