الدعوة لحرب أهلية في مصر!
20 رجب 1434
خالد مصطفى

لم يخمد بعد حريق حل أول برلمان مصري منتخب بنزاهة في تاريخ البلاد, الذي جاء بطريقة سريعة لم تعهدها القضايا المماثلة التي عرضت على نفس المحكمة في عهود القمع والتزوير, حتى فجرت المحكمة حريقا جديدا بطلبها أن يقوم أفراد الجيش والشرطة بالتصويت في الانتخابات القادمة بدعوى أن نصوص الدستور تسمح بذلك..

 

لقد جاء طلب المحكمة ليثير العديد من التساؤلات حول نوايا المحكمة الدستورية تجاه الثورة وتجاه الإسلاميين وتجاه مستقبل البلاد ككل..

 

المحكمة ظلت على حالها منذ عهد مبارك ولم تشهد سوى خروج بعض أعضائها إثر تخفيض عددهم في الدستور الجديد لكن نفس الأعضاء الذين عينهم مبارك هم من يديرون المحكمة منذ اندلاع الثورة ويحددون صحة القوانين والقرارات الحكومية بل والصادرة من البرلمان المنتخب وهو وضع يثير الدهشة كيف لبرلمان منتخب أن تتحكم فيه محكمة مختارة من نظام قام الشعب عليه بثورة أسقطته؟! لقد طالب شباب الثورة بحلها في البداية إلا أن المجلس العسكري الذي أراد الحفاظ على جوهر نظام مبارك مع بعض التعديلات تمسك بها ولم يفطن الثوار في هذا الوقت لخطورة وجود سلطة فوقية تسعى لإعادتهم كل مرة يتقدمون فيها للخلف..

 

لقد تفرقت السبل بالثوار وانقسموا فيما بينهم وأصبح من كان يريد حلها يدافع عنها أشد الدفاع لا لشيء سوى لأنها تقف ضد النظام الحاكم والذي ينتمي للتيار الإسلامي..لقد تحالف فلول نظام مبارك الذين قامت الثورة لتخليص البلاد من شرهم وفسادهم مع أدعياء الثورة من العلمانيين المتطرفين لكي يضعوا المحكمة الدستورية خنجرا في صدر  الإسلاميين بل على الحقيقة خنجرا في صدر الوطن الذي بدأت مكتسبات ثورته تتلاشى واحدة بعد الأخرى ..لم تكتف المحكمة الدستورية بحل البرلمان ومحاولة حل جميع الهيئات المنتخبة بعد الثورة لجعل البلاد في مهب الريح وتسهيل الفرصة للانقضاض على الحكم من التحالف "الثوري" ـ الفلولي الجديد ولكن قامت أيضا بتوريط الجيش في السياسة انتقاما منه لرفضه الانقلاب على الشرعية الحالية في البلاد وهو ما يؤكد أنها تعمل لصالح أطراف سياسية بعينها وهو ما ينزع عنها الحيادية المطلوبة في مثل هذه الأمور..الجيش نفسه رفض هذه المحاولة للزج به في الصراع السياسي وأكد أنه سيظل بعيدا عن السياسة ودروبها وسيستمر في حماية الوطن من الأعداء...

 

البلاد التي تعيش حالة حادة من الاستقطاب والتنافر والاختلاف يراد من الجيش أن يحدد موقفه ونرى من يؤيد النظام ومن يعارضه فهل هي دعوة لحرب أهلية؟! ماذا تتوقع المحكمة الدستورية جراء هذا المطلب الغريب الذي أثار ضجيجا شديدا في البلاد؟! إن المحكمة الدستورية تعلم جيدا أن التيار الإسلامي منع طوال أكثر من 50 عاما من دخول الجيش والشرطة بل حتى المتدينيين من أبناء الشعب الغير منتمين لأية تيارات إسلامية كان ينظر لهم بريبة ويتم رفضهم أيضا, وإذا دخلوا على سبيل الخطأ يتم عزلهم سريعا, أضف إلى ذلك أن الأفكار التي تربى عليها عناصر الجيش والشرطة طوال عهود عبد الناصر والسادات ومبارك تحمل عداء شديدا للتيارات الإسلامية وتعتبرها تيارات "إرهابية متطرفة" فهل تريد المحكمة إضافة ملايين الأصوات هدية للتيارات العلمانية سيرا على مبدأها "الحيادي المعروف" بعد أن أثبتت جميع الانتخابات الماضية ضعف شعبيتهم؟!

 

لقد كان الجيش حاميا للشعب في ثورته وهتف الثوار في الميادين "الجيش والشعب يدا واحدة", ورفض أن يطلق رصاصة واحدة ضد الشعب الثائر فهل يراد الآن أن تتحول مصر إلى ليبيا أو سوريا حتى يرضى العلمانيون المتطرفون؟! لقد غفلت المحكمة الدستورية عما جاء في ديباجة الدستور ''ثامنا": الدفاع عن الوطن شرف وواجب وقواتها المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل في الشأن السياسي وهي درع البلاد الواقي'' وقررت أن تحرق الجيش بنارها.