المخربون.. حين يستحلون دماء المصريين
27 ربيع الأول 1434
علا محمود سامي

على امتداد عامين ويزيد، وهناك الكثير من الممارسات التي يتعرض لها المصريون، كان القاسم المشترك فيها هى إسالة دمائهم، خلاف آلاف المصابين، علاوة على ما أرهقهم من تظاهرات وتعطيل لمصالحهم، وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه أنه بالاستحقاق الرئاسي يمكن أن تكون أمورهم أفضل حالا، إذا بهم يتجرعون  مرارة اقتراعهم الشعبي، الذي أفرز أول رئيس مدني منتخب في تاريخهم على الإطلاق، فضلا عن تشكيل مجلسي التشريع، وسن دستور جديد.

 

غير أنه ومع أول انتخاب لمجلس الشعب بعد الثورة، حتى حيكت ضده المؤامرات، إلا أن نجح أعداء الديمقراطية ودعاتها في الوقت نفسه في إسقاط هذا المجلس ، بعد حله بحكم قضائي للمحكمة الدستورية العليا، تجاوزت فيه اختصاصها إلى أكبر مدى، إلى أن أصبحت الدعاوى القضائية تطارد حاليا مجلس الشورى – الذي آلت إليه سلطة التشريع- والجمعية التأسيسية للدستورية، لإبطالهما، على الرغم من إنفاذ الدستور  واستفتاء المصريين عليه، والذي حصن المجلس من أي حل قضائي، وحصن نفسه أيضا من أي إسقاط.

 

وفي هذا السياق يعرف أنه لايجوز للقضاء المصري نظر ما جرى استفتاء الشعب عليه، وعليه فلايجوز مثلا النظر في دعاوى بطلان الدستور، وما تضمنه من أن تؤول سلطة التشريع إلى مجلس الشورى، غير أنه ولكون القانون يجرى تطويعه ضد من أفرزتهم الديمقراطية ، ما دامت لم تفرز الأقلية، كانت الدعاوى القضائية لإبطال الدستور والمجلس في آن ، وهو ما تنظره المحكمة الدستورية حاليا.

 

ولم يكتف دعاة استقلال القضاء واحترام إرادة الشعب المصري بمطاردة ما جرى الاستفتاء عليه وفقط قضائيا، على الرغم من مخالفة ذلك لما استقرت عليه الأوضاع القانونية، حتى كان لهم رأي آخر، وهو هنا الإحراق والتدمير في ربوع مصر من أجل إسقاط الدستور وإسقاط الرئيس ونظامه، بل وتدمير مكونات الدولة كلها بكل معاني منظومة الدولة.

 

وفي ذلك فعل دعاة الديمقراطية والرافضين للعنف كل ما في وسعهم، فشكلوا غطاء سياسيا لجماعات العنف والتخريب، للدرجة التي جعلت لسان حالهم يؤكد أنهم مستعدون لتدمير الوطن، بدعوى إسقاط الدستور، وهو المسعى الذي يخفي ورائه الكثير من مضامينه، وهو إسقاط الرئيس الدكتور محمد مرسي ، وإفشال أي مشروع إسلامي للحكم، لإدراكهم أن أي نجاح له، سيعني استمراره في دائرة المشهد السياسي لوقت قد يطول، خاصة وأن هناك إدراك بأن الشارع المصري لايرضى عن الإسلاميين بديلا، ولذلك يحاول دعاة الديمقراطية ، الذين يدعون تطبيقها وئد المشروع الإسلامي في مهده.

 

اللافت في هذا السياق ، أن من كانوا يتشدقون بالأمس القريب بتطبيق الديمقراطية، ويدعون إلى رفض العنف، ويتهمون أبناء التيار الإسلامي برفض الديمقراطية وتبني العنف ، إذا بهم يرفضون ما أفرزته صناديق الانتخابات، بل ويعملون ضدها بدعوى جهل المقترعين، وأن الأمية لايمكن لها أن تفرز ديمقراطية، واتبعوا في ذلك أساليب عدة، كان أبرزها توفير الغطاء السياسي للعنف بامتياز.

 

هذا القول هو نفسه الذي سبق أن وجهه رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف إبان نظام المخلوع بأن المصريين لايستحقون الديمقراطية، لأنهم يعانون الأمية، "التي لايمكنها بحال أن تفرز نظاما ديمقراطية". هذه الاستعادة لتصريحات النظام القديم تعكس جلية طبيعة المتآمرين على الشعب المصري حاليا، والمتاجرين بقضاياه في أنه وقت أن تفرز إرادته نموذجا غير مقبول بالنسبة لهم على الأقل ، إذا بهم يتفقون مع تصريحات سابقة لقادة النظام المخلوع.

 

لذلك لم يكن غريبا أن يصافح أذناب النظام السابق دعاة الثورة والحفاظ عليها، وأن يتحالفوا فيما بينهم - ليس لحماية الوطن ومقدراته، أو دعم المقومات الدولة، المتمثلة في شرعية النظام القائم، إذا كانت هناك نوايا جادة بالفعل لتعميق الانتماء وإعادة بناء المؤسسات- ولكن لهدم مؤسسات الدولة، والالتفاف على شرعية النظام الحاكم، حتى لو كلف ذلك المصريين حصد العشرات من أرواحهم، أو وقوع مصابين فيما بينهم، ما جعلهم يستحلون دماء المصريين، ويعملون على قتلهم بدم بارد، وتدمير لممتلكاتهم العامة والخاصة في أول رسوب لهم بامتياز في تطبيق الديمقراطية.

 

وفي المقابل، اثبت الإسلاميون، الذين كان يتم رميهم بعدم الالتزام بالديمقراطية جدارتهم بها بالدرجة الأولى عبر التصريحات الصادرة عنهم، والتي طالبت بضرورة الالتزام بما أفرزته الصناديق، وان دعاة إسقاط النظام عليهم اللجوء إلى آليات إسقاطه عبر صناديق الاقتراع، وهو اللجوء الذي ينبغي أن يكون في موعده، وهو وقت الاستحقاق الرئاسي الجدي، وليس قبله.

 

دعاة حماة الثورة والعمل على تحقيق أهدافها، استخدموا في وسائلهم العديد من الأساليب لاستمالة المصريين في صفوفهم، وإخضاع البعض منهم، فخلاف حملات التشوية للإسلاميين المتبعة ضدهم عبر إعلام فلولي وعلماني واضح منذ نجاح الثورة، استدعوا كل ما ورثه نظام المخلوع لمصر من مشاكل وتخريب للمؤسسات، وتجريف للحياة السياسية وغيره من ميراث ظالم وفاشل، وقاموا بتصدير مثل هذا الميراث إلى النظام القائم، ما جعل المصريون

 

ينظرون إلى مؤسسات الدولة الحالية بأنها هى المسؤولة عن كل ما وصل إليه حالهم، الأمر الذي انجرف ورائه البعض مدفوعين إلى حملات التهييج والإثارة في الشارع التي يشنها دعاة الديمقراطية ضد الإسلاميين، فظهرت أعمال العنف والتخريب، والتي امتدت إلى معظم المنشآت الرسمية، خلاف حصد الأرواح، كل ذلك بدعوى الحفاظ على أهداف الثورة، والتي لايمكن لها أن تتحقق من دون إسقاط الرئيس ونظامه، على حد مطالباتهم الزائفة.

 

غير أنه مع اتساع دائرة العنف، واستمرار إثارة الشارع وتهييجه، فقد كشف المصريون مخططات دعاة العنف ومروجي الأباطيل، وأصبحوا أقرب إلى فهم ما يدور، فقط ينتظرون من الرئيس مرسي ونظامه تبني قرارات قوية لردع أمثال هؤلاء بالقانون ذاته، وليس بإجراءات استثنائية، وهو كثيرا ما يعد به الرئيس المصريين بالتأكيد على حرصه بعدم اللجوء إلى أية إجراءات استثنائية، حتى لمواجهة الثورة المضادة.