الجيش والسياسة في سوريا (1918-2000) دراسة نقدية
5 جمادى الثانية 1434
منذر الأسعد

الكتاب الذي يحمل العنوان أعلاه من تأليف الدكتور بشير زين العابدين، ويتكون من 532 صفحة، وصدر قبل ثلاث سنوات تقريباً من اندلاع الثورة السورية ضد عصابات بشار الأسد.

 

وإذا كانت وقائع الثورة تمنحه قيمة إضافية بسبب قبح الدور الذي يقوم به الجيش السوري ضد أبناء الشعب السوري، فإن للكتاب أهمية موضوعية تتجلى في كونه دراسة رائدة وغير مسبوقة-في حدود اطلاعي المتواضع-بهذا الشمول وهذا العمق والأمانة. فهو يعتمد على الوثائق والمصادر المباشرة من مذكرات للساسة والعسكر الذي عايشوا تأسيس الجيش السوري عقب استقلال سوريا عن الاستعمار الفرنسي الذي امتد زهاء ربع قرن(1920- 1946م).

 

وأبحاث الكتاب –بالإضافة إلى مقدمة المؤلف التي تلي الإهداء-عشرة أبحاث، هي:
1-نشوء الجمهورية في عهد الانتداب الفرنسي
2-نشوء المؤسسة العسكرية في ظل الانتداب
3-الاستقلال بداية متعثرة(1946-1949)
4-الإرث الفرنسي: حكم العسكر (1949-1954)
5-صراع العسكر ونمو المد اليساري(1954-1958)
6-الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961) وهي فترة الوحدة بين مصر وسوريا بزعامة جمال عبد الناصر كما هو معلوم.
7-عهد الانفصال (1961-1963)
8-الجيش العقائدي والحزب القائد (1963-1970) وهي فترة الانقلاب البعثي وتقلباته من خلال صراع الأجنحة الطائفية المتدثرة بعباءة البعث!!
9-الطائفة، العشيرة، العائلة، والنظام الجمهوري (1970-2000) وتحديد عام 2000م كنهاية لهذه الفترة يرجع إلى المدة التي حددها المؤلف لبحثه، وإلا فإن نظام الطائفة العشيرة العائلة الذي أسسه الهالك حافظ الأسد ما زال مستمراً، فبشار "ورث" البلد عن حافظ.
10-رؤية مستقبلية.

 

اختار الدكتور زين العابدين عام 1918م لبداية دراسته لأنه العام الذي شهد مغادرة الأتراك دمشق وبدء "الحكم العربي" بقيادة فيصل الأول ابن الشريف حسين الذي دخل الشام في حماية القوات الإنجليزية في نطاق ما يسمى"الثورة العربية الكبرى"، وصار ملكاً على سوريا لكنه انتهج سياسة علمانية استفزت المسلمين ولم يكترث بها أبناء الأقليات ولا سيما النصارى ولم تشفع له عند سادته في الغرب فطردوه شر طردة عندما قرر الفرنسيون احتلال البلاد بحسب اتفاق سايكس-بيكو مع بريطانيا لتقاسم المشرق العربي بينهما.

 

واتصفت سياسة الاحتلال بحرص شديد على تعزيز النزعات الطائفية، ومحاباة الأقليات الطائفية التي كانت مع المستعمر الأجنبي وبخاصة فرنسا من قبل دخول غورو إلى دمشق في عام 1920!! فالنصيريون-أو: العلويون!!- منذ عام 1919م أبدوا رغبتهم بوضع سوريا تحت الانتداب الفرنسي.

 

وفي لبنان –الذي سلخه الفرنسيون عن الشام -كانت الكنيسة المارونية  تسير في ركاب الاستعمار فغلاتها فرحوا بسقوط دمشق-عاصمة الدولة الأموية-تحت نير غاصب نصراني. وأيد القسس المتعصبون انخراط النصارى بعامة والموارنة منهم بخاصة في جيوش الغزو.

 

وفي سوريا أنشأ المحتل ما سماه "القوات الخاصة بالشرق" وكان نحو نصف عناصرها من النصارى والنصيريين، ونسبة كبرى من النصف الثاني كانت من الدروز والإسماعيليين.

 

وقد جرى استغلال جهل الكرد والشركس وضعف علمهم بالدين فوضعهم الفرنسيون في خدمة الاحتلال وجيشه الذي يبطش بالسوريين بينما كان أهل السنة يعتبرون الانخراط في جيش محلي قام المستعمر بتكوينه وهو المهيمن عليه كانوا يعتبرون ذلك خيانة كبرى.

 

وقد قسم الاستعمار  سوريا طائفياً لمصلحته وبناء على رغبة الأقليات المتربصة، كمافتح أبواب سوريا على مصراعيها لتدفق النصارى الأجانب بأرقام فلكية كالآشوريين من العراق والأرمن  من أرمينيا، ومَنَحَهُم امتيازاتٍ  تفوق حقوق المواطن مع أنهم ليسوا مواطنين.

 

والكتاب يصحح كثيراً من الأكاذيب الشائعة عن تاريخ سوريا في ظل الانتداب، فالنصيري صالح العلي لم يثر على الفرنسيين وإنما كان ضد الإسماعيليين، والدرزي سلطان الأطرش رفض التقدم نحو دمشق خلال الثورة التي جعلوه زعيماً لها –بحسب مذكرات الشهبندر العلماني-لأن ثورة الدروز كانت في تهدف في الحقيقة  للدفاع عن مندوب للاحتلال غير المندوب الذي عَيّنه الغزاة!!

 

وفي هذا الإطار، يتبين لنا التزوير على الجهة الأخرى حيث تم طمس الثورات الحقيقية التي قادها العلماء من أمثال الشيخ كامل القصاب ومجاهدون من عامة الناس مثل حسن الخراط....
وسبحان الله العظيم!!

 

فالتاريخ يعيد نفسه في بعض الأحيان، فالسوريون اليوم يغضبون من المرجفين الذين يطالبونهم بضمانات من الأكثرية للأقليات، مع أن الأكثرية هي المظلومة أكثر من الجميع، وهي التي تقدم التضحيات الضخمة للثورة. وفي كتاب الدكتور زين العابدين اطلعتُ على خلاصة وثيقة مهمة، فحواها أن القنصل البريطاني شون في 27/4/1945م أرسل تقريراً إلى حكومته يبين فيه تسامح الأكثرية السنية وتعصب الأقليات الطائفية والمذهبية.... وتبعية هذه الأقليات للغرب واستعلاءها على مواطنيها ثم يزعم زعماؤها أنهم خائفون من الأكثرية!!

الكتاب يستحق القراءة من كل من يعنيه حاضر سوريا ومستقبلها، لأنه يفسر كثيراً مما يجري حتى الآن!!