"العسكرة" و"العلمنة" في العالم العربي
2 جمادى الأول 1434
خالد مصطفى

عاشت معظم بلدان العالم العربي عشرات السنين تحت نير الاحتلال الأجنبي الذي ظل ينهب في خيراتها ويسعى بكل ما أوتي من قوة لقتل روح المقاومة ومعاني الجهاد الإسلامية في نفوس أبنائها ووضع الاحتلال شخصيات معينة رباها على عينه كطليعة تنظر إليها الشعوب وتقتدي بها, وأضفى عليها معاني البطولة المزيفة...

 

وتميزت هذه الشخصيات بالبعد عن الالتزام بتعاليم الإسلام والترويج لمفاهيم الوطنية والقومية الخالية من القيم الدينية, وأطلقت شعارات أيدها الاحتلال بقوة عندئذ منها "فصل الدين عن الدولة", ووصم المجاهدين بأبشع العبارات, ورسّخ هذه الأمور السلبية ولم يغادر حتى تغلغلت في أركان هذه البلدان...

 

وركز هؤلاء الزعماء الجدد على الحلول السياسية متجنبين المقاومة المسلحة بل وصل الامر لاعتبار بعضهم لها نوعا من "الارهاب" وبثوا في نفوس الشعوب الركون للدنيا والخوف...

 

ومع مرور الوقت وعندما فاض الكيل بالشعوب وشعر الاحتلال بالخطر سلم السلطة لبعض هذه الزعامات من السياسيين او من العسكر...وفي المراحل اللاحقة سعت هذه الزعامات لإبعاد القيادات الإسلامية عن الصدارة وهمّشت دور علماء الدين واضطهدت الجماعات الإسلامية ووضعت عناصرها وراء القضبان وقتلت من قتلت منهم, ودخلت في معارك حامية الوطيس مع هوية الأمة الإسلامية ووصل الأمر ببعضهم لتبني أفكارا أرضية وضعها في مصاف العقيدة وقاتل من أجلها مثل "الاشتراكية" و"القومية" وجند لها الشعراء والأدباء...

 

ومنذ ذلك الوقت انفصلت النخبة المتصدرة للمشهد السياسي عن الثقافة الإسلامية وأصبح لزاما على المفكر والإعلامي والسياسي أن يكون علمانيا خالصا حتى تتاح له الفرصة لكي يعبر عن رأيه...وابتليت الأمة بعد الاحتلال بحكام من العسكر أو من العلمانيين الذين يناصبون الإسلام ـ بمعناه الواسع والشامل ـ العداء..

 

وعندما فشلت هذه النخبة بعسكرييها وسياسييها في تحقيق طموحات الشعوب وبعد أن لعبت بأحلامهم ودغدغت مشاعرهم سنوات طويلة وبدأت الشعوب تسلم قيادتها مرة أخرى للإسلاميين اندلعت معركة حامية الوطيس لكبح إرادة  الشعوب وتحالف الداخل والخارج من أجل تصدير نماذج جديدة يمكن أن تحوز ثقة الشعوب وعندما لم تصل إلى أهدافها المطلوبة قررت أن تهيل التراب على الأوطان وتحولها إلى خراب ودمار, وتذكر السياسيون العلمانيون نصفهم الثاني خلال الحرب الضروس مع الاسلاميين وهم العسكر فبدأوا في استدعائهم لكي يخلصوهم من العدو المشترك وبدأ الغزل غير العفيف يتصاعد رغم الظلم والاستبداد الذي عانت من الشعوب تحت وطأة حكم العسكر وفشلهم الذريع في تقديم نموذج حكم قائم على الحرية والعدل والمساواة...الآن تقف بعض الدول العربية على مسافة ما من الرجوع إلى الماضي الذي لو تم فلن تقوم لهذه الدول قائمة في المستقبل القريب وسيتم القضاء على جميع آمال شعوبها نحو التقدم والرقي والحرية..إنه رهان صعب والبعض يريد من الشعوب أن تدفع الثمن من قوتها ومن دمائها ومن دماء أبنائها رفضا لهوية تم إقصاؤها عشرات السنين وجاء الوقت من أجل أن تظهر وتسود...

 

إنه مخطط رهيب يستهدف البسطاء ويخيرهم بين هويتهم والحفاظ عليها وبين الحصول على الطعام الكافي لأولادهم...فساد الماضي يتحالف مع أطماع الحاضر وشهوة السلطة مستدعيا كل شياطين الأرض لكي يفسد على الشعوب فرحتها والنتيجة التي يريدونها أن تسلم هذه الشعوب إرادتها لهم وتعود إلى الحظيرة مكتفية بالفتات الذي يلقى لها...مؤامرة دنيئة تسير في خطى محددة وواضحة ومع ذلك يفشل أصحاب الحق عن إبطالها لتشتتهم تارة ولعجزهم وقلة حيلتهم تارة أخرى..فيا ترى لمن تكون الغلبة؟