التطرف المَرْضيّ عنه!!..
1 رجب 1433
منذر الأسعد

..وكتاب: التطرف المسكوت عنه، من تأليف الدكتور ناصر بن يحيى الحنيني، ويعني به التطرف اللبرالي التغريبي الذي يرى الباحث أنه جاء لتعويض الهزيمة النكراء التي مُنِيَ بها الفكر العلماني الصريح في عدائه لدين الأمة وثوابت هويتها، ولذلك أضاف المؤلف عنواناً فرعياً شارحاً هو: أصول الفكر العصراني/ السعودية نموذجاً 1426-1427.

 

وأسوأ نماذج هذا الفكر المنحرف صنفٌ يزعم أنه ينطلق من رؤية إسلامية، وهي في حقيقتها تحريف لقطعيات الإسلام ونسفٌ لأسسه من الداخل عبر تحريف الكلم عن مواضعه والتلاعب بالمفاهيم وتزوير المصطلحات، بينما يفضح القوم أنفسهم في زلات اللسان كقول أحد أبرز رموزهم-خالص جلبي-عقب أحداث سبتمبر  2001 م: يجب أن نحزن لِحُزْنِ أمريكا لأن فشلها فشلٌ للجنس البشري !!

 

بعد مقدمة قصيرة يخصص المؤلف في التمهيد بيان المصطلحات التي يطلقها المتطرفون العصرانيون على أنفسهم أو يطلقها عليهم ىلآخرون، مثل تسميات: الليبرالية-العصرانية- العقلانية-التنوير-الفكر التجديدي-الفكر التحديثي أو الإسلام التحديثي. ثم يعرّج الكتاب على نشأة تيار تأليه العقل في ظل الفلسفة منذ عصور الإغريق، ويشير إلى الاثر السلبي للفكر المعتزلي في بث هذا الخلل في المجتمعات المسلمة نتيجة دوران فكر المعتزلة في فلك الفكر الفلسفي بِعُجَرِه وبُجَرِه.

 

وفي فقرة لاحقة يوضح الدكتور الحنيني أثر الاستشراق والاتجاهات الإلحادية في الفكر الليبرالي، مع تزويد الفقرة بشواهد قوية على دقة استنتاجه، ليفسر بعد ذلك أسباب انتشار الفكر الليبرالي والتي يتصدرها اتباع  الهوى والانبهار الأعمى بمدنية الغرب وما يوازيه من هزيمة نفسية مضافاً إليهما ضآلة التحصيل العلمي لدى الأفراد المنساقين وراء الليبرالية وانغماسهم في مستنقع التراث الصوفي الغالي والفلسفي المتزندق، وذلك فضلاً عن أهمية العوامل الشخصية، إذ يلاحَظُ أن كثيراً من غلاة الليبراليين اليوم كانوا غلاة  في  فهمهم للإسلام!! فهم مع الغلو في كل حال.

 

أما أثر الدعم الغربي للتطرف الليبرالي عندنا فلا يسوقه المؤلف كلاماً مرسَلاً وإنما يوثقه بأدلة غربية لا يستطيع القوم التشكيك فيها كمقالة لآلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط بمعهد  الدراسات الدولية والإستراتيجية الأمريكي وتقرير لمؤسسة راند وآخر لمؤسسة كارنيجي  وثالث لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية.

 

يتكون متن الكتاب من فصلين أولهما كبير المساحة نسبياً، ويتناول معالم الفكر الليبرالي والآخر يعرض نتائج هذا الفكر الكارثي على حاضر الأمة ومستقبلها.ومن المعالم التي أثبتها الباحث: الموقف غير النزيه من النص الشرعي وتقديس العقل –بزعمهم- على حساب قطعياته  والتهوين من شأن نصوص الوحيين فيعمدون إلى الآيات المتشابهة أو العامة ويتجاهلون الآيات المُحْكَمة وينبذون السنة النبوية الشريفة ويفحمهم المؤلف من خلال بيان الموقف الشرعي السليم من العقل ومكانته وضوابط عمله.

 

ومن المعالم التي كشفها الكاتب موقف الليبراليين العرب من قضايا العقيدة وأصول الدين الكبرى، حيث يسعون إلى الغض من مكانة التوحيد الأساسية فهي أس رسالات الأنبياء كافة، كما يحاولون الحط من قيمة الولاء والبراء وواجب الحكم بما أنزل الله تعالى على نبيه الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم.

 

ويتحدث الكتاب عن مواقف هؤلاء الشرذمة من تاريخ الأمة وتراثها، فهم يهاجمون التراث المضيء المستنير بنور الكتاب والسنة ويمجدون تراث الغلو والانحراف والزندقة الذي تصدى له أهل العلم قديماً وحديثاً.والأمر ذاته ينطبق على رؤيتهم للتاريخ الإسلامي فهم يتطاولون على القرون الثلاثة المفضلة ويفترون على رجالاتها الكذب، وينشرون هالات مجد باطلة حول الرموز الضالة والمخربة.

 

أما المَعْلَم المتصل بموقف الرهط من الغرب فقد حشد فيه الحنيني من الشواهد ما يكفي لإقامة الحجة على من يحسن الظن بفئة تقدس الغرب بكل ما فيه!!
وفي الفصل الثاني  بصفحاته المحدودة -5صفحات-يوجز المؤلف الآثار السلبية الخطيرة  للفكر اليبرالي على المسلمين فيقسمها إلى آثار عقدية وأخرى تربوية وأخلاقية  وثالثة سياسية.

 

ومن مزايا  هذا الكتاب اعتماده على رصد هراء القوم في الكتب والصحافة المقروءة وفي الفضائيات ومواقع الشبكة العنكبوتية.وكنا نتمنى ألا يأتي الفصل الثاني بهذا القدر من الاختصار الذي أزعم أنه اختصار مُخِلٌّ بالرغم من تفهمي لأسباب هذا الاختزال فكأن المؤلف ظن القارئ العادي يعي تلك الآثار وعياً يضاهي إدراك العلماء والدعاة والباحثين.