ثمّن المفكر الإسلامي الدكتور محمد العبدة الدور الذي تقوم به الدول الخليجية دعمًا للشعب السوري وثورته، معتبراً أن هذا الموقف تفرضه القيم الدينية وتؤكده المصالح الاستراتيجية لدول الخليج في مقابل المشروع الإيراني التوسعي.
وأكد د.العبدة في حواره مع موقع "المسلم" على أن الثورة السورية ستنتصر، آملاً في أن تبلغ ما تتمناه دون دعم خارجي.
واعتبر أن دعم الغرب لنظام بشار يرجع بالأساس إلى حمايته لأمن "إسرائيل"، لافتاً إلى أن مرحلة ما بعد الثورة السورية لن تشهد حرباً ضد "إسرائيل" لأن الجميع سينكفئ على تنمية الداخل وتقوية سوريا الواهنة.
ودعا د.العبدة العلماء إلى إرسال وفود إلى العواصم العربية والإقليمية المؤثرة لدعم تطلعات الشعب السوري.
وبينما اعتبر أن روسيا تمارس دورها التاريخي ضد المسلمين كما حصل في إضعاف الخلافة العثمانية والاعتراف بالكيان الصهيوني، شدد على أن دور الروس إلى تراجع، وأن رأيهم قد يتغير مثلما حصل في ليبيا إبان ثورتها.
نص الحوار:
ـ أحدثت الثورات العربية قدراً من التفاؤل لدى كثير من الشعوب العربية؛ فكيف تقومون في ظل هذه الأجواء التحديات التي تواجه الإسلاميين؟
أنا أرى التحديات كبيرة جدًا للإسلاميين وغير الإسلاميين، لأن الوضع العربي بشكل عام كان وضعًا مترديًا من جميع النواحي، السياسية والفكرية الثقافية والاجتماعية، وفي نواحي التنمية، والبيئة، تنمية البنية التحتية كما يقال، كلها كانت ضعيفة أو منهارة، فالآن التحديات كبيرة جدًا. كيف نوقف الفساد الإداري مثلاً: الرشوة وأمثال ذلك، كيف نوقف هدر المال العام؟ كيف نوقف البيروقراطية التي تقتل أوقات الناس وتقتل أموال الناس، فالبيروقراطية فظيعة جداً في البلاد العربية، كيف نبني الانسان العربي على أسس إسلامية، كيف نوقف هذا النظام الأمني المستبد أو نمنعه؟ النظام الأمني الذي كان يرهب الناس، فالإنسان فيه لا يستطيع أن يتكلم، أو أن يعبر عن نفسه، يخشى أن ينبس ببنت شفة، ويخاف أن يلتقي بإخوانه أو أصدقائه. لاشك أن هذه القضية مهمة جدًا، الإنسان يعيش آمن في بيته، لا يشعر أنه في أي وقت يمكن أن يؤخذ إلى السجن وبدون دليل وبدون أي تهمه، فهذه التحديات كبيرة جدًا بالنسبة للذين نجحوا في الانتخابات وأصبح بيدهم القرار سواء في البرلمان أو الحكومة المقبلة؛ فعلى الأقل يجب أن يحاولوا فعلاً بقدر ما يستطيعون في إصلاح ما فسد منذ عشرات السنين.
ـ هذا التفاؤل بالمستقبل، هل ينعكس لديكم على الثورة السورية من حيث إمكانية نجاحها؟
نعم، إن شاء الله.
ـ نجاحًا قريبًا؟
* لا أستطيع أن أجزم بمدة محددة لكن أعتقد أن الشعب السورى مستعد للتضحية لأنه لن يستطيع أن يتعايش مع هذا النظام بعد الآن، خاصة بعد أن مارس النظام نمطا من الإجرام الوحشى غير المسبوق، ضد الأطفال، وضد النساء، ومارس القتل العشوائى، لذا الآن تفشت روح الانتقام، والحقد، ولن يستطيع الشعب بعد الآن أن يعاود التعايش مع هذا النظام لذلك هو مستعد للاستمرار ومستعد للتضحية، وأيضًا إذا استمر هذا النظام فى القتل، ستحدث انقسامات بالجيش كلما طال زمن المواجهة، وقد يتكون موقف دولى معارض للنظام، يساعد على إسقاطه، فمن غير المعقول أن يستمر نظام حاكم بهذه الوحشية الفظيعة.
ـ هل تتصورون أن الثورة ستنجح بدعم خارجى أم أنها تستطيع أن تعتمد على نفسها حتى النهاية؟
* إذا حدثت انشقاقات فى الجيش السورى أكبر وأعمق من الحادثة الآن فحينئذٍ من الممكن أن تعتمد الثورة على نفسها بإذن الله، وهذا هو الخيار الأفضل، والدعم الذى تطلبه الثورة ليس بالدعم الذى يتصوره كثيرون من دخول للقوات الأمريكية الغازية وهذا ما يحاول نظام بشار تمريره وإفهامه للرأى العام.. ولكن هم يطلبون دعم مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة، بمعنى أنها تضغط أو تستطيع تمرير قرارات تلزم بها الدولة السورية أما فى التنازل أو وقف القتال أو شىء من هذا القبيل، فهم لا يطلبون دخولاً عسكريًا.
ـ بعد هذه الآمال في التدخل لدى البعض، إلا أن الواقع قد كذبها حتى الآن، لكن على افتراض أن الحظر الجوي قد تحقق، مثلما حصل في ليبيا مثلاً، فإن هناك اختلافًا بين الحالة السورية والحالة الليبية حيث لم يكن هناك جيش بمعنى النظامى المعروف للجيش، بينما فى سوريا هناك جيش قوى وعدد المنشقين لا يزال صغيرًا بالنسبة إلى هذا الجيش فليس هناك تكافؤ نسبى فى القوى حتى هذه اللحظة فهل سيؤثر ذلك على فاعلية الحظر الجوى؟
* بالتأكيد، أنا أتوقع إذا صار هناك حظر جوى سيتمكن قسم كبير من المترددين الآن والخائفين من الانضواء إلى صفوف الثوار من اللحاق بركب الثوار مما يؤدى إلى إضعاف الجيش الطائفى الذى يعمل الآن بكل جد واجتهاد على ذبح الشعب السورى بدم بارد.
ـ هناك أعداد كبيرة يقال إنها محتجَزة من الجيش لا يُراد لها أن تخرج من الثكنات فهل هذه المعلومات صحيحة؟
* ليس لدى معلومات بهذا الشأن ولكن هناك أقوال من الممكن للإنسان أن يصدقها؛ لأن بعض فرق الجيش لا تثق الدولة بها كثيرًا؛ لأن فيها أعدادًا كبيرة من الجنود السنة، ومن ثَم هو لا يثق بها؛ لذلك هو (الرئيس بشار) الآن بدأ يعتمد على الحرس الجمهورى والفرقة الرابعة التى يقودها أخوه ماهر الأسد..
ـ على ذكر التدخل الخارجى فى سوريا، حتى الآن لم يحدث تقدُّم فى هذا الملف رغم مرور أكثر من العام، يقال إن النفط هو الأساس وهو الباعث للتدخل السريع فى ليبيا على عكس سوريا فهل هذا الرأى صحيح؟
* أعتقد أن هذا هو أحد الأسباب؛ فدفع فاتورة التدخل سهل من ليبيا وذلك من الدخل النفطى ، لكن سوريا لا يوجد بها نفط مُغرٍ، لكن السبب الأساسي غير هذا هو أن سوريا لها حدود مع "إسرائيل"، وهذا سبب أساسى، وسوريا فيها أقليات توحى للغرب أن القادم قد يكون غير مناسب لنا أو غير قادر، وقد يصدمنا، وهذا غير صحيح طبعًا، فمهما تكُن طبيعة القادم فلن يظلمهم، لكن بعض قادة الأقليات ومعهم الغرب يريدون أن يعرفوا المستقبل بالنسبة للأقليات فى سوريا.. والخلاصة أن القضية السورية معقدة بعض الشىء وهذا ما يفرقها عن القضية الليبية .
ـ المتردد على نطاق واسع الآن أن النظام السورى يحمى أمن "إسرائيل" والغرب بدوره يخشى من فقدان هذه الميزة فما قولكم ؟
* نعم، هذا صحيح، فهم يخشَوْن من فلتان الوضع داخل سوريا وأن يأتى نظام آخر يتبنى سياسة إسلامية أو وطنية مع العدو الصهيونى ويبدأ فى اتخاذ التدابير اللازمة من أجل استرداد الجولان مرة أخرى .
ـ هل يتخوفون من الجيش السورى الحر فى ذلك؟
* لا؛ لأن النظام البديل أو النظام القادم بعد سقوط النظام الحالى ليس فى نيته الآن فتح معركة مسلحة بمعنى معركة كبيرة؛ لأن البلد ضعيف اقتصاديًا وضعيف علميًا وضعيف فى كل شيء، والمطلوب أولاً من المعارضة وجميع قُوى الشعب السورى أن تعمل على إعادة بناء سوريا من جديد وبناء ما دُمر فيها قبل أن تفكر فى فتح أى معركة مع الجيش "الإسرائيلى".
ـ لكن أصواتًا فى الغرب أصبحت الآن تخشى بالفعل من هذا الحراك العسكرى والانشقاقات وقريبًا قالت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية إن هناك تمردًا طائفيًا يحارب الديمقراطية العَلمانية فى سوريا، بمعنى أنهم يصفون الجيش الحر بأنه تمرد طائفى ذو صِبغة سنية، يحارب الديمقراطية العلمانية فى سوريا، فهل هذا وأمثاله يؤشر على أن هناك أصواتًا أو "لوبى" فى الغرب يخشى ليس من المسألة الطائفية وإنما يخشى من انهيار النظام وأن يتحول شيئًا فشيئًا الزخم الشعبى الثورى إلى حرب ضد "إسرائيل" يومًا ما؟
* أولاً، الجيش الحر ليس كما يُظهرونه طائفيا ، إنما هم يمثلون أهل السُّنة وقلوبهم رحيمة وليس عندهم روح الانتقام أو روح الحقد، كما أنه ليس هناك تخوُّف من نشوب حرب أهلية أو قضايا طائفية وهذا كله دِعايات غير صحيحة، فالغرب لا يطمئن إلى وجود مثل هذا النوع.
وهناك ضباط بالفعل من الطائفة العلوية انشقوا عن النظام وهذا الجيش الحر ليس طائفيًا؛ لأنه يضم أطيافًا متعددة .
ـ ألا يطمئنه أن الثورة السورية لم تأخذ شكلا طائفيا وأن قطاعات ولو قليلة من الطوائف الأخرى انخرطت في الثورة السورية وهناك كثير من الفعاليات والحساسيات الأخرى تحركت ورفضت.
* الغرب يرى هذا الأمر ويعرفه، مثلما قلت لك فى البداية، ربما لا يزال بعض زعماء الأقليات الذين يستفيدون من النظام أو المستفيدين حقيقة من النظام لا يزالون يوسوسون للغرب؛ لأنهم يشعرون بالقلق والخطر من النظام القادم.
ـ يتذرَّع الغرب أحيانًا لعدم تدخله ما لم تتوحّد المعارضة السورية، وهناك هيئة تنسيق تحاول أن تظهر أنها ضمن قوى المعارضة.
* ما أعتقده أن هذا سبب وجيه أو رئيسي، ولكن الذى يتذرع لا يريد أن يتدخل، كانت هناك ضغوط من الجامعة العربية كى يتوحدوا وهناك أيضًا ضغوط خارجية حتى من روسيا وإيران.
ـ هناك تنسيقيات فى الداخل وهناك معارضة فى الخارج وهناك التقاء بين المجلس الوطنى والتنسيقيات فى الداخل إلى حد ما، لكن الحالة السورية تختلف عن كل الثورات العربية فى أن معظم معارضتها السياسية فى الخارج من الطيور المهاجرة أو من اللاجئين، نظرًا للقبضة الشديدة التى كان يتسم بها النظام وما زال، هل تتخوفون أن يحدث نوع من الانقسام إذا ما سقط النظام؟
* أكيد؛ فهناك تيارات مختلفة فى سوريا، خاصة وأن عهد الاستبداد طال 50 سنة، فجعل الشخصية ليست شخصية مرتاحة، مع البُعد عن الفعل السياسى والحوار، لكنى أعتقد أنه بالتأكيد ستكون هناك أحزاب (بعد نجاح الثورة)، لكن لا أعتقد أولاً أنه ستكون هناك حرب أهلية، ولا أعتقد، كما يخاف البعض ويصور البعض، أنه سيكون هناك نوع من التفكيك والانتقام لطائفة معينة، وإلا فالاختلاف السياسي سيحدث وستكون هناك أحزاب كثيرة واختلاف فى الرؤى وطريقة الحكم وغير ذلك.
ـ للعلماء في سوريا وخارجها دورهم في دعم هذه الثورة، لكن كجهد يزيد عن المألوف في هذا الصدد لاسيما مع وجود هيئات إسلامية جامعة للعلماء، هل تؤيدون توجه وفد من إحدى هذه الهيئات والروابط التي تضم العلماء كالاتحاد العالمي أو رابطة علماء المسلمين أو غيرها إلى عواصم عربية أو إقليمية للضغط من أجل إيصال هذه المساعدات إلى الشعب السوري المنكوب بنظامه؟
هذا شيء جيد وقوي وجميل، لاشك في ذلك، أنا أقول ـ وهذا رأيي الشخصي ـ أنه واجب إنه يتحرك العلماء والدعاة باسم هذه الهيئات طبعًا، إلى الدول العربية، إلى العواصم العربية، لدعم تشجيع المخلصين، ونصح الحكام، ومن الجيد العمل والتطوع لهذا الأمر والمساعدة فيه، وهذا واجب، أعتقد ذلك، فالعلماء هم قادة الأمة.
ـ توجه أحيانًا انتقادات لبعض العلماء عندما يؤيدون الثورات أو حتى يحتفلون مع المحتفلين بها كما حصل مع الشيخ القرضاوي بعد رحيل مبارك عندما ذهب إلى ميدان التحرير وخطب هناك، قال بعض الليبراليين بأنه يريد أن يكون "خميني" مصر، فهل من أجل هذا يتهيب بعض العلماء من مثل هذه التحركات؟
الأصل أن العالم المخلص لا يتهيب من هذا، فيحجم عن أن يفعل الأفعال الصحيحة خوفًا من أن يقال عنه كذا، لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً، فالإسلام جاء لتحرير الإنسان من الظلم والبغي والاستعباد والشرك والخضوع الكامل للبشر فيما لا يرضي الله، لأن الخضوع الكامل لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى.
ـ إذن ننتقل إلى حركة الشعوب ذاتها، ما الذى كنتم تنتظرونه من مساندة عربية شعبية للثورة السورية؟
* نقول المسلمون كلهم أخوة ومن دواعى الأخوة ودواعى الإيمان أيضًا أن ننصر أى مسلم فى أى بقعة من الأرض، فكيف إذا كان ما يفعل بالمسلمين فى سوريا ظلمًا شديدًا وإجرامًا من النظام السورى، فالشعب السورى يتوقع المساندة المعنوية من كل الشعوب العربية والإسلامية وربما لا يدرى كثيرون كم هو أثر الدعم المعنوى على الشعب السورى إذا ما سمعوا أن مظاهرة تأييد لهم من قبل الشعب الفلانى أو من قبل الجماعة الفلانية، فهذا الأمر يفرحهم كثيرًا وبالطبع فالسوريون عقدوا آمالاً كبيرة على الشعوب العربية التى نالت حريتها عبر الثورات كتونس ومصر وليبيا ولكن للأسف ما حدث حتى الآن ليس على المستوى المأمول أو المنتظر ولا أدرى الأسباب الكامنة وراء ذلك.
ـ لعل البعض يعتذر عن ذلك بكثرة الاستحقاقات فى بلدانهم كمصر أو تونس هناك مظاهرات كثيرة وانشغال بالداخل وربما نقد من أطراف أخرى، فالبعض ربما يقول لماذا تتركون حقوق الشهداء فى مصر وتتجهون إلى الآخرين؟
* لا أرى مانعًا يمنع الجمع بين الاهتمام بالداخل والاهتمام وأيضًا بمشكلة كبيرة جدًا فما يحدث فى سوريا يصل إلى حد الإبادة الجماعية، فالقرى وبعض الأحياء فى حمص والرستن وغيرها مثلاً تضرب بالدبابات والمدافع، والاعتقالات بالمئات والآلاف وأنا أعتقد أن عدد الاعتقالات وصل إلى قرابة 100 ألف.
والشهداء والقتلى من المدنيين بالآلاف هناك مجازر الآن على أرض الواقع، مجازر تقع من نظام قمعى نظام مجرم، نظام طائفى، يضرب الشعب المسلم، كيف لا يتحرك أحد، أنا أعتقد أنه ليس عذرًا.
وإلا، لماذا تخرج مظاهرات شجب وتأييد عندما تضرب غزة مثلاً؟ فالشعب السورى يضرب من قبل نظام أفسد من النظام اليهودى وأشد إجرامًا.
ـ لكن المشكلة أن البعض يتصور أن المظاهرات لن تحدث شيئًا فى ظل وجود هذا النظام الدموى السورى الذى لا يرعوى عن فعل مجازره.
* هو قد لا يرعوى بالفعل، لكن وجود معارضة كبيرة فى أرجاء العالم العربى والإسلامى شىء يزعج النظام السورى، هذا من جانب، ومن جانب آخر، الشعب السورى سترتفع روحه المعنوية عندما يرى المظاهرات من الشعب المصرى ومن الشعب التونسى ومن الشعب المغربى مثلا، وهذه رسالة مطلوبة ومفيدة جدًا أن تقول للشعب السورى نحن معكم ونعرف أن هذا نظام فاسد ومجرم.
ـ وهل تؤيدون أيضاً المظاهرات أمام السفارات الروسية الداعمة لنظام بشار؟
* بكل تأكيد فالدولة الروسية دولة متوحشة لا مكان فيها للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان فى الماضى والحاضر زمن الشيوعيين وبعدهم أيضًا، كما أنها ذات تاريخ سيئ مع المسلمين فقد عملت كثيرًا على إضعاف الدولة العثمانية، وكانت من أكثر الدول التى حاربت الدولة العثمانية وأضعفتها وهى أول دولة اعترفت بـ"إسرائيل" عام 1948 قبل أمريكا.
الجانب الثانى، أن روسيا ليس لها الآن نفوذ كبير فى العالم مثلاً فى مناطق معينة، ولكنها تريد مناكفة الغرب والحصول على مقابل ضخم من الغرب مقابل توقفها عن دعم النظام السورى المجرم، فأنا أؤيد التظاهر أمام السفارة الروسية والصينية، وأيضًا الإيرانية.
ـ بمناسبة الحديث عن موقف روسيا هل ترون أن الغرب يتذرع بالموقف الروسى لعدم التدخل فى سوريا؟
* لا أعتقد ذلك.
ـ دائمًا الفيتو يحدث عليه توافق، لماذا لم يحصل توافق حول هذا الفيتو تحديدًا؟
* روسيا ترى أنها خدعت فى ليبيا ولا تريد أن يتكرر معها ذات الأمر فى سوريا لذا هى تبعث رسالة لجميع الأطراف أنها موجودة وبقوة.
فأنا أعتقد أن الغرب وخاصة فرنسا وبريطانيا يسعى لإسقاط نظام بشار وهذا شىء متفق عليه، لكن المشكلة الحقيقية ما بعد بشار، فهم جادون فى إسقاط النظام لكنهم طبعًا يريدون البديل القوى الموالي لهم الذى يستطيع أن يمسك بزمام سوريا، وهذه أحد الأسباب الرئيسية للتأخر فى الدعم الكبير لإسقاط النظام.
ـ روسيا لها مصالح فى سوريا، لها قاعدة عسكرية فى طرطوس ولها استثمارات نفطية، هل ترون أن تطمين روسيا على هذه المصالح من قبل المعارضة سيصب فى مصلحة هذه المعارضة فى إزاحة هذا النظام أم أن ذلك سيزعج الغرب الذى يريد أن يحل محل روسيا؟
* أظن أن المعارضة فى لقائهم الأول مع الروس طمأنوهم بالتأكيد، لكن لا أظن أن القضية بهذا الشكل.
فالروس يريدون تسجيل موقف ضد الغرب، أو يمنحهم الغرب شيئًا كبيرًا جدًا، وهنا ربما يتنازلون ولكن مشكلة روسيا أنهم أحيانا لا يفهمون المعادلة السياسية جيدًا فقد أيدوا نظام القذافى ثم تراجعوا عن ذلك والآن يقفون بجوار نظام بشار المجرم الطائفى ولكنهم قد يعاودون تقييم موقفهم مرة أخرى.
ـ هل أنتم متفائلون نحو المستقبل ؟
* نعم، أكيد ستكون هناك انتخابات نزيهة وسيكون هناك حرية فى النقد، وشيئًا فشيئًا ستصحح الأمور طبعًا.
ـ لكن البعض يخشى من التفكيك .. إقليم كردستان العراقى وأكراد سوريا ينادون بحق تقرير المصير لأكراد سوريا، فهل تخشون من وجود دولة كردية فى الشرق وفى الغرب؟
* لا، هذا بالنسبة للسوريين مستحيل.
ـ لماذا؟
* لا يقبلون بانفصال جزء منهم، والأحزاب الكردية فيها أحزاب غير هذه الأحزاب التى تقول بتقرير المصير، تقول نحن سوريون، لكنهم يعتبرون أن هناك أمورًا أخرى لهم فيها حقوق معينة.
ـ أيهما أكثر شعبية وقبولاً لدى الشارع الكردي؟
* ربما تكون نغمة القومية, ونغمة الانفصال طاغية، لكن لا يفكرون بالعواقب، لا يفكرون أن هذا أولاً صعب؛ ولذلك لن يتحقق ومن ثَم يكونون واقعيين، وهم مسلمون ولا يوجد فرق بيِّن عندنا فى سوريا بين العربى والكردي، لا يوجد فرق أبدًا ، أما بقية الشعب السورى فلا يفكر بهذا المنطق أبدًا ، فأنت تجد فى حى الأكراد فى دمشق يخرج منه وزراء وحكام ومفتي، فالمفتى السابق كان الشيخ أحمد وهو كردي، وهكذا شخصيات كثيرة، لا يفكر الناس بهذا المنطق أصلاً أبدًا فى دمشق وغير دمشق .
ـ هل هى فزَّاعة مقصودة؟
* نعم، فزاعة .. النظام ظاهريًا يدَّعى القومية العربية والعروبة ومن ثم هم يهاجمون هذا المنطق تمامًا، وهذا أيضًا أحيانًا يساعد النظام، فهذا النوع من المعارضة التي تريد أن تفكك سوريا مثلاً يسدي خدمة للنظام.
ـ ما يقال عن دولة شرقية ودولة غربية ودولة دُرزية، هل أحجام هذه الأقليات تستطيع فك دولة بقوة سوريا؟
* حاولت فرنسا عندما دخلت سوريا بعد الحرب العالمية الأولى إقامة أربع دول: دولة العلويين، دولة الدروز، دولة دمشق، دولة حلب، لكن فرنسا وجدت أن هذا غير واقعى وغير طبيعى وهذا غير صحيح والشعب السورى لا يقبل هذا، ورفض هذا، ورجعت الأمور وحدها موحدة، بعد أن كان فعلاً صار هناك شىء اسمه دولة دمشق ودولة حلب ودولة الدروز ودولة العلويين.
ـ يروى أن قادة العلويين آنذاك رفضوا هذه التقسيمات واشتركوا فى الثورة ضد الفرنسيين؟
* لا، لم يشترك العلويون فى أى ثورة ضد الفرنسيين، بل الثابت أنهم طالبوا فرنسا بالبقاء وبسط الحماية عليهم خوفًا من أهل السنة.
ـ ننتقل إلى الدور التركى فيما يحصل فى سوريا، البعض تصور أن تصريحات أردوغان القوية وأركان حكمه تعني أن تركيا بصدد التدخل فى سوريا، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، فلماذا برأيك؟
* أنا أعتقد أن تركيا كانت فعلاً فى البداية تريد بقاء بشار وأن يتبنى هو الإصلاح، وهذه كانت استراتيجيتها؛ لأنهم ليس بودّهم مثل ما تقولون أنتم بمصر (وجع دماغ)، فيتمنون حصول إصلاحات ويبقى الحكم ويبقى النظام وتستمر الأمور، فلما قويت الثورة غيّروا رأيهم وقالوا إنا نصحناه وما عاد يستجيب لنا وكذا وكذا .. إلخ.
ـ هل سبب ذلك الضغوط الغربية؟
* ربما .. أنا لا أدرى بالضبط، أنا أتوقع أنه ربما تكون هناك ضغوط غربية وأمريكية خاصة، وهل إيران لها دور فى الموضوع أي أنها تدخلت على الموضوع وطلبت عدم الضغط الكبير على النظام السورى واستجابت تركيا لهذا، لا أدرى!
ـ هناك تحذير لتحريك الملف الكردى وهناك بعض العمليات العنيفة ضد حزب العمال الكردستاني، هل تروْن أنها تخشى الملف الكردي؟
* طبعًا، فتحوا الملف الكردى لإيران وسوريا ويمكن أن يساعدوا الأكراد ويطعنوها من الخلف.
والنظام التركى ليس نظامًا يتبنى أيديولوجية معينة؛ بمعنى أنه دولة لها أيديولوجية معينة ومن ثم هو لا يهمه الخسائر، فصاحب المبدأ يقاوم ويعمل لمبدأ معين، النظام التركى الآن ليس هكذا، هو نظام براغماتى يريد مصلحة تركيا وتستقر الأمور اقتصاديًا وأمنيًا ودفاعيًا، وليس عندهم نية أن يتدخلوا ويصيروا قوة عظمى فى المنطقة ويوقفوا الزحف الإيرانى على المنطقة.
ـ هل ترون أن النظام السورى مثلما أحجم عن المطالبة بالجولان يحجم أيضًا عن مسألة "أنطاكية"، يعنى هل يستفيد الأتراك من نظام بشار أنه لا يحيى قضية الاحتلال التركى لأنطاكية؟
* هو ليس احتلالاً، هى قدّمته فرنسا لما وضعت الحدود ولما كانت محتلة سوريا وقدمتها هدية للنظام التركى يومها، أنا قلت إنهم طبعًا كانوا يرون بقاء بشار مع قيامه بعمل إصلاحات ويرتاحون، ولهم علاقات اقتصادية كانت جيدة، رجال أعمال حلب، وأتراك وشركات تركية كان لها دور واستثمارات فى سوريا ومستفيدون من سوريا، ويريدون بقاء النظام، لكن قضية أنطاكية انتهت، وهم غير متخوفين أن تأتى دولة تطالب بأنطاكية مثلاً.
ـ لا يخشون من ذلك، لكن إذا ما تفككت سوريا فرضًا، وقيل إن هناك دولة علوية، ألا تتوقع أن تطالب بأنطاكية باعتبارها ذات كثافة علوية أيضًا؟
* أظن أن العلويين فى أنطاكية مرتاحون.
ـ ننتقل إلى الموقف العربي الرسمي من الثورة السورية، ألا ترون أن الفرصة قد باتت سانحة لكسر النفوذ الإيراني في الخليج وإضعاف مناكفتها لدول الخليج العربي، ألا ترون أن الأمر يحتاج إلى دعم أقوى من دول الخليج للثورة السورية؟
طبعًا جدا، فهذه فرصة للدول العربية ودول الخليج خاصة أن يضعفوا النظام الإيراني إضعافًا شديدًا، لأن النظام الإيراني نظام توسعي خطير، فليست إيران دولة عادية ومنكفئة على ذاتها؛ حتى لو كانت دولة مذهبية فهي لا تفتأ تتدخل في الشؤون الداخلية للدول المحيطة فهي توسعية، وتستلهم كلام الخميني عن تصدير الثورة، وبالتالي يصبح في مساعدة الشعب السوري وثورته إضعاف شديد لإيران، فهذا واجب عليهم مصلحة وعقلاً قبل أن يكون واجبًا عليهم شرعًا ودينًا وخلقًا. وهذا في مصلحة الجميع.
ـ ربما في مصلحة الجميع لكن دول الخليج العربي تلمس بلاشك تصعيدًا يحدث على أراضيها كلما زادت من ضغطها على نظام بشار، ففي البحرين تزداد أعمال العنف كلما زاد الموقف الخليجي قوة في دعم مطالب الشعب السوري، كذلك في الكويت وغيرها، فهذه الضغوط التي يمارسها النظام السوري عبر إيران أو بأدواته هو ذاتيًا، ألا تقلق دول الخليج في التدخل؟
بالعكس، أراها ينبغي أن تساعدها وتشجعها، وبرأيي الإجابة :لا، فهذه مشكلات صغيرة يمكن حلها بطريقة ما، فلا تسمح بهذا الأمر الذي ذكرته، لا تسمح له بأن يتمدد وأن يكون خطر عليها، فالمعروف ان الخليج لديها قدر من الحرية، وحالة شعوبها المادية أفضل كثيراً من غيرها؛ فلماذا يجري تسخين الداخل لديها؟! فظروف الثورات العربية مختلفة تماماً عن الخليج الذي تحدث فيه القلاقل أحياناً في البحرين والكويت وغيرها لأسباب تتعلق فعلاً بأجندات خارجية.
وفي تصوري أن دول الخليج لديها مواقفها الجيدة المعلنة المساندة للشعب السوري؛ فالبرلمان الكويتي كان له موقفه الرائع من الثورة السورية، وقد قدم كثير من أبناء الشعب الكويتي مساندة عبر النواب كأمثال د.وليد الطبطبائي للاجئين السوريين في تركيا، كما أن للسعودية مواقفها القوية في هذا الخصوص وتصريحاتها المؤثرة
ـ نشكركم شكرًا جزيلاً.
عفوًا.