14 شعبان 1435

السؤال

كنَّا في بلاد الغربة سعداء أنا وزوجي، ولدينا ثلاث بنات، ثمَّ تعرَّف زوجي على امرأة متزوجة مسيحية، وأقام معها علاقة بالحرام لمدَّة عامين، وأنا عرفت منذ البداية، حاولت معه بكلِّ الوسائل والتَّفاهم والرَّجاء أن يقلع عن ذلك، وكان دائمًا يكذب ويخادع، فقد عذَّبني ودمَّر نفسيَّتي، وتدخَّل الأخيار ولم يرتدع، حتَّى هي حملت منه، وبعدها تطلَّقت وتزوَّجها، وقد دمِّرت تمامًا، حتَّى هربت لأهلي في بلدي، وبعدها لحقني وقال: كلُّ شيء انتهى، وقد طلقتها، ورجعت لأجل بناتي، وأنا محطَّمة تمامًا، وقد حاولت هي ملاحقته، وبعد عامين اكتشفت أنَّهم عادوا لبعض، وما زالت زوجته، ويقابلها في نفس بلدي. أنا الآن في قمَّة الانهيار، فهما دمَّراني، وهو لا يهتم لتأثير الموضوع على بناتنا، ومنهن مراهقات، وخاصَّة معها بنت زنى ليست باسمه، فماذا أفعل؟ أرجوكم خائفة ومحطمة تمامًا، أنا أكرهه، فقد هدم العائلة، مع أنَّنا كلُّنا كنَّا نطلب رضاه، أصبحنا الآن تعساء، وهو ما زال يكذب ويخادع الجميع، المشكلة فيه أنَّه يفعل ما يخطر بباله دون تفكير! وكذلك هي تفعل ما تريد من أعمال، حتَّى لو أثَّر على حياة بناتي في المجتمع، دائمًا ألجأ إلى الله عزَّ وجلَّ وأستغفره، ولكن معظم الأحيان أشعر أنِّي أختنق، أشعر أنِّي أصبحت إنسانة سيئة، كثيرة الشَّكِّ وسوء الظَّنِّ وعدم الثِّقة، لأنِّي أعيش ضغط نفسي وتناقض في المشاعر، من كره له، وحبٍّ لبناتي، والخوف من هدم بيتي. ماذا أفعل معه ؟. مع العلم أنَّه لا يصلي، وحاولت معه بكلِّ الوسائل المحبَّبة، وهو إنسان لا يؤمن جانبه، مع العلم أنَّني ما زلت لا أقصر معه في أيِّ شيء، ولكن ليس حبًّا؛ بل خوفًا من أذاه، فأنا أسايره إلى أبعد الحدود، فهل أنا ضعيفة ؟. أرجوكم! ماذا أفعل ؟.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أختي الفاضلة: أشكركِ على ثقتكِ، بموقع المسلم، ومتابعتكِ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أختي الكريمة: فهمت من عرضكِ لمشكلتكِ، أنَّكِ متزوِّجة من رجل عاصٍ، ومرتكب لكبائر الذُّنوب، ولك منه بنات، وحيث أنَّ له علاقة محرَّمة بامرأة أجنبيَّة مسيحيَّة، يتردَّد عليها بالحرام، وتسبَّب بطلاقها من زوجها، ثمَّ تزوَّجها، وله تعلُّق بها كبير، أدَّى به إلى نسيان سمعة عائلته وبناته، وحصل بينكما تنازع وخلاف، أدَّى لذهابك وسفرك لأهلك، ثمَّ أتى إليك مدعيًا كذبًا أنَّه تركها، ولن يرجع إليها ثانية، وعدت معه من أجل بناتك، وفوجئت بأنَّ علاقته باقية بتلك المرأة، وأنت في حالة من اليأس وانحطاط المعنويات عظيم، وتطلبين من موقع المسلم الرَّأي والمشورة، لا تقلقي أختي فقد وصلت إلى مرادك، ولن تعدمي رأيًا حصيفًا من إخوانك في الموقع، ولذلك أنصحك باتباع النَّصائح والتَّوجيهات الآتية:
أولاً: الخيانة عاقبتها وخيمة.
زوجك بإقامته علاقة محرَّمة مع امرأة أجنبية عنه، هو خيانة لحقِّ الله قبل أن يكون خيانة لك، فالمسلم يرتبط بعلاقة عهد وميثاق مع ربِّه تعالى، والواجب عليه أن يفي بعهده وألا ينقض ميثاقه، كما أنَّه ليس هذا ما أُمر به العبد تجاه نِعَم ربِّه تعالى عليه، فقد أنعم الله سبحانه عليه بصحة وعافية وزوجة وأولاد، وشكر هذه النِّعَم لا يكون بتصريف تلك الصحة والعافية في علاقات محرَّمة مع امرأة أجنبية، وشكر نعمة الزوجة والأولاد، لا يكون بتضييعهم وتفكيك أواصرهم، وجلب السُّمعة السَّيئة لهم، والله تعالى قد وعد الشَّاكرين بالمزيد من النعَم، وتوعَّد الكافرين للنعَم بالعذاب الشديد، كما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
ثانيًا: زوجك يحبُّك.
الظَّاهر من حالك مع زوجكِ أن لك مكانة ومنزلة في قلبه، ولولا ذلك لسارع إلى إنهاء العلاقة الزوجيَّة بينكما، بعد معرفته أنَّكِ على علم بعلاقته المحرَّمة مع تلك المرأة الأجنبية، وهذا مما يجب أن يُستثمر لثنيه عن معصيته، وليكفَّ عنها من قبَلك أنتِ، فأرى أن تتلطفي معه غاية التَّلطُّف، وألا تقصري في عشرته بالمعروف، مع التَّجمُّل والتَّزين له، ولبس أحسن الثِّياب، وتوفير الجوِّ المريح له في البيت؛ فقد يكون مفتقداً لذلك كلِّه أو بعضه، مع النُّصح والوعظ، وتخويفه من البقاء على ارتكابه للمحرَّمات، وبيان عقوبته عند الله في الآخرة، أو في الآخرة والدُّنيا؛ بل خوفيه من عقاب الله بمثل ذلك الذَّنب في أهله؛ فقد يبتلى بالزَّواج بامرأة، أو قد يرزق ببنت تفعل مع الرِّجال، ما يفعله هو مع النِّساء؛ فكيف سيكون حاله؟!
ثالثًا: السِّتر مطلوب إلى حدٍّ معيَّن.
أنصحك ألا توسِّعي دائرة من يعرف بفعل زوجك؛ فالأصل هو السِّتر على المعاصي المستترة، ونحن نريد ما يصلحه، لا ما يمكن أن يتَّخذه ذريعة للبقاء على ما هو عليه من معاصٍ. واشغلي وقته بالنَّافع المفيد، ولا تتركي له وقتاً يخلو فيه لشيطانه! وليكن برنامج يومه مليئاً إمَّا بطاعة كصلة رحم، أو حضور مجالس علم، أو ينشغل بما هو مباح نافع من أمور الدُّنيا كرياضة. وأحسنت صنعًا في لجوئك إلى الله بالدُّعاء له بالهداية والصَّلاح، فنعْمَ السِّلاح للمؤمن الدُّعاء، واجتهدي أن يكون ذلك في آخر الليل وفي السُّجود. فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرِّحمن يقلِّبها كيف يشاء.
رابعًا: لا خير فيمن لا يصلي.
ترك زوجك للصَّلاة تهاونًا وكسلاً خطر مستطير، ويرى بعض أهل العلم أن ترك الصَّلاة ينقض عقد النكاح ويفسخه، ولذلك حاولي جهدك في أن يلتزم بالصَّلاة، واستعيني على ذلك بكلِّ من له تأثير عليه، من أقاربه وأصدقائه الصَّالحين، ومن المشايخ وطلبة العلم، استفرغي جهدك بالتزامه بالصَّلاة، فلو صلَّى نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر، قال الله تعالى: (إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)العنكبوت: 45.
خامسًا: آخر العلاج الكي.
إذا لم ينفع مع زوجك ما سبق ذِكره؛ لأن يكف عن غيِّه وفجوره، وتركه لصلاته، فاطلبي منه الطَّلاق، وليبدأ هذا بالتَّهديد بطلبه، وبفضح أمره بين الأهل والأقارب والنَّاس، فإذا بقي على ذلك، فلك الحقُّ في أن تتخلَّصي مما أنت فيه من البلاء بطلب الطَّلاق، ففي طلاقك منه تخليص لك مما أنتِ فيه من قهر وغيظ، وفيه حفظٌ لكِ ولذريتك من احتمال فتنةٍ، بسبب تصرُّفات زوجك وعلاقاته المحرَّمة، سواء كان الحفظ لكم لدينكم أو لعرضكم أو لصحتكم.