كارين أرمسترونج كاتبة غربية اجترأت على الموروث الصليبي الحقود الذي أحاط بها في نشأتها وبخاصة أنها اتجهت إلى الرهبانية التي تضاعف من جرعة العداء إزاء الآخر بعامة والإسلام وأهله بخاصة.
بعد أن أنار الله بصيرتها فانفتحت على البحث الجاد عن الحقيقة، أخذت تتعمد تصحيح المفاهيم المزورة السائدة في الغرب وتفنيد الأساطير الرائجة بتأثير ركام قرون من التعصب الأعمى يجري ترسيخه عبر البيت والكنيسة والمدرسة والإعلام، ولا يعني هذا القبول بظنونها حول التقاء الرسالات التوحيدية-في أصلها-في الدعوة إلى الخير والمحبة بين البشر، إذ إن ذلك صحيح 100% إذا تحدث المرء عن تلك الرسالات قبل تحريف اليهودية والنصرانية على أيدي رجال الدين فيهما!!
ما يهمنا هنا هو أعمالها التي تدل على حرصها الصادق على الموضوعية والإنصاف إلى مدى نادر واستثنائي في الغرب، ولا سيما في الوقت الحاضر حيث تصاعد مد الحقد بعد انهيار العدو الشيوعي ليحل الإسلام والمسلمون محله عدواً رئيسياً بحسب قناعة الشريحتين المتنافرتين أصلاً في مجتمعات الغرب، وهما: شريحة المتدينين وشريحة اللا دينيين!!
فكتابها ( سيرة محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم، الذي ترجمه إلى العربية الدكتوران: فاطمة نصر ومحمد عناني، تجلية علمية لعوامل كراهية قومها للدين الحنيف، لأنه لم يحدث – قبل ظهور الاتحاد السوفيتي في القرن الميلادي الماضي – أن واجه الغرب تحدياً مستمراً يوازي التحدي الذي واجهه من الإسلام والمسلمين.
ولا ينسى الغربيون أنه عندما نشأت الدولة الإسلامية قبل خمسة عشر قرناً, كانت أوربا ما تزال منطقة متخلفة. وقد امتدت الفتوحات الإسلامية بسرعة إلى معظم بقاع العالم النصراني في المشرق الأوسط والمغرب، ثم كان الفشل الذريع صفعة مؤلمة للمشروع الصليبي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، لتفاجأ أوربا بعد ذلك بدخول الإسلام إلى قلبها من بوابة أخرى على يد العثمانيين.
لذلك ترى الكاتبة أنه تعذر على الغربيين بسبب مرارة الخوف والهزيمة أن يلتزموا بالعقلانية أو الموضوعية إزاء العقيدة الإسلامية وبذلك رسموا للإسلام صورة مشوهة تعكس بواعث قلقهم الدفينة. وقد ازدادت المشكلة تعقيداً في العصر الحديث حيث بدأ المسلمون – للمرة الأولى في تاريخهم – في إضمار كراهية قوية للغرب, كنتيجة منطقية, لسلوك الأوربيين والأمريكيين في العالم الإسلامي في فترات الاحتلال المخزية.
وتمضي أرمسترونج في تمييزها الحصيف بين الإسلام وبعض ممارسات بعض المنتسبين إليه، وتضرب لذلك بعض الشواهد، منها احتجاز الشيعة في لبنان رهائن غربيين، يشعر الناس في أمريكا والغرب بالنفور من الإسلام نفسه دون ان يدركوا أن هذا السلوك مخالف لنصوص وتشريعات مهمة في القرآن عن أخذ الأسرى المقاتلين وحسن معاملتهم. لكن أجهزة الإعلام والصحافة لا توفر للأسف المعلومات الصحيحة. ومثال صارخ آخر يتمثل في التغطية الإعلامية الغربية غير الموضوعية لفتوى الخميني بقتل سلمان رشدي ، فقد تجاهل الإعلام الغربي الأغلبية التي عارضت الفتوى في العالم الإسلامي، ولا سيما أن كبار العلماء في السعودية وشيوخ الأزهر في القاهرة عارضوا الفتوى قائلين إنها غير شرعية فالشريعة الإسلامية لا تسمح بالحكم بالإعدام على أحد دون محاكمة ولا تمتد سلطتها القضائية إلى خارج العالم الإسلامي. وفي آذار/ مارس 1989م عُقِدَ مؤتمر إسلامي أعلنت فيه اربع وأربعون دولة من بين خمس وأربعين دولة رفضها فتوى الخميني ..
إن روح الإنصاف التي تتجلى بقوة في كتابات أرمسترونج هي التي دفعتها إلى دعوة قومها مرات ومرات إلى الاطلاع على الإسلام في مصادره الأصلية بعيداً عن الأحكام الجاهزة، ومحاورة المسلمين بعقلانية واحترام.