أستأذن القارئ الكريم –للمرة الأولى وأحرص على أن تكون المرة الأخيرة-في الحديث عن شأن عام بمشاعر شخصية، في خروج اضطراري على مسيرتي المهنية والقيمية.
للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح موقع متميز في قلبي، بالرغم من أنني لم أشرف بالتعرف عليه شخصياً، فقد التقيتُ –قبل أكثر من 20 سنة-الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عشية منحه جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام وفي حضور الدكتور عبد الحليم عويس مد الله في عمره، وذلك في فندق الخزامى: من هو الطالب الجامعي الذي وقف في وجه أنور السادات في مطلع السبعينيات من القرن الميلادي العشرين، وسأله على الهواء-وأنا أتابعه إذاعياً-: ما دام سيادتك تدعي عدم وجود معتقلي رأي في مصر، فهل يمكن أن تقول لنا: أين فضيلة الشيخ محمد الغزالي الآن؟ غضب السادات وأرغى وأزبد وشتم السائل وقال له: أنت قليل الأدب، "أنت بتقل أدبك مع كبير العيلة"!! غضب فرعون لأن الطالب الجريء كشف كذبه على الملأ، فالشيخ كان في سجن الطاغية حينئذ.
قال الشيخ: إنه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح!! ونشرتُ حواري مع الشيخ بجريدة (المسلمون) باستثناء سؤالي المشار إليه، وسؤال آخر عن شهادة الشيخ في الرئيس الجزائري الذي كان عسكر الفرانكوفونية قد عزلوه: الشاذلي بن جديد رحمه الله. فقد رغب الشيخ عدم نشر إجابته عن هذين السؤالين.
ثم ازداد تقديري لأبو الفتوح من خلال نشاطه الراقي في اتحاد الأطباء العرب، سواء أكان ذلك في مصر يوم هزها الزلزال وتقاعس نظام المخلوع مبارك عن إغاثة المتضررين، أم في غزة التي شارك المخلوع سادته الصليبيين والصهاينة في محاصرتها.
ولتلك العوامل وغيرها، انتقدتُ جماعة الإخوان في مصر لأنها لم تساند ترشح أبو الفتوح لرئاسة الجمهورية وبخاصة أنها سبق أن وعدت المصريين بعدم ترشيح أحد منها للمنصب الأول في البلاد.
من هنا، لا أظن أن أحداً –سواء أكان ابو الفتوح أو أي من مناصريه-يستطيع اتهامي بالقسوة على الرجل في نقدي لأدائه مؤخراً أو بأنني صاحب هوى فهواي –إن لم يكن مفر من وجوده- هو معه وليس ضده!
لقد صدمني الرجل في ظهوره مع مذيعة قناة العبرية رندة أبو العزم، في مقابلة خاصة يوم الاثنين 26/1/1434 الموافق 10/12/2012 م ، ليس لأنه يدعو المصريين إلى التصويت بـ"لا" في الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد يوم السبت المقبل (15/12/2012 م)، ولا لأنه ادعى أن الدستور الجديد غير مقبول لأنه لم يتم التوافق عليه.... فذاك وغيره رأي سياسي واجتهاد حتى لو كان اجتهاداً خاطئاً. ولم آخذ عليه الظهور على قناة تخوض حرباً شرسة ضد كل ما يتصل بالإسلام جملة وتفصيلاً، إلى حد ولوغها في خيانة أبجديات المهنة الإعلامية بصورة شبه يومية وعن سابق عمد وتصميم، فقد يكون له عذر أو أكثر....
وقد تغاضيتُ-على مضض- عن تشكيكه في نيات من يَدْعُون إلى عودة الإسلام إلى الحياة العامة في مصر، وأنهم يدغدغون مشاعر الناس ويحصلون بذلك على أصوات محرمة!!
تغاضيت مع أن كلامه المذهل جعلني أتصور أنني أصغي إلى سيئ الصيت صفوت الشريف،
أو المتغرب الآخر البرادعي، أو السفيه الماركسي المحنط المنحط رفعت السعيد.
وقلت في نفسي: كيف تزعم ذلك يا رجل مع أنك أفنيت أكثر سنوات عمرك حتى الآن في تلك الجماعة التي تتهمها اليوم بالاتجار في الدين؟هلا شققتَ عن قلوبهم؟ يمكنك انتقاد فكرهم وتصرفاتهم لكن السرائر يا دكتور مما استأثر الحق عز وجل بعلمه.
لكن المفاجأة المذهلة كانت في ادعاء الدكتور أنه لا يوجد في مصر تيار يعادي الإسلام لتطرفه في العلمنة.!! هنا اكتملت الصاعقة!! فالرجل الذي يشكك في نيات الدعاة إلى الله-هكذا نحسبهم بسبب ظاهرهم والله حسيبهم ولا أزكي على الله أحداً-هذا الرجل يلتمس في الوقت ذاته الأعذار البشعة ضمناً للزنادقة الذين لا يكتمون كفرهم بقطعيات الإسلام. أين هو من نصر حامد أبو زيد وسيد القمني وجابر عصفور و....و....؟ أولم يكن حول المخلوع حزب غير معلن من عتاة الكفرة الفجرة، الذين نشروا حقارات النصيري الوضيع حيدر حيدر بأموال دافع الضرائب المصري، ليبيعوا السخرية بالله تعالى وبالقرآن الكريم وبالنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في سلاسل رمزية الثمن لنشر "الثقافة"؟
ألا يرى الدكتور في لقاء عبيد الشيوعية والناصرية البائدتين والليبرالية المفلسة وفلول مبارك-باعترافه شخصياً باندساسهم في وسط الذين أطلق عليهم صفات الثوار ظلماً وبهتاناً- ألا يرى في كل ذلك مؤامرة أكبر من استهداف جماعة أو حزب؟
ختاماً: يا أيها الدكتور لا تغضب من نقدي فأنا محب لك وناصح. وحتى لا يسارع الشيطان إلى النزغ بيني وبينك، أؤكد لك أنني لم أكن في يوم من الأيام إخوانياً فلا تتوهم أنني منهم وأنني أنتقد موقفك دفاعاً عنهم فأنا أدافع عن ديني ليس غير، أما الجماعات مهما بلغ من عطائها فهي تأتي وتذهب لكن الإسلام باقٍ بحفظ الله لأصوله وديننا هو أغلى ما نملك-الدكتور وأنا وكل مسلم- ولو كان لي من سبيل إلى التواصل المباشر مع الدكتور لاكتفيتُ بإبلاغه رأيي المحب ولم أكن لأكتب هذه السطور!!