الإعلام المصري و"شيطنة" الإسلاميين
21 صفر 1434
علا محمود سامي

الناظر إلى الإعلام المصري، بشقيه الرسمي والخاص، يجده قد انتفض ضد التيار الإسلامي بمختلف فصائله، فهذا الإعلام ينفث سمومه ضد كل من وما يخالفه الرأي، أو من يريد دعم بناء مقومات الدولة، أو المساعدة على إقامة مؤسساتها.

 

ومن أسف، أن يشترك الإعلام الرسمي في الدور السلبي الذي يمارسه الإعلام الخاص، على الرغم من أن وزير الإعلام هو صلاح عبد المقصود، القيادي المعروف في جماعة الإخوان المسلمين، إذ تبنى هذا الإعلام مواقف مناهضة تشكك في شرعية الرئيس الدكتور محمد مرسي، الذي انتخبه أكثر من 13 مليون مصري، ولعل برامج التلفزيون المصري في الفترة الماضية خير دليل على انحياز هذا الإعلام للثورة المضادة، ووقوفه بوضوح ضد الرئيس الشرعي، وذلك بالإضافة إلى استمراره في دوره السابق بالعمل على نشر للفساد وإلى تقويض الأسرة المصرية والعربية.

 

ولعل مثل هذه الممارسات في الإعلام الوطني، وهو يقوده أحد القيادات الصحافية لجماعة الإخوان، يعكس حالة من فلتان الزمام داخل المؤسسات المصرية، ويكشف عن مدى اختراق قوى الثورة المضادة لها من ناحية، ووجود أطراف تسعى إلى إجهاض أي جهد إسلامي في إقامة بنيان الدولة المصرية من ناحية أخرى، وهو ما تفسره مشاهد البرامج المسائية في اتباع نفس نهج الإعلام الخاص في إثارة كافة الاتهامات ضد أبناء التيار الإسلامي في معركة جعلها هذا الإعلام خارج إطار الخصومة السياسية في الحدود المتعارف عليها.

 

حملات تشويش

وربما هذا يجرنا إلى تلك الشيطنة التي صار عليها هذا الإعلام الخاص، عندما جعل عدوه بالأساس هم الإسلاميين في مختلف برامجهم، ولم يكتف بمثل هذه الحملات المشوشة مساء فقط، بل زاد المشاهدين تشويشا آخر على الإسلاميين، عندما أفسح برامجه صباحا للنيل منهم، وإجهاض أي محاولة يمكن أن تعمل على تحقيق النهضة أو بناء أي من مؤسسات الدولة المصرية.

 

وعلى الرغم من أن هذا الإعلام تبنى أدواراً سيئة لشيطنة التيار الإسلامي وتشويهه منذ الاستفتاء على التعديلات الدستورية خلال شهر مارس من العام الماضي، فإنه اتجه إلى منحى آخر من خلال تهييج الشارع المصري ضد الشرعية القائمة على مدى شهر كامل منذ إصدار الرئيس مرسي للإعلان الدستور قبل نهاية شهر نوفمبر الماضي، وقبل أن يستبدل به آخر بنحو أسبوعين.

 

هذا الإعلام عمل بانتقائية مخزية في هذه الأزمة، فلم ينظم حملة برامجية مثلا ضد حرق مقار جماعة الإخوان وحزبها السياسي الحرية والعدالة، ولم يتورع عن ترويجه لاتهامات زائفة ضد أنصار الشيخ حازم صلاح أبواسماعيل بمسؤولياتهم عن حرق حزب الوفد، لكنه لم يقف ضد من حاولوا الاعتداء على القيادي بالجماعة صبحي صالح ولو بكلمة واحدة، فضلا عن محاولات التلفيق والتشوية لأبناء التيار السلفي.

 

هذا الإعلام الذي جعل من تشويه الإسلاميين قضيته الأولى وربما الوحيدة، لم يتبنَ مثلا حملة ضد الأمية والفقر اللذين يعاني منهما قرابة 40%من المصريين، ولم يطرح مشاريع تنموية لبناء مؤسسات الدولة، أو حتى حض المصريين على الدفع بعجلة الإنتاج...

 

الكيل بمكيالين

الشيء نفسه فعله هذا الإعلام عندما نظم حملة مشوهة ضد أنصار الشيخ أبو اسماعيل، عندما وجه انتقادات حادة لهم على اعتصامهم في محيط مدينة الإنتاج الإعلامي، التي تبث منها المحطات الفضائية، وقام هذا الإعلام بالكيل بمكيالين، عندما انتقد هذا الاعتصام، مقابل غضه الطرف عن محاصرة القصر الرئاسي في ضاحية مصر الجديدة، واستمرار الاعتصام في ميدان التحرير، وإغلاق مداخله، ومنع موظفي مجمع التحرير من مزاولة أعمالهم في ذات المجمع الذي يشكل "دولاب" الوظائف المصرية.

 

لم ينتقد هذا الإعلام كل حالات التهييج في الشارع المصري، وجعله منتفضا دائما ضد الشرعية ومصالح المصريين، بل جعل هدفه بالأساس إفشال أي محاولة يمكن أن يقوم من خلالها الإسلاميون من أجل مواجهة الفساد والفاسدين أو إقامة حكم رشيد، بل أخذ هذا الإعلام الخاص يزكي كل ما يمكن أن يعمل على الإثارة، وتجاوز الحد إلى الاستهزاء بالدعاة، بل والسخرية من الدين الإسلامي، في مشهد كان يندر فيه أن يقوم مثل هذا الإعلام بتوجيه أي نقد لمسؤول بنظام الرئيس المخلوع على النحو الذي يقوم فيه حاليا بتوجيه نقده اللاذع لرئيس الجمهورية، فضلاً عما يمكن وصفه بالقذف والسباب.

 

كما لم يتعرض هذا الإعلام للحكم القضائي مثلا بوقف برنامج"مصر الجديدة" الذي يقدمه الداعية خالد عبد الله على فضائية"الناس"، مقابل حالة التهييج التي مارسها ذات الإعلام عند وقف بث فضائيتي" دريم"، على الرغم من أن صاحب الدعوى القضائية ضد"الناس" هو من الهاربين خارج مصر والمحكوم عليه قضائيا في جرائم تخريب الوطن المصري، فيما كان إغلاق "دريم" استجابة لتنفيذ القانون، بعدما كانت تبث إرسالها من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي، لتصبح الفضائية الوحيدة من نوعها، فقد استثناها النظام المخلوع من تسديد رسوم البث من داخل المدينة، وفق ما كان يعرف بالرشى السياسية التي كان يتعامل بها مع ممثلي الفضائيات ورجال الأعمال المالكين لها.

 

هذا الإعلام اتبع أساليب عدة لتحقيق مآربه عن طريق افتقاره لمهنية الطرح والتناول، والسعي إلى إضعاف الرأي الآخر، مقابل الطرف الذي يتحيز له دائما هذا الإعلام، وهو ما يبدو جيدا في اختيار الضيوف وعدم السماح للطرف الآخر من الإسلاميين بفرص متساوية من الحوار، أو استضافتهم عبر الهاتف، إلى غيرها من الأساليب الحرفية التي يتبعها المذيعون لتمرير وجهات نظرهم التي يمثلهم فيها الطرف الأساس.

 

هي محاولات يسعى القائمون على هذا النمط من الإعلام الخاص إلى ترسيخها في المجال الإعلامي عموما، ليظهر كما لو كان هو النموذج الأبرز، وساعده في ذلك تلك الإمكانات المالية المتوفرة لديه، والتي يعد المال السياسي أبرزها، الأمر الذي يستدعي من الجهات المعنية تتبع مصادر هذا التمويل، وهو الأمر الذي قد لا يتحقق من دون بناء مؤسسات الدولة المصرية، وإقامة مفوضية قومية لمكافحة الفساد، على نحو ما يذهب إليه الدستور الجديد، ويكون مع إنفاذ هذه المفوضية العمل على تنظيم البث الفضائي، وفق هيئة عليا للإعلام، تكون مهمتها تنظيم عملية البث، وتصويب المخالفين لميثاق الشرف الإعلامي، ويكون الفيصل فيه هو الأداء المهني وموضوعيته، فضلا عن حرفيته.