كوارث الابتعاث
20 محرم 1434
منذر الأسعد

الكتاب: الابتعاث/ تاريخه وآثاره
تأليف: د. عبد العزيز بن أحمد البداح
الطبعة الثانية/ مزيدة ومنقحة وفيها إضافات مهمة
1432هـ /2011م
154 صفحة

*******

 

يتناول الكتاب قضية شديدة الأهمية لما لها من نتائج وخيمة على الأمة في دينها وفي دنياها معاً، وبخاصة في بلدان الخليج العربية التي توسعتْ في ابتعاث أبنائها للدراسة في دول الغرب على امتداد عقود من الزمان.

 

يستهل المؤلف رسالته القيّمة بتمهيد أوجز فيه الحديث إيجازاً شافياً عن مكانة العلم في الإسلام، وتقسيم العلوم إلى علم الشريعة وعلوم أخرى نافعة، فأما علوم الشرع فلا تؤخذ إلا من أهلها: أهل الأمانة والديانة، في حين يجوز تلقي العلوم الأخرى النافعة عن المسلمين وعن غيرهم إذا اقتضت الحاجة. وقد بادر المسلمون في عصورهم الذهبية إلى الإفادة من علوم الأمم الأخرى في شؤون الطب والرياضيات والهندسة وسواها من العلوم النافعة التي ليست من علوم الدين، حتى أصبحوا رواداً فيها وأساتذة للأمم الأخرى في ميادينها.

 

أما بداية الخلل فظهرت في الفترة المتأخرة من عمر الخلافة العثمانية على أيدي نفر منتسبين إلى الإسلام لكنهم مقطوعو الصلة بدينهم وبهوية أمتهم وثقافتها، فتولوا كِبْرَ الدعوة إلى التغريب والتبعية، بل إن الغلاة منهم مرقوا من الإسلام مروق السهم من الرمية فافتروا على الإسلام أنه يعوق العلوم التقنية ويحارب التطور.... والمؤسف أن هؤلاء تسلطوا على معظم ديار الإسلام بعد رحيل المستعمر الصليبي عنها الذي أوكل إليهم متابعة مهمته القذرة التي فشل فيها وهي سلخ الأمة عن دينها. وتاه المسلمون قرناً كاملاً تحت قبضة هؤلاء الفولاذية فلم يبقوا على دينهم ولم يحصلوا من مدنية الغرب غير قشورها ومفاسدها ومباذلها.

 

والأشد نكاية أن ابتعاث الطلبة إلى الغرب في ظل سيطرة هذه النخبة الخربة جرى بصورة عشوائية –لئلا نقول: إنها متعمدة بهدف الإفساد-حتى أصبح بعضهم يذهب إلى بلاد الكفر ليتلقى علوم اللغة العربية وآدابها بل علوم الدين من أصول وفقه وتفسير!!!

 

يؤرخ البداح بدايات الابتعاث من البلاد المسلمة إلى الغرب، فيشير إلى المرحلة المبكرة في مصر في عهد محمد علي (عام 1813م) وبعد 100 عام تبعت البلاد الإسلامية الأخرى مصر في طريق الابتعاث.

 

بعد ذلك يبحث المؤلف في آثار الابتعاث على دين المرء، محترزاً ممن قد يحاججه بأن بعض الطلبة حافظوا على دينهم واستقامتهم في بلاد الغرب، فالعبرة بالكثرة الغالبة وليس بالاستثناء والنادر. ولذلك يعيد البداح هؤلاء إلى أصل المسألة وهو: حُكْم الإقامة في بلاد الكفر من غير ضرورة مع عدم أمن الفتنة، وهي حالة سائدة كما تتجلى في الآثار العقدية(إضعاف الولاء والبراء-التنصر-التشبع بالمفاهيم المنحرفة..) والأخلاقية (بسبب انتشار الموبقات والخلاعة هناك بلا ضابط وفي غياب البيئة الإسلامية الحاضنة) والسياسية (ظهور الحركات الثورية الهدامة والأسوأ ان بعض هؤلاء عادوا إلى مجتمعاتهم دعاة إلى الاختلاط والسفور والإباحية بدرجاتها) والاجتماعية (تفكيك بنية المجتمع من خلال زرع القيم السيئة والمفاهيم الباطلة وبخاصة عند المتزوجين من غربيات) والأمنية (توهين الانتماء للوطن والتعرض إلى الاعتداءات العنصرية في الغرب وتحول ضعاف النفوس إلى عملاء لأجهزة استخبارات معادية..).

 

وفي الفصل الثالث يسرد الباحث مختارات من أقوال أهل العلم في التحذير من الابتعاث لغير ضرورة وبدون مراعاة الضوابط الشرعية: الشيخ عبد العزيز بن باز المفتي العام السابق للمملكة -والشيخ عبد الرحمن بن سعدي والشيخ المُحَدّث أحمد شاكر-من علماء مصر الجهابذة-والشيخ محمد الخضر حسين العَلَم التونسي البارز في زمانه والذي تولى مشيخة الأزهر-والشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية الأسبق-والشيخ العراقي المعروف محمود الصواف –الشيخ أبو الحسن الندوي وهو أبرز علماء الإسلام في الهند في العصر الحديث-الشيخ علي الطنطاوي.........

 

وعقد المؤلف رابع فصول الكتاب لعرض ضوابط الابتعاث عند الحاجة إليه وهي مقتبسة من قرار اتخذته هيئة كبار العلماء بالمملكة، وأهمها: منع ابتعاث الفتيات منعاً باتاً-عدم إرسال الشباب إلا بعد المرحلة الجامعية وعلى أن يكونوا متزوجين-عدم ابتعاث الطلبة في التخصصات النظرية-...ولأهمية هذا القرار جعله البداح بنصه ملحقاً في نهايةً.

 

ثم يعرض الكاتب خلاصة بعض نفثات الأقلام التغريبية التي تريد الابتعاث لتغيير المجتمع بحسب ما يشتهونه من تحلل وخراب.لكن العتب على المؤلف أنه حجب أسماء أصحاب تلك الآراء مع أنه وثّق تلك الأقوال ببيان المصدر الناشر لها تفصيلاً، فهم لم يخفوا انفسهم ولم يستحيوا مما قالوه من هراء وبهتان، فعلام يمنحهم المؤلف ستراً لا يستحقونه ولا يريدونه؟!