شكراً لـ(سوريا الشعب)
18 ربيع الثاني 1434
منذر الأسعد

عقب انطلاق الثورة الشعبية السلمية في سوريا ضد الطاغية في 15/3/2011م بدأت قنوات فضائية سورية تظهر في المنفى الاضطراري، لمواكبة الحراك الداخلي الذي حرمته عصابات القتل الأسدية من أي متابعة إعلامية مستقلة. مع الاحتفاظ لقناة أورينت نيوز بحق الريادة لأنها كانت قناة منوعات موجودة، واختار مالكها الانحياز للثورة مبكراً فسبق بذلك سائر القنوات التي بدأت تظهر تباعاً وفي فترات متقاربة نسبياً، بعد أن شبت الثورة عن الطوق وزالت الشكوك وتأكد الجميع من أن السوريين لن يعودوا إلى بيوتهم قبل استئصال السرطان الصفوي المسيطر على بلادهم من خلال الأداة: بشار الأسد وزبانيته.

 

وتأرجح أداء تلك القنوات بحسب المقاييس المهنية، واضطرب بعضها أحياناً حتى بمقاييس صدق الانحياز إلى الثورة بلا أغراض حزبية أو فئوية أو شخصية.ويمكن أي راصد موضوعي أن ينهض بدراسة علمية عميقة حول تلك الجوانب بالنظر إلى ثراء الواقع بالمعطيات وإلى تعقد المشهد والتباين الشديد بين مكونات المعارضة السورية بعامة.ويلاحظ المراقب تفوق القناة (س) في جانب وتقصيرها في جانب آخر، وكذلك تميز القناة (ع) في نقطة وسوء أدائها في نقطة ثانية...

 

والعبد الفقير إلى الله كاتب هذه السطور، يسره الثناء على كل حسنة يراها، مثلما يحرص على نقد الأخطاء وبيان الخلل والدعوة إلى تقويم الغلط وتصويب المسار.

 

ومن هذا الباب أسجل بكل التقدير لقناة سوريا الشعب، تميزها مؤخراً في تغطيتها الميدانية لسهرات المناطق الثائرة، وبخاصة في ريف حلب وريف إدلب، وهي مناطق محررة تخضع لسيطرة الجيش الحر والقوى المقاتلة الأخرى.

 

سوريا الشعب لم تبدأ هذا النوع من الجهد الإعلامي المهم، فقد سبقتها أكثر من قناة منذ سنة كاملة وربما أكثر.إلا أن ما تميزت به التغطيات الميدانية لقناة سوريا الشعب مؤخراً، مرافقتها المقاتلين في أثناء عمليتهم النوعية، وإعداد تحقيقات ميدانية بعدها، والمثال الأكثر سطوعاً في هذا المجال هو تحرير مطار تفتناز العسكري من خلال عملية بطولية مبهرة بالنظر إلى انعدام الحد الأدنى من توازن القوى العسكرية عدداً وعتاداً بين عصابات بشار وقطعان شبيحته من جهة، وكتائب الجيش الحر والثوار في الجهة المقابلة.

 

وتفوقت سوريا الشعب حتى في السهرات الشعبية التي تبثها من القرى المحررة، حيث نلتقي شرائح اجتماعية من مختلف الأعمار والمستويات التعليمية، ويحضر قضاة شرفاء ومعلمون مخلصون وضباط وجنود مبدعون وأطفال رائعون في ذكائهم وجرأتهم ومستوى وعيهم.

 

في هذه الملتقيات لا نفتقد الأناشيد البهية، لكنها على خلاف القنوات الأخرى ليست النشاط الوحيد للمجتمعين.فالمذيع الشاب يثير حيوية الحاضرين من خلال أسئلته الذكية والصريحة، ليتحفنا بشواهد بديعة عن ثراء المجتمع السوري وعما فجرته الثورة فيه من طاقات كبتها الطغيان وحجبها الاستبداد والسلوك الطائفي الوضيع..

 

وبصورة عفوية غير متعمدة، تسقط أكاذيب رخيصة تولى كبرها نظام الدجل الأسدي وأبواقه في البلدان المجاورة، وراقت لإعلام الغرب رافع شعارات الموضوعية وشرف المهنة ومسؤولية الكلمة!!

 

في هذه السهرات التي تضطر المرء على متابعتها بشغف، يجلس ضابط كبير في الجيش السوري الحر، وقائد كتيبة في جبهة إسلامية ويتحاور الجميع بصدق وتلقائية فتذوب جبال التزوير الثلجية التي أصبحت بفعل التضليل الإعلامي الضخم هائلة حتى إنها قد تخدع أبصار غير ذوي البصائر.

 

أقول هذا بعد رصد استمر ثلاثة شهور متلاحقة تقريباً.وهي شهادة بقدرة الشباب غير المتخصصين على العمل الإعلامي الجيد، ولو بقليل من التدريب السريع على بعض الأساسيات في المهنة. وهي مبشرات بأننا يمكن أن نصنع إعلاماً بديلاً ولو بإمكانات متواضعة مالياً، كما هي حال سوريا الشعب وأكثر قنوات الثورة السورية.

 

لقد صنعت ثورات الربيع العربي إعلامها الصادق والنزيه، والذي يعد بانقلاب جذري نتطلع إلى أن يُنسينا ستة عقود من الكذب المستمر، وإن كنا لن ننسى إجرام الذين فرضوه على الأمة بالحديد والنار، قاتلهم الله وعاملهم بما يستحقون في الدنيا والآخرة.