دموع حمدين ودموع العريفى
25 صفر 1434
سمير العركى

حمدين صباحى الذى من المفترض أنه "واحد مننا"، والذى يصر على أن يعامل معاملة رئيس الجمهورية، بدا متأثراً للغاية فى "قداس" عيد الميلاد بكنيسة قصر الدوبارة، حتى أنه لم يستطع التحكم فى دموعه التى سالت على وجنتيه ظنًا منه أنه بذلك ينال شيئاً من جزاء العينين اللتين لا تمسهما النار، ولم يكن حمدين وحده الذى بدا خاشعاً متأثراً فى القداس، بل بدت بقية "الشلة" فى حالة تأثر أشبه بحالة الصوفى عندما يغلبه "وجده"، وتستطيع أن تتبين ذلك واضحًا من ملامح أبو الغار والأسوانى وزياد العليمى وحمدى قنديل وغيرهم من رموز النخبة الذين تصادف أن أكثرهم من أهل "اليسار" - جعلنى الله وإياكم من أهل "اليمين" فى الدنيا والآخرة - والذين يبدو أنهم أرادوها استراحة لقلوبهم التى علاها الصدأ وقست من كثرة الاشتغال بهموم الوطن وآلامه على حساب القلب وصلاحه، فوجدوا بغيتهم فى "قداس" كنيسة الدوبارة ليسفحوا أمام "المذبح" دموع الخوف والإنابة.

 

 
ورغم علمى أنه من حق كل واحد أن يسفح دمعه فى حضرة من يخشاه ويجله، إلا أن المفارقة التى استوقفتنى فى المشهد أن حمدين الذى سالت دموعه فى كنيسة الدوبارة لم يتورع عن إرسال صبيان التيار الشعبى الذى يتزعمه لحصار "مسجد" القائد إبراهيم ومحاولة الاعتداء على الشيخ الجليل أحمد المحلاوى واحتجازه لساعات طويلة، واختفت حينها دموعه، ولم نر ولو قطرة واحدة ألمًا وحزناً على محاصرة السفهاء لبيت من بيوت الله وإهانة الشيخ الكبير.

 

 
كما اختفت دموعه وهو يروج لتفزيع المستثمرين الأجانب من الاستثمار فى مصر وترويجه أمامهم أن الثورة قادمة وأنها ستكون ثورة دموية عنيفة يقودها الجياع، ولولا الكسوف لقال لهم حمدين: أرجوكم لا تأتوا بأى استثمارات فى هذا البلد ولا تضعوا فيه "قرشاً" واحداً لحين إزاحة مرسى والإخوان عن الحكم.
 

 

كذلك اختفت دموعه حين انطلقت عصابات البلطجية تحرق وتدمر مقار الإخوان وحزب الحرية والعدالة بتنسيق تام مع تياره الشعبى والاشتراكيين الثوريين وأحزاب أخرى بالاستعانة بفلول الحزب المنحل والتى روعت الآمنين ونشرت الرعب بين المسالمين وتسببت فى إزهاق الأرواح وإسالة الدم الحرام كما حدث فى البحيرة وبلغ ذروته أمام قصر الاتحادية.

 

 
دموع حمدين تحجرت فى "المآقى" وهو يضع يده فى يد فلول النظام السابق ويسمح لهم باحتلال ميدان التحرير الذين سالت فيه دماء شباب مصر طلبًا للحرية والكرامة ووثقوا حينها فى نخب بلادهم السياسية وظنوا أنهم سيجعلون من دمائهم طوفاناً هادرًا لاقتلاع الفساد والقضاء على مراكز الطغيان، ولكنى أحمد الله أنهم ماتوا ولم يروا واحدًا من رموز "النضال" يضع يده فى يد الفاسدين المفسدين نكاية فى شركاء الثورة وطمعاً فى منصب لا يستحقه.

 

 
وفى مقابل دموع حمدين كانت دموع الشيخ السعودى الجنسية، المصرى الهوى والحب الشيخ محمد العريفى الذى صال وجال فى خطبته الأكثر شهرة عن مصر وفضلها، وانتزع بها دموع السامعين أينما وجدوا حبًا فى مصر وشعبها وفخرًا بها وبتاريخها، واستشرافاً لدور عظيم يعقده العرب والمسلمون على مصر حال صحوتها من غفوتها ورجوعها كما كانت أم الدنيا وتاجها.
 

 

لم يكن العريفى حاملاً لبطاقة رقم قومى أو جواز سفر مصرى، ولكنه كان يحمل عقيدة ملكت عليه كيانه واشتملت على أركانه وعلمته "إنما المؤمنون أخوة"، وأفهمته "المسلم أخو المسلم"، وربته على أن "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص"، لم تجمعه بنا عصبية عربية إذ العرب على مرمى حجر من بلاد الحرمين يتآمرون علينا ويصدرون إلينا الموت والخراب، ولكن جمعه رابطة الإيمان وآصرة التوحيد، كان الرجل مشدوداً لمصر وأهلها انطلاقاً من التاريخ الواحد والهم المشترك.
 

 

أبكى العريفى أهل مصر والحرمين وكل من استمع له، فالكلمات صادقة لم يتقاضَ عنها دولاراً ولا ريالاً، بل جاءت تعضيداً للمصريين فى أزمتهم المؤقتة، واستعظاماً أن تقف مصر موقف المحتاج بينما أموال العرب (الذين كانوا يعيشون على زكاة المصريين لوقت قريب) مكدسة فى بنوك الغرب.

 
وبعد العريفى، انطلقت مظاهرة حب ووفاء رأينا فيها عائض القرنى وسلمان العودة والصويان وغيرهم حباً ووداً وتقديراً لمصر وشعبها خلافاً لمن يسفح الدمع علناً أمام الشاشات ويده ممدودة سراً إلينا بالخراب!
 
ما أهون الدمع الجسور إذا جرى                   من عين كاذبة فأنكر وادعى
 
[email protected]

 

المصدر/ المصريون