16 ذو القعدة 1433

السؤال

هل يوجد حل للإدمان في غير المستشفيات؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
بداية نشكر لك أخي الكريم تواصلك مع موقع المسلم وثقتك في مستشاريه ونسال الله أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان يجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين
أخي الفاضل الكريم
لاشك أن للإدمان مخاطر وآفات وآثارا تتعلق بشخص المدمن وتتعلق وتؤثر أيضا على المحيطين به ويحتاج بالفعل للعلاج والتخلص من الآثار المدمرة لهذا الإدمان
ولاشك عند محاولة الإجابة عن سؤالك أن نفرق بين أمرين:
أولها: أن يكون السائل الكريم هو المتعرض فعليا لهذا البلاء، وبالتالي يريد تخلصا منه دونما الوصول إلى مستشفى للعلاج لظروف نتفهمها ونقدرها ولا نستطيع معاتبته فيها.
ثانيا: أن يكون المتعرض لهذا البلاء شخص غير السائل الكريم، ويريد السائل أن يساعد هذا الإنسان في الخروج من أزمته وبلائه دون التردد على مستشفى علاجي لنفس الأسباب والظروف السابقة.
والتفرقة هنا أنه في حالة محاولة العلاج خارج المستشفيات يحتاج الأمر لإرادة قوية وعزم شديد تكون فيه الحالة الثانية أيسر من الأولى نظرا لوجود فردين يحاولان معا خروج المدمن من إدمانه وان كان فيهما درجة من درجات الصعوبة التي تحتاج الكثير من الجهد.
ونقسم تلك الإجابة في عدة نقاط:-
- بداية يجب أن نعلم أنه ما خلق الله داء إلا خلق له دواء، وأنه لا مجال لليأس من الشفاء من أي مرض، وأن الأمل معقود في تجاوز هذا العرض والخلل ببذل الجهد واكتشاف السبل الصحيحة لمقاومته وعلاجه والتخلص من آثاره، ويجب عدم الوصول لليأس من العلاج فذلك هو الفشل الحقيقي في علاجه، فينبغي إعادة المحاولة والتصبر والتحلي بالأمل بإذن الله
- إن أول الأبواب الذي يجب طرقه والتعلق به والتشبث بحسن الصلة به هو باب الله سبحانه الذي لا يغلق في وجه عبد مهما أخطا أو ابتعد أو أسرف على نفسه " قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ "، بحسن الصلة بالله والتوكل عليه واللجوء إليه والتضرع والدعاء ييسر الله كل عسير ويبارك في الجهد ويجزل العطاء بحسن التوجه.
- هناك حالات من الإدمان يصعب بل يكاد يكون مستحيلا أن تبدأ في علاجه بدون الإشراف الطبي سواء في مستشفيات أو بمتابعة طبية دقيقة، لأن حالات الإدمان تختلف بحسب نوعية المادة المتعاطاة وبحسب كميتها وبحسب المدة الزمنية التي انتظم فيها المدمن في تناوله للمادة التي أدمنها، وفي بعض الحالات قد تتأكد الحاجة للعلاج الطبي في مستشفى وخاصة في المرحلة الأولى، وقد تحتاج كل حالة من الحالات لعلاج طبي خاص بها قد لا يتشابه مع غيرها، والمرحلة الأولى في العلاج هي الأخطر في معالجة الإدمان وهي مرحلة إزالة السموم من الجسم والتي ينبغي أن تتم بطريقة مدروسة وآمنة بحيث لا تحدث آثار سلبية في انسحاب المخدر من الجسم، وينبغي فيه أن يكون هناك عقاقير مضادة للأعراض الانسحابية، ولهذا تحتاج الكثير من الحالات لعلاج طبي ويعتبر عدم العلاج الطبي فيها نوعا من المغامرة غير المحسوبة والتي قد تنهي العلاج سريعا ليعود المدمن إلى ما كان عليه إن لم تأت بمخاطر أكثر من ذلك ولا ننصح بها.
- للأسرة دورها الكبير في المساعدة على الشفاء من حالة الإدمان، لأنه غالبا ما يكون الإدمان ناتجا عن اختلال اسري، ومن الطبيعي أن يكون هناك نوع من الاستقرار الأسري إن أردنا علاجا تأهيليا للمدمن، فالاستقرار النفسي الناتج عن الاستقرار الأسري من الأهمية بمكان لمدمن المخدرات لكي يعيد اندماجه في وسطه الاجتماعي ولكي تُتجنب الانتكاسات التي يمكن أن يتعرض لها ولكي يثابر ولا يتوقف عن الخطوات التي خطاها في علاجه.
- ينبغي عدم التوقف عن الاستمرار في العلاج حتى لو ظهرت بوادر تخلص الجسم من السموم، فهذه اللحظة هي اللحظة الحرجة التي يتساقط فيها المدمنون في مراحل علاجهم بحيث يظنون أنهم قد تخلصوا تماما من الآثار السلبية وهم في واقع الأمر ليسوا إلا في منتصف الطريق لا غير ويجب عليهم إكماله حتى ينتهوا تماما من هذا البلاء.
- ينبغي عدم الاعتماد على أسلوب الوعظ والتذكير بعظم الجرم والذب والاعتماد عليه كأسلوب وحيد للعلاج، فليست المشكلة في ارتكاب المعصية الىنية بل ما يترتب عليها ايضا من عظائم وقد أصبح الأمر مرضا حقيقيا نفسيا وجسديا يحتاج للتدخل الطبي والنفسي لتنمية إرادة المريض للخروج من محنته.
أخي الفاضل
إن كنت أنت المعني، أو كان المعني هو احد أقربائك وأحبائك، ووصلت مرحلة الإدمان به إلى ضرورة العلاج في مستشفى أو تحت إشراف طبي فينبغي المسارعة في ذلك مع محاولة الستر قدر الإمكان، فان لم يتحقق الستر واعتبرتم الدخول للمستشفى شرا لابد منه فلا مانع من ذلك ولا تترددوا عملا بمبدأ قبول أخف الشرين دفعا للشر الأكبر.
وأخيرا فإن الله عز وجل يقبل توبة العبد مهما بلغت ذنوبه، فينبغي على المجتمعات الإسلامية أن تتعامل بعين الشفقة والعفو تجاه المذنب التائب الذي يرغب في العودة للصلاح وللاستقامة وللسير على النهج القويم ولا يكونوا سببا في تمادي المذنب في ذنبه حتى يهلك وهو مصر على معصيته، وحينها الخشية كل الخشية - إذا أغلق المجتمع بابه في وجهه – أن يستمر على ذنبه ومعصيته وإدمانه، وحينها سيجرف معه آخرين في طريقه فيدلهم بقوله وفعله على طريق الغواية.