رسالة صهيونية إلى مصر وإيران عبر السودان
25 ذو الحجه 1433
علا محمود سامي

للمرة الرابعة ، وخلال العقدين الأخيرين تعود الدولة العبرية لتعبث بأرض السودان، وإذا كانت المرات الثلاث السابقة قد استهدفت السودان في حد ذاته، فإنها في المرة التي وقعت أواخر شهر أكتوبر الماضي كانت تضيف اليها دولا أخرى هى مصر وايران، لتوجه اليهما رسائلها ، عبر الهجوم الصاروخي على مجمع اليرموك للذخيرة الحية في الخرطوم، لتضيف اسرائيل بذلك سجلا جديد من سجلات جرائمها الارهابية في حق العدوان على الشعوب والدول.

 

العددوان حمل العديد من الدلائل الكبيرة لدولة السودان من ناحية، ولكل من مصر وايران من ناحية أخرى، علاوة على الرسالة التي كان الكيان الصهيوني يسعى الى تجسيدها للرأي العام العالمي.

 

الرسالة الأولى والموجهة الى السودان ذاته، وفق ما عبر عنه قادة الكيان أنفسهم بأن السودان دولة ارهابية، وذلك لما كان يعتقده الكيان بدعم السودان للمقاومة الاسلامية في فلسطين ودور ايران في هذا انشاء هذا المجمع، ليكون داعما للمقاومة المسلحة في فلسطين المحتلة ضد الكيان.

 

علاوة على هذا ، فإن الغارة جاءت لتعزز حالة الحنق الغربي والصهيوني ضد الخطوات السودانية الساعية الى تطبيق الشريعة الاسلامية، وحالة العداء بينها وبين الولايات المتحدة، ورفض الخرطم الاذعان للهيمنة الأمريكية، وخاصة بعد رفض السدوان تقديم رئيسه عمر البشير  وآخرين للمحاكمة الدولية، بدعوى ارتكابهم لجرائم حرب في اقليم دارفور، بعد ادانتهم في ذلك محكمة العدل الدولية، مقابل غضها الطرف عما تمارسه دولة الاحتلال في فلسطين من جرائم وممارسات ارهابية بحق الشعب الأعزل هناك.

 

لذلك كانت الرسالة الأكثر توجيها هى للسودان ذاته، وخاصة بعد النجاح الذي حققته القوات السودانية أخيرا في طردها لمتمردي دولة جنوب السودان من أراضيها، الأمر الذي يوصف بأن تدمير المجمع كان برغبة من دولة الجنوب، إذ يعرف عمق العلاقات القوية بين دولة الاحتلال والعاصمة جوبا، وقوة العلاقات الصهيونية بينهما، على حساب أي تقارب لهذه الدولة مع الدول العربية، الأمر الذي جعلها في منأي عن الانضمام لجامعة الدول العربية.

 

الرسالة الثانية التي حرصت المقاتلات الصهيونية على توجيهها من خلال عدوانها على مجمع اليرموك، هى الموجهة الى ايران بأنها لن تكون عصية على الطائرت الاسرائيلية، وأنها إن كانت قد نجحت في الوصول الى مجمع اليرموك، دون أن ترصدها الأجهزة الملاحية في كل من مصر والسودان، فإنها قادرة على الوصول الى طهران ذاتها.

 

وربما كانت الرسالة الأكثر وضوحا من اسرائيل الى ايران، توجيهها للعدوان على هذا المصنع على خلفية ما تدعيه دولة الاحتلال بأن طهران تستخدمه لتوريد معدات وأسلحة إلى المقاومة المسلحة في الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي يعكس الرسالة المباشرة التي قصدتها المقاتلات الصهيونية وهى تدك مجمع اليرموك بالخرطوم.

 

غير أن الرسالة الأخطر، هى تلك الموجهة الى مصر الثورة، وخاصة بعد تحقيقها للاستحقاق الرئاسي، وتصريحات قادة الكيان قبل أيام بأن الرئيس الدكتور محمد مرسي يرفض الحوار أو اللقاء مع هؤلاء القادة، ومفاد هذه الرسالة بأن الطائرات القادرة على الوصول الى قلب احدى العواصم العربية المجاورة لمصر، فإن غيرها من العواصم والمدن العربية لن تكون عصية عليها، ولا أقل في ذلك من المنطقة الحدودية في شبه جزيرة سيناء، في ظل المطامع التي ترددها اسرائيل من وقت لآخر بحق سيناء، والزعم بأنها تمثل لها عمقا استراتيجيا لحدودها المزعومة.

 

والملاحظ أن الغطرسة الاسرائيلية تجاه أكبر دولة عربية صارت خلال الفترة الأخيرة واضحة للعيان، في ظل حالة الحرج التي يسببها الكيان للرئيس مرسي من وقت لآخر، وخاصة بعد تسريبهم للخطاب البرتوكولي من مرسي الى الرئيس الصهيوني شيمون بيريز، والذي حمل عبارات الصداقة المشتركة، وفق ما هو معتاد في خطابات الرؤساء التي يحملها اليهم السفراء الجدد، وكان بوح اسرائيل بخطاب مرسي الى بيريز – على الرغم من دبلوماسية عدم ابراز مثل هذه الخطابات- يعمق الرغبة الاسرائيلية باحراج مرسي في أوساط المصريين، وهو ما حدث بالفعل عندما تعرض الى حملة انتقادات عنيفة جراء توجيهه لمثل هذا الخطاب الى بيريز.

 

وعلى الرغم من القصف الصهيوني الى السودان لم يكن الأول من نوعه، الا أن اكتسب أهمية بالغة ودلالات كبيرة في هذا التوقيت، وفق ما كان باحثا عن مقاصده المخلتفة، على نحو ما سبقت الاشارة، خاصة وأنه هذه المرة جاء بصورة مباشرة من المقاتلات الصهيونية، بعدما كانت تستتر في السابق وراء طائرات أمريكية، على نحو قصف مصنع الشفاء فى الخرطوم عام 1998، بالاضافة الى استهداف عدد من القوافل بدعوى أنها تحمل أسلحة كانت فى طريقها إلى غزة عبر دروب سيناء، وإحدى هذه الغارات راح ضحيتها حوالى مائة مواطن سودانى، ما جعل السودان أشبه بالدولة المستباحة للأمريكيين والصهاينة، ومن خلالها يتم توجيه رسائل الى غيرها من الدول العربية والاسلامية.

 

الأخطر في العدوان الصهيوني أنه لم يستتبع سوى ببيانات شجب واستنكار وادانة من الدول العربية، وعلى رأسها مؤسسة جامعة الدول العربية، والتي تعد السودان دولة عضو بها، اذ أن الجامعة لم تدعو الى اجتماع عاجل على أي مستوى للمسؤولين لبحث تدراعيات هذا العدوان، وتجنب تكراره، واكتفت باصدار بيان هزيل أعربت فيه عن استنكارها لما حدث.

 

هذا العدوان، دفع عدد من النشطاء المصريين الى زيارة المصنع بعد قصفه، للوقوف على طبيعة عمله، والرد على مزاعم اسرائيل بشأنه، وبعد زيارتهم للخرطوم عقدوا مؤتمرا صحفيا بالقاهرة    نظمه اتحاد الأطباء العرب أواخر شهر أكتوبر الماضي، طالبوا خلاله بضرورة ملاحقة القادة العسكريين والسياسيين "الإسرائيليين" أمام المحاكم الدولية، بتهمة انتهاك السيادة الوطنية للسودان، وتوثيق الجرائم الإسرائيلية وتقديمها إلى المحاكم الدولية، كأدلة إثبات على ارتكابهم تلك الجرائم، داعين الدول العربية إلى ضرورة تقديم الدعم إلى دولة السودان لإعادة بناء وتشغيل المجمع الصناعي.

 

وثبت لدى الوفد المصري أن مجمع اليرموك الصناعي يقوم على تصنيع الأسلحة العسكرية التقليدية، وأنه لا يقوم بتصنيع أية أسلحة مدمرة أو محظورة، لاسيما أن محيط المجمع محاط بالعديد من المنازل السكانية، ما يصعب معه إنتاج أية أسلحة محرمة، وأن الغارة الإسرائيلية التي استهدفته أحدثت تدميرا في بنائه ومنشآته، ما يجعلها عملية تتصف بالفاشية والبلطجة والعربدة "الإسرائيلية".

 

وجاءت زيارة الوفد تعبيرا عن تضامن القوى السياسية المصرية مع السودان في مواجهة العدوان على منشآته العسكرية، لاسيما أن السودان يمثل العمق الاستراتيجي لمصر، والتقي خلال زيارته العديد من الشخصيات السياسية في السودان الذين أعربوا عن تناسي خلافاتهم السياسية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، الذي أصبح يكشف عن وجهه القبيح، غير مكتفيا بما فعله في لبنان، ويفعله في فلسطين، وأصبح يبحث له عن موطن جديد في عالمنا العربي والاسلامي ليعربد  فيه بذات الصورة التي يتبعها منذ زرعه في منطقة الشرق الأوسط.