السؤال
ولدي حاصل على بكالوريوس زراعة، عمره 25 سنة،عاش في بيت ملتزم بدين الله، و هو لا ينكر ذلك، بعد سنتين من تخرُّجه تواصل مع فتاة، كانت زميلة له في الكليَّة، وفكَّت خطبتها من غيره، ونظرًا لعدم معرفتي وأمه بالفتاة، وليس لنا سبيل للتَّعرُّف عليها، وكذلك لعلمنا أنَّهما يلتقيان بالشَّارع، والأماكن العامَّة، وكذلك يتواصلان عن طريق الهاتف والنِّت، وأختها تساعدها على ذلك، مع العلم أنَّ والدها متوفى، وهى تلبس الإيشارب، وما يقال عنه تجاوزًا الحجاب العصري، ويرغب في زواجها. كلُّ ذلك جعلني وأمه لا نرتاح إلى هذه الزِّيجة، بتلك المقدِّمات السَّيئة منه ومنها، ونعلم يقينًا أنَّ هواه يعميه. رفضنا الموافقة، وذكَّرناه بالله، وأنَّه يستطيع أن ينتقي من الملتزمات، من بيوت معارفنا إلا أنَّه مصرٌّ عليها، مع رفضي أن أذهب معه لخطبتها حتَّى الآن. برجاء إرشادي لما ينبغي أن أفعله.
الجواب
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من عرضك لمشكلتك، أنَّ لديك ولد يرغب بالزَّواج من زميلته في الكليَّة، وهي بنظرك ونظر والدته غير مناسبة له، وهو متعلِّق بها، ويرغبها زوجة له على سنَّة الله ورسوله، وذكرتم له أنَّ هناك الكثير من الفتيات الملتزمات التي تعرفونهن، وهنَّ أفضل دينًا وخلقًا وحسبًا ونسبًا منها، وذكرت أنَّه يقابلها بعيدًا عنكم في الشَّوارع والأماكن العامَّة، ويتواصل معها عبر أجهزة الاتِّصال المختلفة، وتطلب النُّصح والتَّوجيه في ذلك، خيرًا صنعت أن لذت بعد الله تعالى بموقع المسلم، ولن تعدم بعون الله من رأي راجح منهم، ولحلِّ مشكلتك اتبع الخطوات الآتية:
أولاً: بالحوار البناء والعلمي خيرٌ كبير.
لا تكن أخي الفاضل مستبدًا برأيك، بل اجلس مع ولدك جلسة صفاء، واسمع منه إلى الآخر، وأعطه الفرصة الكاملة ليعبِّر عن وجهة نظره، فولدك ليس صغيرًا لا يعرف مصلحة نفسه، فهو خريج جامعي، ومهندس زراعي، والزَّواج مسألة شخصيَّة جدًا، ولا بدَّ من أن يأخذ رأيه وقراره عن اقتناع تام، وإلا كانت النَّتائج ليست بصالح أحد من الأطراف، فكثير من مشاكل الأسر تحصل نتيجة لعدم الحوار بين أفرادها، جرِّب الحوار الهادئ والهادف مع ولدك، وستجد أنَّ كثيرًا من الأمور كانت خافية عنك، ولو كنت تعلمها قبل ذلك لما اتخذت هذا الموقف المتشنج.
ثانيًا: إنَّما الطاعة بالمعروف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ليس لأحد الوالدين إلزام الولد بنكاح من لا يريد ". فأنت أخي ما أنت إلا معين وموجِّه لولدك، تعينه وترشده لأخذ قراره في اختيار من يريد ويرغب، فأنت وضِّح له الإيجابيات والسِّلبيات الموجودة في الفتاة، التي يرغبها زوجة له، وقل له وجهة نظرك ورأيك الشَّخصي فيها، واطلب منه التَّفكير في الأمر، وأرشده لصلاة سنة الاستخارة، وما ينشرح صدره له فليفعله، ففيه الخير والبركة بإذن الله تعالى.
ثالثًا: قرار الزَّواج بيد مريد الزَّواج.
الزواج نعمة إلهية، وسنة كونية، وعلاقة إنسانية، واختيار الزوج أو الزوجة ركن ركين، وأساس مكين لقيام حياة زوجية مستقرة، والمعني الأوَّل في الاختيار هو الزَّوج والزَّوجة، لأنَّهما اللذان سيعيشان هذه الحياة، بكلِّ آمالها وآلامها وأحلامها، فلا يجوز شرعًا ولا عقلًا ولا تربيةً أن يُرغم الوالد ابنه على الزَّواج من فتاة لا يريدها، أو يمنعه من الزَّواج بفتاة يحبُّها، فاختيار الزَّوجة شأن المقبل على الزَّواج، ويبقى رضا الوالدين أمرًا مهمًّا تكريمًا لهما، ورعاية لحقِّهما للمحافظة على التَّناسق الأسري، وانتظام الزَّوجة داخل أسرتها الجديدة.
رابعًا: الحدود الشَّرعيَّة لتدخلك في قرار ولدك بالزَّواج.
قال صلى الله عليه وسلَّم: " كمل من الرِّجال كثير، ولم يكمل من النِّساء إلا أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وإنَّ فضل عائشة على النِّساء كفضل الثَّريد على سائر الطَّعام " فأخي الفاضل كلُّ فتاة ليست مكتملة الأوصاف، ولذلك إذا رأيت في الفتاة التي يريدها ولدك نقصًا ما، فانظر إلى هذا النَّقص بتجرُّد كامل، فإن كان جوهرياً، يمسُّ الدِّين والخلق والسُّمعة الطَّيبة للعائلة، فقف دون رأيك بكلِّ قوَّة، وامنع هذه الزِّيجة بكلِّ ما تقدر من الوسائل، وأنت بموقفك هذا لا تلام أبدًا، والشَّرع والعُرف والقانون والقريب والبعيد يؤازروك ويناصروك، واعلم علم يقين إن لم يكن لرفضك مبرِّر شرعي وحقيقي، فلن يطيعك ولدك، ولن تجد نصيرًا ومعينًا من حولك، فاكسب ولدك ولا تخسره، ما دام الأمر سهل مقدور عليه، والفتاة كما تذكر ليست ملتزمة بالحجاب الشَّرعي المطلوب بنظرك، وولدك متعلِّق قلبه بها، فما نقص من صفات فيها يمكن تداركه بالدَّعوة برفق ولين، أهمُّ أمرٍ ركز عليه صلاتها وعبادتها، فإذا كانت لا تصلي فلا خير فيها. أمَّا موضوع الحجاب، فهو مهمٌّ جدًا بالنِّسبة للمرأة، ولكن ماذا تفعل في تعلق ولدك بها ؟. أترضى أن يتجاوزك ولدك، ويفعل رغبته وزواجه بها بعيدًا عنك، مع العلم غالبية حجاب النِّساء في مصر، هو المقتصر على ستر الرَّأس دون تغطية الوجه، فلا تكلِّف ولدك رهقًا، خاصَّة وكونه عاقلاً رشدًا يعرف مصلحة نفسه.
خامسًا: دعاؤك مستجابٌ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات، لاشكَّ فيهنَّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده) رواه الترمذي. دعاؤك لولدك مستجاب، فهلا طرقت باب الله، الذي بيده مقاليد السَّماوات والأرض، استيقظ أخي قبل الفجر بساعة، ثمَّ توضَّأ وأحسن الوضوء، ثمَّ قف بين يدي الله خاشعًا خاضعًا، ثمَّ وأنت ساجد قريب من ربِّك جلَّ وعلا، اطلب منه أن يوجِّه قلب ولدك لطاعة ربِّه، ويهيئ له الزَّوجة الصَّالحة، التي تعينه على الخير، ولما فيه صلاح دينه ودنياه.