السؤال
أنا الآن في حيرة رهيبة، خطبت أختا ملتزمة منذ سنة تقريبًا، ووجدت فيها معظم ما أريد فيمن أتزوج، ومنذ بداية الخطوبة أمِّي تعلِّق على أهل خطيبتي بأشياء تندرج تحت بند الذَّوق والأصول والواجب، فمثلاً عدم زيارة والدي في المستشفى في مرضه الذي توفي فيه، عدم حضور أخيها الوحيد دفن والدي، أمي كانت متأثرة بشدة بمرض والدي، وهى عاطفيَّة جدًا، ووالدة خطيبتي تتحدَّث مع أمِّي بأسلوب جاف وخشن. وأمِّي ترى بأسلوبها في الحديث، عجرفة وعدم تقدير لمشاعرها، وتكلَّمت عدَّة مرَّات مع خطيبتي بهذا الخصوص، فتردُّ عليَّ قائلة: لا تحملني أخطاء أهلي، وأنَّها ليست مثلهم، وأنَّ طبيعة العلاقة في الخطوبة تختلف من حيث القوَّة عن الزَّواج، وأنَّها تودُّ أنَّ تقف بجانبنا أفضل من ذلك، لكنَّها لا تستطيع الآن، وهي في مرحلة الخطوبة، حاولت التركيز على علاقة خطيبتي بأمي بدلاً من والدتها لكن العلاقة غير قوية لأنَّ خطيبتي قليلة الكلام، ولم تستطع حتى الآن الاندماج مع أمِّي.
بعد آخر مكالمة من والدتها إلى والدتي، غضبت أمي غضبًا شديدًا من أسلوب الكلام، وبعدها كلمتها خطيبتي، قالت لها: إنَّ أسلوب أمِّها لا يصح، وكان الحديث حادًّا، والآن أمِّي تقول أنَّها لن تتعامل معهم نهائيًا، وتقول لي: أكمل مشروع زواجك لوحدك بعيدًا عنَّا، وتقول أنَّها لا تشعر أنَّهم أهل لي، ولن يخافوا علي، ولن يقفوا بجانبي في الشدائد، أنا الآن محتار!! إذا تركتها سأكون ظالماً لها، وإذا ما تابعت معها، فسيكون ذلك على غير رغبة أمِّي، وأتوقع نشوب مشكلات متكررة.
ما الحل الذي يرضي الله تعالى، في حالتي ومشكلتي ؟. جزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: بداية أرحب بك أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.
أخي العزيز: ذكرت في ثنايا رسالتك أنَّك قمت بخطبة فتاة على قدر من الدِّين والخلق، ولكن العادات مختلفة لدى العائلتين، ممَّا سبَّب حدوث تنافر بين والدتك وأهل زوجتك، كما أوضحت أنَّك حاولت تقريب وجهات النَّظر من خلال زوجتك، ولكن طبيعة زوجتك حالت دون هذا، وبيَّنت أن تصاعد الأمور كان سببًا في اتِّخاذ والدتك قرارًا بقطع التَّواصل مع أهل خطيبتك، ونعدك بعون الله أن نبذل أقصى جهد ممكن للوصول بك إلى برِّ الأمان، وبين يديك همسات لتكون نبراسًا يضيء لك الطَّريق للوصول إلى بيت آمن مطمئن بإذن الله تعالى.
أولاً: تهنئة.
فإني أهنئك على هذا الحرص والجهد المبارك، الذي تبذله لإرضاء والدتك، وهذا باب عظيم من أبواب الخير، فوالدتك باب مفتوح لك إلى الجنَة فاحرص عليها، وإني لأتوسم فيك خيرًا، وأسأل الله أن يفرِّج كربك، ويسدِّد دربك.
ثانيًا: اختلاف الطِّباع أمر جِبِلِّيٌّ.
لقد قضت سنَّة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن يكونوا مختلفين، فالنَّاس وعلى وجه الخصوص الزَّوجان لا بدَّ من اختلاف طباعهم وأخلاقهم، بسبب اختلاف الثَّقافة، والبيئة الاجتماعيَّة، والمستوى المادي، فزوجتك مثلاً عاشت عند أهلها عشرين سنة أو أكثر، ولذا فقد تخلَّقت بأخلاق أهلها وطباعهم، وأنت كذلك تخلَّقت بأخلاق أهلك وطباعهم، ولتغيير هذه الطِّباع أو تقريبها، لا بدَّ من فترة تتعايشان فيها، فستظهر لك بعد الزَّواج –كما ظهر لك الآن- وجود اختلافات في الأخلاق والطِّباع بينك وبين زوجتك، وكذلك أهلها، ولأجل هذا لا بدَّ أن يتركَّز في ذهنك أنَّ الاختلاف أمر طبيعي، ومخالطة النَّاس تظهر لك طباعهم، ولتغيير الطَّبع من سيء إلى حسن، يحتاج إلى مدَّة من الوقت، والحوار الهادئ البعيد عن التَّجريح الشَّخصي، وعلى هذا لا بدَّ أن تقنع والدتك بهذه الفكرة، وأنَّه لا بدَّ من وجود اختلاف في العادات والتَّقاليد، ومادام أنَّ الأمر لم يدخل في إطار المحذور الشَّرعي فلا بأس، وعليك بذات الوقت أيضًا أن تقرِّب وجهات النَّظر بين أهلك وأهل زوجتك، وأن تبدأ بالسَّعي الحثيث للتَّغيير نحو الأفضل على صعيد زوجتك وأهلها.
ثالثًا: افهم طبيعة والدتك في هذه المرحلة.
فإنَّ الأمَّ تشعر بالغيرة ممن جاءت تشاركها في حبِّ ولدها، وفي جيبه، فإنَّ موقف والدتك لربَّما كان بسبب هذا الشُّعور، فتنبه إليه – خصوصًا لما أشرت إليه من تعلُّقها بك -، واعمل على تقليل دائرة الاختلاف، فأظهر البرَّ والإحسان أضعافًا، وأشعر والدتك أنَّ شيئًا لم يكن، وأنَّ وجود هذه الفتاة في حياتك، لن يغيِّر من سلوكك مع والدتك شيئًا، بل زد في البرِّ والصِّلة، واذكر لأمِّك ما تقوله زوجتك، أو أهلها في مدح أمِّك، ولا تنس أن تقوم زوجتك بواجبها من دوام التَّواصل مع والدتك، وإن كانت زوجتك ضعيفة في التَّواصل مع أمِّك، فلا مانع من أن تكتب لها كلامًا على ورقة، فإذا اتَّصلت بأمِّك، حاولت أن تدرج في كلامها ما هو مكتوب في الورقة، وأفهم خطيبتك أنَّ هذا الفعل هو لكسب ود قلب أمِّك، ولا بدَّ أن تتعاون معك لبناء حياتكما.
رابعًا: الأمُّ عاطفية.
فاغتنم هذه الخصلة في أمِّك، فإذا ما وجدت فرصة تكون فيها أمُّك سعيدة متفائلة، كأن تكون في نزهة أو رحلة، فتطرح لها هذا الأمر، وتذكر لها حبَّك لهذه الفتاة، وتودد لها أن تكون سببًا في جمع قلبيكما، واستعن بمن له معرفة عميقة بأمِّك من الأقارب، كأخواتها مثلاً أو صديقة تحبُّها، كي يناقشوا هذا الأمر مع أمِّك.
خامسًا: قلِّص مساحات الاختلاف.
وذلك بإبراز الجوانب الإيجابية، وإعطاء الجوانب السلبية حجمها، لا أن تأخذ حجما أكبر من حجمها، واحرص على البدء بسلوكيَّات جديدة راقية بين أمِّك وأهل زوجتك، واحذروا من نبش الماضي، والتَّفتيش في المشكلات السَّابقة، بل ابدؤوا بداية جديدة، وتناسوا ما مضى.
نسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير والصلاح، وأن يرزقنا وإياك الحياة السَّعيدة الهانئة.