الأحزاب الإسلامية ومأزقنا الثقافي
9 ذو القعدة 1433
منذر الأسعد

للعرب القدماء مقولة عميقة الدلالة وصادقة المحتوى، وهي: من أَلّف فقد استُهْدِف!!

وبتعبير عصرنا نقول: من عمل في الشأن العام فإن عليه أن يتقبل النقد الذي يوجهه الآخرون إلى عمله والحكم الذي يُصْدِرونه على أدائه، وإذا كان ضيّق الصدر لا يحتمل همسة تخالف قناعاته فيمكث في بيته أو في نطاق عائلته ومجال مهنته المباشر، أي بتعبير علماء الحديث الشريف: مستور الحال!!

 

يستوي في ذلك من ينخرط في ميادين العلم والثقافة والسياسة و المجتمع. ولعل التذكير بجهد رجال الحديث في علم الجرح والتعديل خير شاهد أصيل على صحة ادعائي، فمن روى من السنة الشريفة ولو رواية واحدة أصبح مجالاً لتمحيص ضبطه وعدالته-باستثناء رأس الهرم صحابة النبي الكرام لأن الله تعالى زكاهم ورسوله الكريم أثنى عليهم بما جعل القول بعدالتهم موقف إجماع للأمة سَلَفاً وخَلَفاً-.

 

ولإمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله مقولة سديدة جاءت بصيغ قريبة عن كبار فقهاء الأمة العاملين، عندما كان يُدَرّس ويفتي في المسجد النبوي وهي: ما مِنّا مِنْ أَحَدٍ - يعني: أهل العلم- إلا من رَدّ ورُدّ عليه غير صاحب هذا القبر صلى الله عليه وآله وسلم.

 

ما نعتب به على كثير من الإسلاميين الناشطين في المجالات العامة، رفضهم الصاخب لنصح الناصحين ونقد المحبين المشفقين، وتوهم بعضهم أن التنبيه إلى خطأ وقع فيه هو تطاول على الإسلام!! وفي أحسن الأحوال يقابلون النصح بالتوغل في ما استأثر الله تعالى بعلمه أي: منطقة النيات والسرائر فيتهمون الناصح لهم بالحسد أو الجهل أو اتباع الهوى أو العمالة لهذا النظام السياسي أو ذاك!!

 

وربما كان هذا الموقف السلبي هو المسؤول الأول عن استمرار الأخطاء وتكرار الممارسات السيئة أو العقيمة في مسيرة الحركات الإسلامية المعاصرة في أكثر الأحوال.

 

لن نتحدث في عجالة كهذه عن تهوين معظم تلك الحركات من شأن التوحيد وعدم اكتراثها بتفشي الشركيات الكبرى والصغرى بذرائع واهية، فالرد المعلب والمكرور والموافق-ويا للمفارقة-لنعيق الغرب الصليبي والصهيوني والشرق الصفوي والشيوعي: أنتم تكفيريون !!!!

 

حسناً!! سنتكلم معهم بمنطق واقعي مباشر لتقويم ناتج منهجهم العجيب، من خلال الحصاد المُرّ لتكوينهم وحراكهم الداخلي والخارجي وما نتج عنه من ثقافة شائعة ملأى بالثقوب والعوار، فهي انتقائية وغير موضوعية إذ تُعْلي أحيناً من شأن أمور مهمة وتحط من قيمة أمور أهم منها مرات ومرات.

 

والشاهد الحي بين أيدينا في معالجة الفيلم المسيء إلى نبينا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، الأمر الذي يطرح تساؤلات عميقة، منها: كيف يثور أناسٌ لأي مساس غربي متقطع بالنبي الكريم ويهون عليهم هجوم بذيء وسافل ومستمر على عرض المصطفى وشتم وضيع لصحبه الفضلاء وطعن حقير في كتاب الله عز وجل؟

 

وكيف نهتز لفيلم وضيع على النت لم يكن يدري به إلا القليل من الناس ثم نصمت صمت أهل القبور أمام كفريات عصابات بشار التي لا تكف عن التدفق وهم الذين يسربونها ازدراء لنا وتأسيساً على ثقافة المكاييل المزدوجة التي نشرتها أحزاب منتشرة في بلاد المسلمين ترفع شعارات إسلامية صريحة؟

 

وكيف يستوعب عاقل استهانة هؤلاء بالتغلغل الصفوي الذي يهدد العالم الإسلامي بعامة والبلدان العربية منه بخاصة؟ وكيف يفهم لبيب دفاع بعضهم حتى الآن عن الفجرة في قم وتابعهم المجرم في لبنان باسم المقاومة المفتراة؟

 

إن قارئ التاريخ المسلم الكيّس الفَطِن يعلم أن الصفويين نجحوا في تعويق الفتوح العثمانية في أوربا منذ خمسة قرون، وأشياعهم الآن تعاونوا مع الغزو الصليبي لكل من العراق وأفغانستان.

 

ولا حل اليوم لما نحن فيه من مآزق سوى ضرب التحالف في ركنه المجوسي المنافق قبل ركنه الصهيوني الصليبي على طريقة العبقري صلاح الدين الذي ألهمه الله فقه أولويات سديداً فلو لم يبدأ بكنس ركام العبيديين الكفرة الفجرة المتحالفين مع الغزاة الصليبيين لما تمكن من طرد الفرنجة من بيت المقدس..

ألا هل بلّغتُ!! اللهم فاشهد.