السؤال
أنا متزوجة منذ ثماني سنوات، كنت أعيش حياة مستقرة لا بأس بها، ولكن منذ ما يقارب من أربع سنوات، ومع بداية تعيني كممرضة، بدأت المشاكل تكبر بيني وبين زوجي، ذهبت إلى بيت أهلي أكثر من مرة، المرة الأولى كانت بسبب عصبية زوجي وقيامه بتكسير الرسيفر أمام ولدي، والمرة الثانية أصيب ابني بحادث اصطدام بدراجة وهو في الشارع، وحمَّلني وأهلي المسؤولية، وقام بافتعال المشاكل في المستشفى، والمرة الثالثة ضيق علي الخناق في الخروج، حتى إلى فناء المنزل، وقام باتهامي في أخلاقي، وتهديدي بقتل ولدي، وفي المرة الرابعة كنت حامل بابني الثاني، واكتشفت حينها أنه مدمن للحبوب المخدرة، صارحني هو بذلك، وطلب مني الوقوف بجانبه من أجل العلاج، لكنه كان غير مسئول نهائياً، وولدت ولم يعرني أي اهتمام، وأنا عند أهلي فترة ولادتي، ولم يهتم بدوام ومستقبل ابنه وغيابه الكثير، لدرجة أنَّه ذات مرة ترك ابنه في مدرسته البعيدة، مع العلم بأنَّه في نفس المدرسة التي يعمل بها، وزادت أخطاؤه، فخرجت من البيت، وقمت بإخبار أهلي بأنَّه مدمن، وبعد فترة ستة أشهر عاد، ومعه تقرير من طبيب نفسي بأنَّه تعالج من الإدمان في عيادته الخاصة، وكتب على نفسه إقرار بعدم العودة للإدمان، واشترطت عليه الخروج من منزلي الذي عند أهله، ويستأجر لي منزلاً خارج قريتهم، لأبعده عن أهله المنحازين له، وعن رفقاء السوء، وسكنا في شقة مستأجرة، وكان يخبرني أنَّه يريد وِقفتي بجانبه، وأنَّ مرضه النَّفسي هو الذي يجعله يعود للإدمان، وأنَّه مصاب بالسِّحر، جلست مدة شهرين فقط، ندمت فيها أنَّني وثقت به، وفي يوم وأنا في فترة دوامي الصَّباحي، أصيب ابني بكسر في جنبه، إثر سقوطه من فوق الدُّولاب، وهو عند أهلي، لم يتصرف بحكمة، وقام بالصُّراخ عليَّ في السَّيارة أمام ولدي، وحمَّلني وأهلي المسؤولية، وقام بتكسير الجوال الذي في يده، ومنعني في المستشفى من الوقوف مع ولدي، تحمَّلت وقلت لحظة غضب، وعند صعودنا إلى السَّيارة، اكتشفت أنَّه لا يريد الذَّهاب بي إلى بيتنا، بل فضَّل الذَّهاب إلى قرية أهله فرفضت، كان يريد أن يرميني في المستشفى، لولا تدخل ولدي الذي لا يتجاوز عمره سبعة أعوام، فرماني في شقتنا، ورفض أن يذهب بي إلى بيت أهلي، حيث ابني الرَّضيع في رعايتهم، حينها جاء إخوتي وأخذوني بعد أربعة أيام، وأحضرته بنفسي، وقررت رفع قضيه عليه في المحكمة، لأنَّني مللت من تصرفاته.
أرجوكم هل أنا على صواب.
الجواب
الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين...
أختي الفاضلة: بداية أرحب بكِ أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكركِ على ثقتكِ، بموقع المسلم، ومتابعتكِ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.
أختي الفاضلة: ذكرتِ في معرض حديثك طرفا من طباع زوجك، كالعصبية المفرطة، واللامسؤولية، وقلة احترامه لك، وإدمانه المخدرات، وفصَّلْتِ في ذكر بعض الأحداث التي وقعت بينكما وطريقة المعالجة الخاطئة التي كان يقوم بها زوجك، ولعلَّنا في ما يلي نبين لك بعض الخطوات التي نسأل الله أن تكون نبراسًا ترشدك للطريقة السليمة – إن شاء الله - للتعامل مع هذه المشاكل الزوجية:
أولاً: كوني له عونًا على تركه الإدمان، ولا تكوني عونا للإدمان عليه.
ففي معرض حديثكِ ذكرت أنك لاحظت التغيرات التي طرأت على زوجكِ بعد مدة من تعاطيه للمخدرات، وهذه بداية المشكلة، فكثيراً ما يبدأ الإدمان، ويستمر ويتواصل ويتفاقم، والزوجة لا تنتبه إلى التَّغيرات التي قد طرأت على زوجها، من نحول، وهزال، وإهمال في العمل، وإهمال في الواجبات العائلية والاجتماعية، وعدم الاكتراث بالأطفال، وما يحدث في البيت، وإذا ما أدركت الزوجة وأحسَّت بتعاطي زوجها لهذه الحبوب المخدرة، فإن أسوأ تصرف تقوم به هو أن تكون عينًا رقيبًا على زوجها، تراقب حركاته وسكناته، وتواصل سيل المواعظ على أذنيه صباح مساء، والتَّصرُّف الأمثل هو زيادة الاهتمام بالزَّوج وإظهار العطف والحنان، ليشعر بأنَّك قادرة على تفهم الورطة التي وقع بها، وبالتَّالي يشعر بأنَّ هناك يدًا ستكون عونًا له لانتشاله من مستنقع الإدمان، وفي ذات الوقت يلزمك أن تتفهمي طبيعة الشَّخص المدمن، ولعلي أقدم لك نظرة سريعة لما عليك فعله.
فبعد تفهم حالة زوجك وعزمك على أن تكوني له عونا في محنته، لا بد من المصارحة بين الزَّوجين، إذ إنَّ المدمن يحتاج لمساعدة طبية ونفسية، ويجب الحذر في هذه المرحلة من أساليب التَّهديد كترك البيت، أو إثارة الأطفال على والدهم، وعند البدء بالعلاج فدورك يا أخيَّة مهم جدًا في هذه المرحلة، وهو الدَّعم والمؤازرة والتَّشجيع حتَّى تنتهي المرحلة الأولى من العلاج فيها، يتخلص الجسم من السُّموم وآثار الإدمان الجسدية والنفسية والعقلية والعصبية، ثم تبدأ المرحلة الثانية من العلاج، وفي هذه المرحلة لا بد أن تتفهمي آثار الإدمان واشتياق المدمن للمادة التي تركها، إضافة لشعوره بالكآبة التي تزداد في هذه المرحلة. مرحلة الفطام، التي تتراوح ما بين أسبوعين إلى ستة أسابيع، وفي المرحلة التالية للعلاج فإنَّ الزوجة مطالبة بتفهم آثار الإدمان، واشتياق المدمن للمادة التي تركها، وحالات الكآبة التي يمر بها، وأحس من خلال حديثك أنَّك زوجة واعية متفهِّمة، وهذا من أكبر أسباب نجاح العلاج.
وبعد العلاج، فالمدمن يحتاج ما بين ستة أشهر إلى عدة سنوات، حتى يعود لكامل صحته النفسية والصحية، وذلك بحسب غرقه في هذا المستنقع، وخلال هذه الفترة فإن التعاون والتآزر وإظهار المودة وتبادل الحب، إضافة لعمل البرامج الرياضية، والجو الإيماني الروحاني، لكل ما سبق أعظم الأثر في تثبيت المدمن على طريق الهدى والتَّخلص من هذا البلاء.
ولكن ألفت نظرك لأمر مهم جدًا؛ فإني أنصحكِ بالسعي الجادِّ للتواصُل مع أحد الأماكن المتخصصة في علاج الإدمان، وعدم الاكتفاء بالجهود الذاتية؛ فلديهم سُبُلُ علاج وبرامجُ عملية متخصِّصة، ولديهم من المُخْتَصِّين النفسيين وما يحتاجه إلى التواصُل كلُّ مَن يبتغي الخلاص مِن هذا الداء العُضال.
ولك أن تعلمي أخيتي أن مرور الزوجين بهذه التجربة الصعبة ثم خروجهم منها بسلام، هي تجربة فريدة تلقي بظلالها على بقية حياتهما، فالزوج سيقدر لزوجته وقوفها بجواره طوال هذه المدة، وهذا حرِيٌّ أن يدفعه لتلبية متطلبات زوجته ومبادلتها المشاعر والعواطف. بهذا يتبن لك أخيتي عظم الدور الذي تلعبه الزوجة لإعانة زوجها على الخلاص من هذا المستنقع الآسن، فأرجو التمعن الجيد بكل التفاصيل التي بينتها لك آنفًا، حتى تعلمي عظم المسؤولية الملقاة على عاتقك، أسأل الله أن يوفقك ويسددك، وأن يكتب لك الأجر والثواب على صبرك.
ثانيا:كيفية التَّعامل مع سلوكه الغريب.
فلا بدَّ بداية أن تعلمي أن معظم المدمنين يكونون تحت تأثير المخدر غالب الوقت، وبسبب هذا يهملون أعمالهم وعائلاتهم وزوجاتهم بل وحتى صحتهم، ويتهربون من مسؤولياتهم، ويصبح كل همهم الحصول على المزيد من الجرعات، ولأجل هذا يكون سلوكه غريبا سريع الغضب غريب الأطوار، غير منضبط التصرفات. فلا بد أن تضعي هذا في ذهنك جيدًا، حتى تتقبلي الواقع الذي هو فيه، فكوني على تواصل دقيق مع الطَّبيب النفسي الذي سيشرف على حالته أثناء معالجته للتَّخلص من الإدمان، واتبعي إرشاداته التي يوجهك إليها.
ثالثًا: البيئة الصَّالحة.
لا بد من استبدال الرِّفقة السيئة برفقة صالحة، فاطلبي من أحد إخوتك أن يتواصل مع إمام المسجد –مثلاً- ليتعاهده بالزيارة والموعظة الحسنة. وذكريه بين الحين والآخر بلسان الحب والعطف عن حالك وحال أولادك، وكيف سيكون إذا أقلع عن إدمانه، فهذا سيكون له دافعًا –إن شاء الله- ليقلع عن هذا البلاء.
رابعًا: هل يحق لك طلب الطلاق؟.
لا يخفى عليك أن الخمور والمسكرات والمخدرات محرمة بكافة أنواعها ومسمياتها، حيث يقول ربنا تبارك وتعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون).
ولكن لا بد أن تتوضح لك أخيتي النَّاحية الشَّرعية جيدًا وتفصيلها كالتَّالي: الأصل أنَّه لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا إذا وجد سبب لذلك، قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) رواه أحمد (21874) وأبو داود (2226) والترمذي (1187) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2035).
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ) أي: من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة. قال الحافظ بن حجر رحمه الله في فتح الباري:
"الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها، محمولة على إذا لم يكن بسبب يقتضي ذلك، لحديث ثوبان..... ثم ذكر الحديث المتقدم" انتهى. ولا شك أن إدمان الرجل تناول المخدرات نقص كبير، يضر المرأة في دينها ودنياها، فإنَّه لا يؤمن أن يدخل عليها زوجها وهو سكران فيضربها أو يشتمها، وقد يطلب منها في ذلك الوقت فعل ما لا يجوز لها فعله. ومثل هذا يعتبر عذراً يبيح للمرأة أن تطلب الطلاق، لكن الذي ينبغي للمرأة أن تصبر على زوجها، وتحاول إصلاحه بقدر ما تستطيع، فإن عجزت عن ذلك، ووجدت أن الإقامة معه تضرها، فلا حرج عليها حينئذ في طلب الطلاق.
وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ما حكم طلب المرأة للطلاق من زوجها الذي يستعمل المخدرات؟ وما حكم بقائها معه؟ علماً بأنَّه لا يوجد أحد يعولها وأولادها سواه.
فأجاب:
"طلب المرأة من زوجها المدمن على المخدرات الطلاق جائز، لأن حال زوجها غير مرضية، وفي هذه الحال إذا طلبت منه الطلاق فإن الأولاد يتبعونها إذا كانوا دون سبع سنين، ويلزم الوالد بالإنفاق عليهم، وإذا أمكن بقاؤها معه لتصلح من حاله بالنصيحة فهذا خير" انتهى."فتاوى المرأة المسلمة" (2/745، 746).(نقلا عن فتوى الشيخ محمد صالح المنجد).
ولكن نصيحتي لك يا أخية: لا تتعجلي في أمر الطلاق، واعلمي أنَّك لن تجدي رجلاً بلا عيوب، كما أنَّك لست خالية من العيوب، وحاولي تذكر ما فيه من الإيجابيات -ولو كانت قليلة- ثم ضخِّميها، واتخذيها مدخلاً إلى قلبه، واعملي على إصلاحه بكل ما تستطيعين، وامنحيه فرصة أخرى خصوصًا إن رأيتِ منه عزمًا أكيدًا على الإقلاع عن المخدرات، خصوصًا وقد أكرمكما الله بالذرية.
خامسا: تسلحي بالدُّعاء.
الدُّعاء من أقوى وأنجع السُّبل لعلاج ما يستعصي علينا من مشكلات، وبه يُزيل الله كرباتٍ لم تكن لِتُزال، ولكن الله - تعالى - لا يُعجِزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وكان عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "إنِّي لا أحمل همَّ الإجابة، ولكن أحمل همَّ الدُّعاء، فإذا أُلهِمتُ الدعاء فإن الإجابة معه"؛ وذلك لثِقته - رضي الله عنه - في الله، وفي إجابة الدعاء، فلا تَيأسي من الدعاء، واعلمي أنَّ الفرج فيه، وأنَّك تَدعِين سميعًا مجيبًا قديرًا، والله - تعالى - يقول: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}النمل: 62.
وعليك بتحرِّي أوقات الإجابة، والتحلِّي بآداب الدعاء، فأكثري من الدعاء بظهر الغيب، وانطرحي بين يدي الله سبحانه وتعالى، واسأليه أن يوجه قلبك للحق، فهو سبحانه وتعالى الركن الشديد الذي تأوين إليه. نوَّر الله قلبك، وسدد خطاك، ورزقنا وإياك حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى.