السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أنا شاب ابلغ من العمر 23 عاما معي بكالوريوس خدمة اجتماعية ملتزم بالدين وأحافظ علي صلواتي - ولله الحمد - وذو أخلاق في تعاملاتي مع الناس، ولكن حتى الآن لم أعمل بسبب ظروف البلد ولا أمتلك أي شيء ومستوانا المادي بسيط، فقرر والدي زواجي من بنت عمتي وهي مطلقة ومعها ابن عمره 3 سنوات، وتبلغ من العمر 26 سنة فهي تكبرني بثلاث سنوات وظلمها زوجها وطلقها بعد أربع سنوات ولكن أقام معها 6 أشهر فقط في مصر ثم سافر إلى السعودية للعمل وأكمل بقية 4 سنين هناك حتى إنه لم ير ابنه إلا مرة واحدة فقط وهو صغير، ثم طلقها غيابيا من هناك وتزوج عليها وتركها هي وابنها، ولكن عندها الشقة جاهزة والعفش كذلك فأراد والدي ذلك؛ تيسيراً عليَّ وتوفيراً لسنين عمري وكذلك رأفةً بها وبولدها، وكلَّم والدَها في الموضوع دون علمي ورحَّب والدُها بذلك جداً وعرف جميع أقربائي ذلك وشاع الخبر، ثم بعدها بيومين أخبرتني والدتي فصدمت للخبر وكنت لا أتوقع ذلك أبداً وثارت ثائرتي وغضبت جداً، وبعد أن هدأت أخذ أبي يكلمني وأهلي جميعا يقنعونني وكلهم موافقون وفرحين جداً بهذا الأمر ولكني كنت آخر من يعلم خاصة إني كنت أكن لهذه البنت مشاعر الأخوة فقط لا غير وفوجئت بهذا الموضوع وكأني في حلم، ولكن بعد طول عناء معي من أهلي جميعا بدأت أتقبل الموضوع وجلست مع البنت لأتكلم معها بعد أن صليت صلاة الاستخارة، فاكتشفت أنها طيبة جدا وبيضاء القلب وكانت تكن مشاعر حب كبيرة لزوجها بالرغم من أنه كان يكرهها ويضربها وهي التي حكت لي كل ذلك، ولكن المشكلة أنها ليست ملتزمة مثلي ولا تريد أن تتقبل كلامي عن الدين في كل شيء، هي ملتزمة بالحدود والتقاليد لكن ليست متعمقة مثلي، وأنا كنت أريد أن أتزوج من إنسانة ملتزمة جدا تعينني على طاعة ربي لا تبعدني، وهي لا تتقبل فكرة النقاب تماما وتريد حفلة بها أغاني، وأنا مطْلِق لحيتي وهي تريدني أن أحلقها وأنا رفضت تماما حتى إنها نعتتني بأني معقَّد ولست مثل الشباب، وأكبر مشكلة أن عقلها صغير وصوتها عالي جدا ولا تستجيب بسهولة بل لا بد أن أخبر أختها الكبرى أو أباها، وأنا بطبعي هادئ، فهي ليست مثل طباعي تماما، فأنا أخاف أن أتزوجها ثم لا أرتاح معها وأطلقها بعد ذلك، وأنا ليست لي أي تجارب قبل ذلك فهي أول إنسانة في حياتي فلا أريد أن تكون تجربة فاشلة!! انصحوني وخذوا بيدي فإني أدعو ربي دائماً كي يوجهني للخير ويساعدني، وأرجو منكم المشورة والنصيحة وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نشكر لك أخي الكريم ثقتك بإخوانك مستشاري موقع المسلم، ونسأله سبحانه أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
أخي الفاضل:
دعنا نقسم الأمر إلى عدة نقاط لكي ندرسها سويا ثم نحاول أن نجد الحل الأقرب للصواب حسبما ييسر الله لنا ونبدأ بمحاولة فهم مواقف الأطراف الأخرى وأهمهم بالطبع محاولة لفهم موقف الأهل الذي اعتبره عرضا لايجابيات هذا الزواج.
فيأمل أهلك في زواجك من قريبتك تحقق عدة مصالح يرونها هم:
• يريدون البر وصلة الرحم في صورة زواجك من قريبتك التي ظلمها زوجها – بحسب روايتك – وتركها وحيدة ومعها طفل، وهذا الوضع يحقق ألما نفسيا شديدا على الفتاة وأهلها ويتعداها لكل الوسط المحيط بها، فكل الناس يرون – ومعهم حق – أن الأب والأم والأسرة بالنسبة للفتاة زائلون، وأنه ليس لها سند في الدنيا إلا أن تتزوج وتنجب، فصيانتها عند زوجها فقط وأبنائها معه وبعده، وهذه النظرة لا لوم على الأهل فيها.
• يرى الأهل مصلحة أخرى في إتمام زواجك وإحصانك في وقت سريع؛ نظراً للظروف الاقتصادية التي نعيش فيها التي تمنع الشاب من الزواج مبكراً؛ لارتفاع تكاليف الزواج ثم المعيشة بوجه عام وخاصة في بلد مثل مصر، ويرون بأن زواجك من هذه الفتاة التي لديها شقتها وجهازها لن يكون فيه العبء المادي الشديد الذي يثقل كاهلك ويؤخر زواجك وإحصانك.
• ويرى الأهل في هذا الزواج فائدة أخرى مجتمعية وهي المساهمة في إحصان قريبتكم التي طلقت بعد فترة زواج غير ناجحة فتركها بغير زوج فيه مشقة وعنت عليها، ويتمنى أهلك بصفتهم المجتمعية إحصانها والعمل على إعفافها بالزواج.
• وأخيراً يرى الأهل من وجهة نظر مجتمعية أيضا أن قريبتكم هذه التي طلقت من رجل قد ظلمها – بتعبيرك -، فيرون أنهم لن يجدوا لها زوجا يحميها ويخاف عليها مثلك فهي من رحمك ولن تظلمها أو تهينها، وأنت كما قلت هادئ الطباع متدين وفي حسن الظن فيك أنك إن أحببتها ستكرمها وإن كرهتها لن تظلمها.
• ولكن أخي الفاضل بعد مناقشة موقف الأهل يحسن بنا النظر إلى حالك أنت، ويمكن النظر إلى زواجك منها بعدة نظرات، لعلها تكون إشارات أو إضاءات ربما يمكنك بعدها أن تصل بعدها لأقرب القرارات للصواب، وهي تعتبر عرضاً لسلبيات هذا الاختيار:
o رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج من الأبكار وذلك في حديثه لجابر رضي الله عنه في البخاري ومسلم عندما تزوج ثيبا فقال له: "تزوجت؟ قلت: نعم، قال بكرا أم ثيبا؟ قلت: بل ثيبا قال أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك".
o عادة عند أكثر النساء عندما تتزوج إحداهن رجلا ثم تتركه أو يتركها سواء بالطلاق أو بالموت ثم تتزوج غيره فإنها لا تكف عن المقارنة بينهما في السراء وفي الضراء، فإذا أحسن إليها الجديد تذكرت الزوج الآخر وقارنت بينهما وان أساء إليها الجديد تذكرت ما كان من الأول، مما يكدر على كثير من الأزواج معيشتهم، وهذا ما تراه واضحا في حديث أم زرع في صحيح مسلم حينما تحدث أم زرع عن زوجها الجديد الذي أحسن إليها هو الآخر لكنها لم تنس إحسان أبي زرع إليها وقارنت بينهما، فقالت " فنكحت بعده رجلا سريا، ركب شريا، وأخذ خطيا، وأراح علي نعما ثريا، وأعطاني من كل رائحة زوجا وقال: كلي أم زرع وميري أهلك. قالت: فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع ".
o في حالتك من الممكن أن تنشا أزمة كبرى في حياتك وهي أنك كما قلت لا تمتلك عملا الآن، وحالة مصر الاقتصادية لا تنبئ بتحسن الأحوال العامة قريبا إلا إن يشاء الله ذلك، وستعيش أنت معها في شقتها وأثاث بيتها الذي تملكه هي أو يملكه والد طفلها زوجها الأول، فما الذي ستقدمه أنت؟، وأخشى عليك إن حدث بينكما في يوم من الأيام ما يعكر الصفو مثلما يحدث بين كل الأزواج.
o هناك فارق سن يجب أن يوضع في الاعتبار وهي أنها أكبر منك، ولا بد من النظر لهذا الموقف من هذه الزاوية في أوساط مثل الأوساط التي نحيا فيها، ولا أقول إن فارق السن هو العامل الحاسم ولكني لا بد وأن ألفت نظرك إليه.
o هناك أيضا ولد عمره الآن ثلاث سنوات وسيفترض بك أن تقوم بتربيته كابن من أبنائك، وستجد نفسك بدلا من التدرج في العلاقة الزوجية بينك وبين امرأتك، ستجد نفسك مسئولا في لحظة واحدة عن أسرة وزوجة وطفل، وبالطبع في هذا مشقة لا بد وأن تنتبه لها، مع احتمالية وجود أبناء لك منها ستضعك في وضع حساس طيلة عمرك.
o وحقيقة لا أجد لكل السلبيات السابقة محلا من الاعتبار القوي إن ذكرت أن هذه الأخت – أكرمها الله ووفقها – كانت طيعة لك، فقد ذكرت أنها تميل إلى المعاندة وأنك تستعين عليها من الآن بأهلها وأقربائها لإقناعها، فهل ستأتي بهم دوما في أي خلاف قادم بينكما؟ وخاصة أننا ما وجدنا تدخل الأهل بين الزوجين يصلح أي قضية خلافية بينهما بل نراه – عمليا - يزيدها تعقيدا.
هذا ما أراه من ايجابيات وسلبيات لهذا السؤال، ولا أستطيع أن أقول لك اقبل بهذا الزواج أو ارفضه، وحسبي أنك تستطيع قراءة ما بين السطور، لكنني أؤكد عليك أن تدرس الأمر جيداً؛ فالموقف شائك، وما وصفته يصعب قبوله إلا أن تخاف العنت على نفسك والوقوع في الذنب .