5 ربيع الأول 1434

السؤال

السلام عليكم.. أنا اسمي يوسف وخريج كلية تجارة، مشكلتي في الحياة أنني في الثانوية ما حصلت على المعدل الذي كنت أريده، وما دخلت الجامعة التي أريدها، والمشكلة بعد التخرج من الجامعة بحثت عن عمل فلم أجد حتى حصلت على فرصتين أو ثلاث، لكن المشكلة الأخرى أنني أول يوم أذهب للعمل تنتابني حالة نفسية بحيث أكون متضايقاً وأنتظر نهاية الدوام ثم أترك العمل، وهذا حدث لي أكثر من مرة، ويتعجب أصحاب العمل من ذلك؛ حيث إني أقوم بعملي على أكمل وجه.. ثم بعد ذلك أبحث عن عمل آخر وتتكرر نفس الحالة.. هل أنا فاشل؟؟ هل أنا مريض؟؟ هل أنا ضعيف الشخصية؟؟ هل ليس لدي خبرة بالحياة؟؟ أحياناً أصل لمرحلة اليأس، وثقتي في نفسي ضعيفة!!

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أخي الفاضل: اشكر لك تواصلك مع موقع المسلم ونسال الله ان يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه
أخي الكريم
تتلخص مشكلتك في انك تتمس كثيرا عند بدء العمل وما أن تبدأ فيه حتى تتغير أحوالك وتتبدل رغبتك وتشعر بأنك لا ترغب في إتمامه وتسال عن كون تلك الحالة مرضية أم أنت ضعيف الشخصية أم تتهم نفسك بالفشل.
وأقول لك أخي الكريم بداية أنك ربما لست من الثلاثة أوصاف المذكورة – كما يبدو لي من رسالتك - فلست مريضا لعدم لكون ظهور أعراض مرضية بدنية أو جسمانية عليك، وليست الحالة من ضعف شخصية فلم يكن تغيرك من تقبل العمل بعد تجربة مع غيرك، وأيضا ليس فشلا كذلك لقصر مدة التجربة وخاصة مع قولك أن تلك الحالة تعتريك في اليوم الأول أو الأيام الأولى لتسلمك العمل رغم نشاطك وثناء مديريك عليك.
وأحب أن أوضح لك عدة نقاط لتأخذها في حسبانك:
- عادة ما يقلق الإنسان عند الانتقال من حال إلى حال، والقلق طبيعي جدا ويحدث لكل الناس، والقلق كشعور إنساني يعمل كصمام أمان لحياة الناس، ولا ضرر من وجوده إذا لم يخرج عن النطاق الطبيعي، ولكن المشكلة تظهر إذا لم يستطع الإنسان السيطرة على قلقه والانتفاع به لأداء عمله على الوجه الصحيح لا على الوجه الأكمل وخاصة في بداية تسلمه لعمله، ولعلك بالغت في القلق فلم تستطع السيطرة عليه ولا الانتفاع به بل جعلته معوقا لك على إكمال عملك والاستمرار فيه.
- اعلم أن كل الناس تعاني في عملها لفترة تختلف من كل إنسان لآخر، ولو ترك كل إنسان عمله لمجرد شعوره بعدم الارتياح فيه ما وجدت أحدا في عمل، فلكل عمل نظام ولوائح وإداريات ورؤساء ومديرون، فلو تخلى الإنسان عن عمله فلن يستقر في عمل ولن يتقدم أحد خطوة للأمام.
- لقد تأخرت في بدء سلوك طريق العمل والاعتماد على النفس في الكسب – فلم تحدد في رسالتك سبب تأجيلك للانخراط في عمل حتى سن يقارب الخامسة والعشرين من العمر – فربما كنت ميسور الحال ولم تحتج إلى العمل، وطبيعي في هذا الوضع ألا تألف العمل بسرعة، وطبيعي أيضا أن تشعر بالملل منه والضيق بعد وقت قليل.
- وبناء على هذه الفرضية – انك ميسور الحال – فلم تستمسك بفرصة العمل التي ينتظرها الكثيرون ممن يحتاجها ونتيجة لشعورك بعدم الاحتياج لها كان خيار تركك للعمل سريعا دون أن تشغل بالك بعواقبه وهذا يستلزم منك تغييرا في تفكيرك وأولويات اتخاذك لقراراتك، فليس العمل بابا لكسب المال فقط بل إن العمل في حد ذاته قيمة للإنسان، فكلما كان المرء يحسن عملا ويتفوق فيه ويظهر فيه ملكاته وقدراته كلما علت قيمته، وفي هذا ينسب للإمام علي بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه قوله ": " إن قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ ما يُحسِنُ ".
- يظن كثير من الناس وخاصة في بداية انخراطهم في عمل معين أنهم لن يتأقلموا عليه ولن يحبوه، فإذا بهم بعد فترة يكتشفون ما في عملهم من متعة وراحة بل يعتبر احدهم اليوم الذي لا يذهب فيه لعمله عقوبة له لا راحة من فرط تعلقه بمكان عمله، فأعط لنفسك فرصة لكي تكتشف ما في عملك الجديد من مميزات قد لا تظهر لك في أول أيام.
- وإذا كان العمل غير محبب لك أو غير متناسب مع ما تود العمل فيه فحاول أن تحبه وتعطيه جهدك ووقتك وتركيزك حتى ييسر الله لك عملا آخر تحبه عملا بالنصيحة التي يذكرها في الأمثال من سبقونا " حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب ".
- اعلم أخي أن الحياة فيها من العوارض الكثير، فلا تدوم على حال، وأغلب ظني انك لست متزوجا أو عائلا لأسرة، فيجب أن توطن نفسك على تحمل المسئولية والمثابرة والبذل حتى تيسر لأهلك ولذويك حياة كريمة بإذن الله، وتيقن أن هذا السلوك لو استمر معك – إن لم يزد عن الحد ويصل لحالة مرضية لا قدر الله – فلن تؤثر قراراتك هذه عليك فقط بل سيمتد أثرها على من تعول، واعلم أن الله عز وجل سيسال كلا منا عمن يعول، ويقول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ".
وفي النهاية اسأل الله العظيم أن يشرح لك صدرك وان يبسط لك في رزقك، وان يوفقك لما يحب ويرضى.