
قبل سبع سنوات وفي نهاية يناير من عام 2006م كان الشرق الأوسط على موعد مع ما أسماه البعض زلزال فلسطين؛ عندما تمكنت حركة المقاومة الإسلامية حماس من الفوز بأغلبية ساحقة وغير متوقعة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، مما دعاها إلى تشكيل الحكومة الفلسطينية العاشرة برئاسة الأستاذ إسماعيل هنية .
هذه الحكومة والتي رفعت شعاراً مغايراً لاتفاق أوسلو وللمزاج الأمريكي والأوربي الذي كان يريد من حماس أن تكون جزءاً من المكون السياسي المستسلم للرغبات الإسرائيلية وجهود عملية السلام الذي يحفظ أمن إسرائيل، مما حدى بالقوى الخارجية إلى محاربة الحكومة وقطع الدعم المالي والسياسي عنها، حتى وصل الأمر إلى العديد من الدول العربية التي أعلنت حرباً عليها بسبب موقفها .
لم تكن حكومة حماس تواجه في ذلك الوقت الضغوط الخارجية فقط، بل أُعلِن ضدها حرب الفوضى والعنف من قبل العناصر التي خسرت الانتخابات والتي لا تؤمن بالشراكة أو الديمقراطية، إنما الهم الوحيد لها هي المصالحة الفئوية التي سيخسرونها بسبب إزاحتهم عن السلطة او إزاحة من كان يقدم لهم العون والتسهيلات لأعمالهم الربحية الخاصة على حساب المال العام، ويجيرون نصيب الشعب الفلسطيني من المال إلى مالهم الخاص، فانتشرت الفوضى والعنف في الطرقات وحرق المقرات الحكومية واقتحامها في العديد من المرات وطرد العاملين فيها، حتى وصل الأمر إلى انتشار السرقات والقتل في كل مكان وفي قطاع غزة بالذات .
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل بدأت العديد من الدول الغربية والعربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية بدعم بعض المليشيات المسلحة لإسقاط حكومة حماس بالقوة، بعدما ضيقت الخيارات على الحكومة الفلسطينية واضطرتها إلى اتخاذ إجراءات مشددة حتى تقضي على هذه المليشيات والفوضى الخلاقة التي كانت تدعو لها الخارجية الامريكية في فلسطين، وتمكنت الحكومة من إعادة السيطرة وبسط الأمن في الشارع وصمدت فيما بعد في وجه الحصار والمؤامرة .
ما جرى مع الحكومة العاشرة في فلسطين قبل سبع سنوات يتكرر اليوم في مصر وبنفس الآلية المنهجية، فأصحاب المصالح والمستفيدون من النظام المخلوع يريدون نشر الفوضى في مصر وإفساد الثورة المصرية الراقية التي أبهرت العالم أجمع طوال ثمانية عشر يوماً من أجل مصالحهم الخاصة الضائعة، ويخشون من الملاحقة والمسائلة، فهم لا يريدون إسقاط الرئيس محمد مرسي ولكن الهدف هو إفشال تجربة إسلاميي مصر في الحكم، فهم لا يرغبون في أي نهضة أو تقدم لمصر، ويلتقي معهم في هذه الأهداف الدول الغربية التي لا تريد لمصر العودة إلى قوتها، فتعجبها جداً مظاهر الفوضى والفلتان وتبهجها جداً الدماء المصرية التي تسيل في شوارع المحافظات المصرية .
المشاهد المروعة التي تشهدها مصر تستغلها بعض أطياف المعارضة المراهقة، والتي تحاول الاصطياد في المياه العكرة وتعتقد بأن إفشال الرئيس أو إسقاطه سيحقق لها مكاسب سياسية قد تقودها إلى الحكم، وهذه معادلة خاطئة فسقوط الرئيس مرسي يعني سقوط الدولة وإذا سقطت الدولة فلا عاصم لأحد منها وستحرق الجميع .
إذن الفوضى هي الكرة التي تُرمى في ملاعب الإسلاميين عند وصلهم إلى الحكم من أجل إفشالهم وإسقاط مشاريعهم النهضوية، أمام هذا العنف والفلتان لا مفر للقيادة المصرية متمثلةً بالرئاسة و القوات المسلحة وشرفاء الوطن إلا أن تأخذ مواقف جريئة تحمي بها مصر، فالانتظار الطويل لن يجدي نفعاً والصبر مع هذه الفوضى لا يحقق مكاسباً، فالثورة المصرية الآن على مفترق طرق وعليهم ألا يتركوا العنف ينتصر ويحقق أهدافه، ففي النهاية ستخرج مصر من هذه المعركة الصغيرة منتصرة، ولا خوف على جيشٍ قد هزم إسرائيل, ولا على رئيسٍ قد صبر سنين في السجون، ولا على شعبٍ خلع نظاماً حكم عقود، ولكن هي النزعات الأخيرة لأعداء الثورة والديمقراطية والحرية .