في حوار مطول مع الناشط السياسي والإعلامي الأحوازي عادل السويدي، أجاب في حلقته الأولى عن عديد من الأسئلة الخاصة بالتعريف بتركيبة إيران الداخلية، وتحدث عن مكوناتها الإثنية، وأحجامها، وعن طبيعة هذا البلد غير المتماسكة..
وفي الحلقة الثانية، تحدث عن الفارق بين جهود البلوش والأحواز ضد إيران ومدى اختلافاتها، وتحدث عن فكرة توطين القوميات في مناطق الأحواز، وعن العلاقات الأمريكية الإيرانية..
وفي الحلقة الثالثة، يتحدث عن إيران من الداخل ومسألة الإعلام الإيراني..
نص الحوار:
- هل تتوقَّعون الاستمرار في سياسة تصدير الثَّورة، سواءً على الجانب الأيديولوجيِّ، أو الجانب الثَّقافيِّ النَّخبويِّ الإعلاميِّ، أو السِّياسيِّ ؟.
الآن هي في حالة تراجع، فبعد غزو العراق تصاعدت سياسة تصدير الثَّورة، ووصلت لأماكن بعيدة جدًا، وهذا الأمر أخطر من المفاعل النَّوويِّ الإيرانيِّ، لأنَّه مفاعل طائفيٌّ فارسيٌّ، وقد بدأ ينحسر هذا النَّشاط خلال السَّنوات الماضية، فتفجير أي ورقة يدلُّ على أنَّها آخر مرحلة لهذه الورقة، وما تمَّ تفجيره في اليمن (وسوريا).. الخ، والمشروع الطَّائفيُّ الإيرانيُّ صار حديث الشَّارع، ولم يكن بهذا الشَّكل من قبل أبدًا، فالمشروع الطَّائفيُّ الإيرانيُّ في تراجع واضح.
- لكن يلاحظ المشاهد العربيُّ تزايدًا سرطانيًا للقنوات الفضائية الشِّيعيَّة، كيف تتابعون هذا الموضوع ؟.
تزايد الفضائيَّات دليل واضح على أنَّ المشروع في حالة تراجع، فهم الآن يحاولون تجميل صورتهم، ونشر فكرتهم بأبهى حلَّة، والعزف على وتر التَّقارب وغيره، لتحقيق مآربهم في تصدير الثَّورة، ولكن! نشاطهم هذا سبَّب في المقابل صحوة كبيرة، وحديثًا غير مسبوق عن التَّمدُّد الطَّائفيِّ الشِّيعيِّ ومشروعهم.
- هل صحيح أنَّ الفرس يزدادون تمسُّكًا بالزرادشتية ؟.
صحيح، بكل تأكيد ازداد الفرس تمسُّكًا بالزرادشتية.
- على الرَّغم من انتشار تجارة المخدِّرات، والحشيش، والدَّعارة، والتَّفلُّت من الدِّين ككل، حتَّى على مستوى الصَّلاة، وصلت النِّسبة لما يقارب70 %، ينتشر بشكل كبير جدًا في إيران، لكن! ما زالت سلطة الملالي قويَّة، وما زال النِّظام الدِّيني يسيطر على مختلف مجالات الحياة، كيف يحصل هذا التَّناغم على الرَّغم من التَّناقض ؟.
أولاً: المتعة تعتبر دينًا في مذهب الشِّيعة، وبالتَّالي فهم يمارسونها دينًا لا خطيئة، حتَّى صارت المتعة يمكن أن تكون لمدَّة عشر دقائق، ويعتبرونها حلًا مثاليًا لمشكلة العنوسة، ويروِّجون تبريرات كثيرة لمسألة المتعة، في فضائيَّاتهم وقنواتهم، وفي الوقت ذاته يُعْمُون أبصارهم عن المصائب التي تسبِّبها المتعة، وما خلَّفته في المجتمع الإيرانيِّ.
ثانيًا: المخدِّرات، فهي ثقافة عند الفرس، منذ مايزيد عن مائتي عام، وأصبح الآن الحشيش الذي يسمُّونه: ترياك، وثورة الحشاشين خير مثال على جذور هذا البلاء عندهم، وقد روَّجوا لهذه الثَّقافة في أوطان عربيَّة، وخصوصًا دول الخليج، فهي مستهدفة بتجارة المخدرات لتضييع الشَّباب وتفكيك المجتمع، وكذلك في سوريَّة، ينشرون هذا في أوساط الجيش الذي يدار من قبل إيران، ويغرقون الأفراد بالحشيش ليصبح تابعًا لا يدري ماذا يصنع ؟!، ولا يفقه شيئًا إلا تنفيذ الأوامر، وهكذا بقيَّة المشاكل التي تنتشر في المجتمع الإيرانيِّ، فالفرس أنفسهم يعلمون يقينًا بأنَّ المشروع الفارسيَّ في تراجع في الدَّاخل الإيرانيِّ، فهناك ضعف حقيقيٌّ عند النِّظام، والثَّورة تتراجع في السِّنين الأخيرة، ولكن! في ذات الوقت تصل دعوتهم إلى أماكن لم تصلها سابقًا، في دول لا تعرف عن الإسلام شيئًا كثيراً، وتجد أنَّ بعض القنوات تساهم في تلميع صورة إيران، فهذا له أثر في المجتمع العربيِّ، لأنَّ الإعلام هو من يصوغ الأفكار، فبسبب كره الشُّعوب العربيَّة لأمريكا، تظهر إيران وكأنَّها قائدة النِّضال ضدَّ أمريكا، وقد وصل التَّأثير لكثير من رموز السُّنَّة وأبنائهم، وفي طهران توجد مؤسَّسات كبيرة تستهدف هذه الشَّريحة من الزُّوار الذين يفدون إلى إيران من الرموز، فيتصرفون معه بحكمة، واحترام زائد، وكانوا يأخذونهم إلى جنوب لبنان، ويرينهم نشاط الحرس الثَّوريِّ، والقتال ضدَّ الصَّهاينة، ممَّا يولِّد لك شعورًا بأنَّ هؤلاء هم المجاهدون الحق، ويعزفون على هذا الوتر، فيتم خداع النَّاس، كما أنَّ هذه المؤسَّسات تستهدف الطَّلبة الذين يدرسون في إيران، فيقدِّمون لهم كلَّ التَّسهيلات والمنح وغيرها، لكسب ولائهم، وخذ مثالًا على الحوثيين في اليمن، فقد استُهدفوا من قبل هذه المؤسَّسات، وعملوا لهم غسيل دماغ، وضحكوا عليهم بشعارات الثَّورة، والجهاد ضدَّ أمريكا وإسرائيل، فإذا به يعود ليشكِّل جيبًا مسلحًا يقوم بإثارة الفتنة في اليمن، ويقتل إخوانه اليمنيين في معارك دامية، فهو مرتزق إيرانيٌّ من حيث يشعر أو لا يشعر، وهذا البرنامج ولله الحمد قد تمَّ كشفه، ويتمُّ التَّعامل معه عربيًا.
كما أنَّه بالإضافة لكلِّ هذا، فهناك ما يصل إلى 70 قناة فضائيَّة، تعلِّم النَّاس العقيدة الشِّيعيَّة، وتنقل التَّوجُّهات الإيرانيَّة للنَّاس، والذين يقومون على هذه القنوات في الغالب هم قوم عقائديُّون؛ يعملون بكلِّ جهدهم لترويج وتصدير الثَّورة، بينما العالم العربيُّ، لا يوجد سوى بعض القنوات القليلة التي تردُّ على هذا الكم الهائل من القنوات الشِّيعيَّة، كالمستقلة وصفا، وكلُّها حوالي عشر قنوات، فالمشكلة أنَّه ليست إيران هي القويَّة، بل نحن الضُّعفاء، فاستطاعت التَّفوُّق علينا، ولو بذلت الدُّول العربيَّة، والدُّول الخليجيَّة على وجه الخصوص، شيئًا من الدَّعم لهذا الموضوع لانقلبت الموازين تمامًا.
- الولايات المتَّحدة-كما قلتم في لقاء سابق- ورثت بريطانيا، وللولايات المتَّحدة وجود كبير في منطقة الخليج، فمقرُّ الأسطول السَّادس موجود في إحدى الدُّول العربيَّة، وأكبر القواعد موجودة هناك، وهناك اتِّفاقيَّات أمنيَّة بين واشنطن وعواصم هذه الدُّول، وهذه الاتِّفاقيَّات تمثِّل نوعًا من التَّوازن الاستراتيجيِّ بين إيران، وأمريكا، وهذه الحماية الافتراضيَّة ليست احتلالًا، فإذا كانت بريطانيا قد تخلَّت عن الأحواز في لحظة ما، فهل من الممكن أن تتخلَّى الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة عن الطَّرف الشَّرقيِّ أو بعض الغربيِّ من الخليج ؟. خصوصًا أنَّه تحدث الآن اضطرابات في بعض الدُّول الخليجيَّة تحركها إيران ولا نسمع أيَّ إدانة أو استنكار أمريكيٍّ لها ؟.
بريطانيا ربَّما كانت أكثر حكمة من أمريكا في التَّصرُّف، وأكثر وعيًا وإدراكًا، كما لا ننسى أن هناك صراعًا خفيًا بين بريطانيا وأمريكا باعتبارها كانت إمبراطوريَّة في يوم ما، لذا فمن صالح بريطانيا أن تسقط أمريكا كما وقعت في العراق، وهذه الوقيعة أنا برأيي بأن بريطانيا تفكِّر في أن لها مصالح فيما بعد.
أمريكا دخلت في المعركة في النِّصف الأوَّل من القرن العشرين، كانت أذكى من كلِّ الدُّول، فكانت آخر من يدخل المعارك بنفس جديد، وقادر على أن يفرض إرادته فيما بعد، أعتقد أن ذات الآليَّة تستفيد منها بريطانيا حاليًا، فهي ترسل قوات أقل.
- كان من أسباب انهيار قوَّة المحور أمام التَّحالف في الحرب العالميَّة الثَّانية، توسُّع هتلر ودخوله في دول كثيرة، والآن توسَّعت إيران في دخول دول كثيرة عبر المال، وليس عسكريًا، فوزَّعت شيئاً من استثماراتها واقتصادها في تصدير الثَّورة، وفي شراء النُّخبة، وفي الفضائيَّات الكثيرة، التي ربَّما لا يقوى الخليج العربيُّ على منافستها في هذا الكم الهائل من الفضائيَّات التَّسويقيَّة الأيديولوجيَّة لها، هل تتوقَّعون تكرار ما حدث مع هتلر في توسُّعه أن يحدث مع إيران ؟. فيكون توسُّعها وتمدُّدها في كلِّ مكان في اليمن ولبنان ودول الخليج وغيرها وحتَّى المغرب العربي واندونيسيا وغانا وبالًا عليها ؟.
إيران فشلت في المغرب العربيِّ، وقد قطعت المغرب العلاقة وطردت السَّفير.
- لا أتحدَّث عن نجاح، وإنَّما أتحدَّث عن أنَّها تنفق وتشتري نخباً.
السُّويديُّ: أرى أنَّها ستبقى على هذا الحال.
- هل أفادها العراق اقتصاديًا في القيام بتوسُّعاتها ؟.
هذا المحوِّر مهمٌّ جدًا لتحليل إيران، فبخروج الأمريكان من العراق، العسكريَّة انتهت، لكن! التَّاريخ يثبت أنَّ العراق ربَّما يخسر، لكنَّه في النِّهاية يتغلَّب على إيران، فقد تمَّت تصفية علماء العراق، والجيش العراقي، والقوى القوميَّة العراقيَّة العروبيَّة، فمسألة عروبة العراق يحاولون إنهاءها، وكان حلف بغداد يحاول أن يحقِّق هذا، ولكنَّه فشل مسعاهم في ذلك، فالذي أراه أنَّ إيران تريد أن تكرِّس لها واقعًا على أرض العراق، قبل أن يستعيد العراق عافيته، وكلُّ الخلاف الأمريكيِّ والإيرانيِّ هو حول هذه النُّقطة، ولكن! العراق سينهي كلَّ هذه التَّفاصيل التي ستقطع وترجع لمكانها، فمصلحة إيران العليا أن تبق في العراق، ولو اضطرها هذا الأمر للتَّحالف مع الصَّهاينة، أو الأمريكان، أو أيِّ شيطان أكبر، لأنَّ نقطة ضعفها تكمن في العراق، وإيران في حالة تراجع، فالخلافات تضرب كلَّ مفاصل الدَّولة، وحتَّى رئيس الدَّولة أحمدي نجاد، ليس له شرعيَّة عالميَّة، وأعتقد أنَّهم يتَّبعون مع إيران النَّموذج الذي اتَّبعوه مع العثمانيين، فهم أرادوا أن تسقط الإمبراطوريَّة مرَّة واحدة، لكن! تسقط بالزَّمن والتَّرتيب الذي ترتِّبه بريطانيا وأمريكا.