
كاميرون مونتير سفير الولايات المتحدة لدى اسلام اباد، والذي قرر ان يغادر موقعه قبل اكمال مدته كسفير لبلاده في باكستان، لم يشأ الا ان يقلب الموزاين في المقابلة الاخيرة التي اجرتها معه قناة البي البي سي البريطانية، فقد قال ان اقدام حكومة باكستان على اعادة فتح اراضيها امام مرور الامدادات للقوات الامريكية وقوات حلف الناتو في افغانستان امر يصب في مصلحة باكستان، وبرر ذلك بالقول بان باكستان قد قامت بعزل نفسها امام العالم، ودخلت في ازمة مع خمسين دولة لها تمثيل عسكري في افغانستان، ولكن هذه ليست الحكاية باكملها، بل ان فيها نقص متعمد لم يرغب السفير الامريكي في الاشارة اليه او لربما انه يحاول نسيانه، وهو التكاليف الباهظة جدا، والتي أعيت الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين في نقل الامدادات عبر طريق يسمى شبكة التوزيع الشمالي، والذي يمر في دول اسيا الوسطى الى روسيا، ومنها الى الدول المطلة على بحر البلطيق، او من دول اسيا الوسطى الى اذربيجان وارمينيا ومن ثم الى البحر الاسود، وكلا الطريقين يكلفان مبالغ باهظة مقارنة مع الكلفة الزهيدة لقاء المرور بالاراضي الباكستانية الى افغانستان. فقد عانت الولايات المتحدة ودول حلف الناتو باقتصادياتها المتعثرة واوضاعها المالية الضعيفة من ثقل التكلفة المالية لايصال المواد الغذائية والامدادات الى جنودها في افغانستان، بسبب الحظر الذي فرضته باكستان على مرورها بارضيها بعد قيام مقاتلات حلف الناتو بقصف موقع حدودي باكستاني في نوفمبر الماضي وقتل 26 جنديا باكستانيا، واضطرت القيادة المدنية والعسكرية الباكستاينة الى الرضوخ امام ضغوط الولايات المتحدة وتهديداتها بوقف جميع اشكال القروض واموال الدعم المشروطة وغير المشروطة عن باكستان، وقامت حكومة حزب الشعب الحاكم بقيادة الرئيس اصف علي زرداري بإعادة فتح منافذ البلاد امام مرور الامدادات بعد ان حصلت على اعتذار – وُصف بانه لا يشبه الاعتذار – من هيلاري كلنتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة، وهو الشيئ الوحيد الذي حصلت عليه، اذ انها اخفقت في تحقيق بقية الشروط التي وضعتها لجنة الامن الاستراتيجي بالبرلمان الباكستاني، والتي طالبت بعدة امور من بينها وقف هجمات طائرات التجسس الامريكية بدون طيار على الاراضي الباكستانية، ودفع مبلغ لا يقل عن 1000 دولار عن كل شاحنة تعبر الحدود، ويبدو ان باكستان حصلت من الولايات المتحدة على مبلغ 250 دولار او اقل عن كل شاحنة، وهو امر لم يتبلور بعد.
وكان بامكان السفير الامريكي ان يترك مناسبة اعادة فتح المنافذ امام امدادات قوات بلاده، يتركها تمر من خلال تقديم الشكر للحكومة والشعب الباكستاني – على سبيل اللباقة الدبلوماسية، وان لا يقوم بالتاكيد على ان المستفيد الوحيد من فتح المنافذ هو باكستان. تقديم الشكر كان من شانه ان يعمل على ترطيب مشاعر الباكستانيين الرافضين لاعادة فتح المنافذ امام الامدادات، والذين لا زالت كراهية الولايات المتحدة هي السمة التي تميزهم.
ولم يكتفي السفير الامريكي بذلك، بل كرر ما قاله الرئيس الافغاني حامد كرزاي في طوكيو، وهو ان العالم لن يشعر بالاستقرار الا بعد القضاء على مخابئ المسلحين في مناطق باكستان القبلية، واضاف السفير بان على باكستان الكثير من الجهود التي يجب عليها القيام بها لدعم ما يسمى بالحرب ضد الارهاب، والتي في مقدمتها شن عملية عسكرية ضد مخابئ شبكة حقاني بمناطق وزيرستان الشمالية، والتي تتهمها الولايات المتحدة وحكومة افغانستان بانها ترسل المسلحين لضرب مصالحمها. وبالاضافة الى ذلك، فان السفير الامريكي طالب باكستان بان تكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة.
واكتفى السفير الامريكي بالاجابة على تساؤل حول ممانعة ومعارضة الولايات المتحدة في السماح لباكستان بالاستمرار في مد انابيب الغاز الايراني الى اراضيها، وتهديدها في هذا السياق بانها سوف تعرض باكستان للعقوبات اذا هي استمرت في هذا المشروع، مع ان الولايات المتحدة منحت استثناء للهند لشراء الغاز والنفط من ايران، وسمحت للشركات الهندية لعقد صفقات تجارية مع ايران وللتقايض في هذا الاطار بالروبية الهندية التي قبلت بها ايران كبديل عن العملات الاخرى التي يُحظر على ايران التعامل بنكيا بها؛ اكتفى السفير الامريكي بالقول بان باكستان لا تعاني من نقص الطاقة!!، وان كل ما هنالك هو ان باكستان تعاني على حد وصفه من سوء ادارة لازمة الطاقة، وانها بحاجة الى اصلاحات في هذا القطاع، في حين ان القاصي والداني يدرك مدى معاناة الشعب الباكستاني من قطع التيار الكهربائي طوال السنوات الاربع الماضية وحتى الان، لفترات تزيد عن نصف الاربع والعشرين ساعة وربما اكثر من ذلك في كثير من مناطق باكستان المختلفة، حيث لا يصل التيار الى بعض المناطق سوى لمدة اربع ساعات من الاربع والعشرين ساعة. الولايات المتحدة وفي اطار ازدواجية المعايير، تحظر على باكستان الحصول على تقنيات الطاقة النووية السلمية، ولكنها منحت هذه الطاقة للهند وقدمت لها تسهيلات للحصول على الوقود النووي اللازم لمفاعلات انتاج الطاقة، ولهذا فان القطاع الصناعي ينتعش في كل يوم في الهند، بينما اغلقت المصانع والمعامل في باكستان ابوابها لعدم توفر الوقود والطاقة، وقامت رؤوس اموال باكستان المحلية بالهجرة الى الدول الاقليمية مثل بنجلادش، التي استقبلت رجال الاعمال الباكستانيين من العاملين في قطاع النسيج.
اما الامر الاخر الذي قام السفير الامريكي بالكشف عنه، فهو قوله بان كلا من نواز شريف رئيس حزب الرابطة الاسلامية الباكستانية المعارض، وعمران خان لاعب الكركت الذي تحول الى سياسي والذي يتراس حزب الانصاف الباكستاني، وهو المعارض لحزب الحكومة ولحزب نواز شريف، ويحاول ان يبرز ذاته كقوة ثالثة بديلة عنهما، فان السفير قال انهما يدعمان السياسات الامريكة وانهما اكدا له على ذلك. والمستغرب ان كلا منهما لم يقم بالرد على ما قاله السفير الامريكي، وفي قوله هذا خلاف واضح مع ما يقوم به كلٌ من هاذين السياسيين، وقيامهما دائما بالتصريح به على الملأ، وهو انهما يعارضان السياسات الامريكية، وخصوصا السياسات المتعلقة بالمنطقة ذات الصلة، اي افغانستان ودول جنوب اسيا.