8 ذو القعدة 1435

السؤال

السلام عليكم.. أرجو إبداء رأيكم، والدعاء لي، ولكم الأجر والثواب.. أنا متزوجة منذ 8 أشهر، وحامل في الشهر السابع، تزوجت بعد مساعدتي لزوجي في مصاريف الزواج، وأهله لم يشاركونا بشيء، تزوجت ويعيش معنا أبوه وأمه، وقد عانيت كثيراً، وحصلت مشاكل كثيرة. غضبت لمدة شهر، وأرجعني، كان لا يقبل أن أزور أهلي في مرضي لكي أرتاح، لكنه فهم أخطاءه، واعترف بها وبكى، ورجعنا منذ شهرين تقريباً.
المشكلة الآن أنني أردت الذهاب إلى أهلي للراحة، لأن والدته لا ترحم، والحمل متعب، وبعد رجوعي من الدوام يجب أن أقوم بالواجبات المنزلية، أشكو له حالي وأبكي. غرفتي لا يوجد فيها تكييف، فأضطر للنزول للنوم في غرفة الاستقبال، التي هي بدون باب، التكييف لا يضعه في الغرفة بحجة عدم وجود حداد!، وأنا مستعدة للصبر.
أتيت للراحة في بيت أهلي، لمدة ثلاثة أيام، وبموافقته، اتصلت عليه يوم الخميس، وقلت له سأبقى للراحة في بيت أهلي، إلى أن تجد حلاً لمكاني، كي أستطيع أن أنام، قلت ذلك متذمرة، لأني لا أجد إلا التعب والإرهاق بجانب أمه، طلب مني غلق الموضوع والهاتف، فبدأت بالصراخ والبكاء، فأغلق التلفون بوجهي، أخبرته برسالة أني لا أريد سماع صوته بعد الآن.
في الليل اتصلت عليه فلم يرد إلا بعد عده اتصالات، وأخبرني أنه لا يريد امرأة تذكر أهله حتى وإن أتعبوها، إلا إذا ضربتك أو شتمتك أمي، عندها سأدافع عنك، ولم أجد حلاً لكي نكون بمنزل بمفردنا، وأكف عن الصراخ، علما أنني أنا وهو متفقان، وهو يقبل كوني عصبية، وأنا لا أقرر البقاء عند أهلي بمزاجي، بل هو الذي يقرر.
قلت له لا أستطيع فأنا متعبة جدًا من أهله، ومن وضعنا، فرد علي قائلا: لماذا تزوجت إذن؟، الزواج متعب، افعلي ما تريدين، يقصد أنه لا يهتم إن تركته وتطلقنا، فهو لا يريد زوجه لا تتحمل، وأغلقت الهاتف، واتصلت به في اليوم التالي، وكالعادة عناد وتذمر، ويقول: "إن كان يعجبك أهلاً وسهلاً، وإن كان لا يعجبك فما تريدين فافعلي".
هددته بالطلاق، وأمي تعصبت عليه وشتمته، ولكن في الليل اتصلت وبهدوء، لكن لا أمل، يكلمني ببرود واستفزاز وتأمر. أخوه حاليا بمشكلة في السجن، قلت لعل السبب أن أعصابه تعبانه، أرسلت وأخبرته: سأسلم عليك في الدوام (لأننا نتشارك في مكان العمل) ولن أجعل أحدًا يعلم بغضبنا، فلم يرد، حلفته أن يرد، لكن دون جدوى.
اتصلت اليوم صباحًا بوالدته، لأطمئن على حالها، وحال ابنها بسبب مشكله السجن، وأخبرتها بأني مريضة وسأفقد الطفل إن لم أسترح، فأقنعي ابنك بأن أبقى عند أهلي، ردت بهدوء ولا مبالاة، وهذا ما تعودت عليه منها، ففي الخراب سريعة الرد، وفي الصلح تصبح باردة، حسبي الله ونعم الوكيل فيها.
اتصلت به أمي، وبعد تكرار الاتصال، رد وأخبرها أنه كان يظن أنني التي أطلبه فلم يرد. طلبت منه أمي معرفه أسباب المشكلة، فقال لها لا أريد الصراخ من قبلها، وأن تأتي للبيت وتعمل، وأنا أداريها، فهي ليست حرة التصرف (كأنه اشتراني)، سبق وأن أتيت وقبلت الأيادي لكي ترجعوها لي، والآن أريدها أن تأتي وتعتذر، وترجع لي، ولا تذكر أهلي، وتتحمل عذابهم. غضبت أمي وطالبت بأغراضي، فقال لها سأتفرغ غدا أو بعد غد، وتعالوا لأخذ الأغراض والملابس.
الآن أنا حزينة، أنا أعرف أنه يحبني، لكنه عنيد جدًا، يحس إني أعلى منه، ويعتبرني متعالية عليه، يهددني دومًا بأنه سيعيد تربيتي لأنه يعتبرني مدللة جداً، مع العلم أني أساعده في المصاريف، بالأحرى أنا أصرف على حالي، ولا أطلب إلا أن يحترمني وأن يجعلني ارتاح عند أهلي، لكنه يرفض ذلك، لأنه يريد أن أكون خادمة لأمه وأبيه!
فماذا أفعل؟، هو لا يرد على اتصالي، قررت عدم الاتصال به بعد الآن، وإن وصل بي الأمر إلى الطلاق، سأشكر الله تعالى وأحمده، لأن زوجي صعب المراس، أحبه كثيراً لكني متعبة في حياتي مع أهله، وهو يرفض أن يجعلني أسكن لوجدي... فما الحل برأيكم؟.. أرجو الرد.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أختنا الفضلى:
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر اللهُ لك ثقتك بإخوانِك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك– رغم طولها- أكثر من مرة، وباهتمام شديد؛ وأقول لك: لا تعتقدي أن هذه المشكلة خاصة بك وحدك، فهناك آلاف النساء مثلك، يشكون مما منه تشكين، فالمشكلة متكررة في الكثير من بيوتات المسلمين، لكن اسمحي لي بالوقوف معك عند بعض النقاط التي وردت في رسالتك:
1) تقولين أنكما متزوجين منذ 8 أشهر: وهو أمر يفسر لنا الكثير من المشكلة، ويضع أيدينا على بيت الداء، ألا وهو قلة العشرة، وحداثة المعرفة، نعم فغالبًا ما تكون السنة الأولى من الزواج حافلة بالكثير من المشكلات، والتي تكون في معظمها بسبب عدم معرفة كلاكما لطبائع الآخر، وسلوكياته، وما يحب وما يكره، فللأسف الشديد فإن فترة الخطوبة في الغالب لا تكشف خبايا الصفات، وعمق الأخلاقيات، فهي فترة قشرية، أو شكلية، الكل فيها يتجمل أمام الآخر، ويظهر أحسن ما لديه، ويخفي أقبح ما يتصف به، مثل: البخل والغضب والعصبية والتسرع و....إلخ. وهو أمر يزول شيئًا فشيئًا بالمعاشرة والعشرة والصبر والتحمل.
2- فهمت من سؤالك أنك ما زلت في العشرينات من عمرك: وهو مؤشر يعكس – في الغالب- نقص الخبرة، وقلة الحكمة، وعدم الحنكة في التعامل مع الأحداث والأمور المستجدة، وعدم القدرة على سرعة اكتشاف وتحليل المشهد الجديد الذي انتقلت إليه، وهو ما ستكتسبينه لا شك مع مرور الأيام.
وقد أوصت أمامة بنت الحارث الشيباني ابنتها ليلة زفافها، فقالت لها: أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لكِ، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل.. ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال.
أي بنية: إنك فارقت الجو الذي منه خرجتِ، وخلفتِ العش الذي فيه درجتِ، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه عليكِ رقيبا ومليكا، فكوني له أمة يكن لكِ عبداً وشيكا.. واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخراً.
أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة. وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع عينه وأذنه.. فلا تقع عينه منكِ على قبيح ولا يشم منكِ إلا أطيب ريح. وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه.. فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النائم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله.. وملاك الأمر في المال حسن التقدير ، وفي العيال حسن التدبير. وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً ولا تفشين له سراً.. فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره. ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.
أما عن الحلول، فإنني أستعين بالله، وأقول لك:
1- استعيني بالله من الشيطان الرجيم: ولا تجعلي للشيطان فرجٌ بينكما، ولا تجعلي له عليك سبيلا، واقتربي من الله عز وجل، بالحرص على أداء الصلوات في أوقاتها، والإكثار من ذكر الله عز وجل، ومن الاستغفار، من الدعاء والابتهال إلى الله بالتذلل والمسكنة، وسؤاله سبحانه أن يفتح بينك وبين زوجك بالحق وهو خير الفاتحين، وأن يصلح فساد بينكما، وأن يصرف عنكما شر شياطين الإنس والجن، إنه سبحانه رب ذلك والقادر عليه.
2- اجلسي مع نفسك: وصارحيها، واسألي نفسك بكل الصدق: هل تحبين زوجك حقًا؟، هل قبلت زواجه منك بالرضا أم أنه فرض عليك فرضًا دون رغبة منك؟، وهل تريدين أن تكملي العيش معه؟، هل أنت على استعداد أن يخرج ولدك للحياة يتيمًا بلا أب؟، هل... هل... إلخ... فإذا كانت إجاباتك بـ"نعم"، فالأمر إذن واضح وضوح الشمس في كبد السماء، اطلبي منه الطلاق، واتركي له ما يريد، وأنقذي نفسك منه. أما إن كانت إجاباتك بـ"لا"، فلابد عليك أن تتحملي خياراتك، ونتيجة قراراتك، فلتصبري ولتحتسبي، دون كلل ولا ملل، ولعل الله يصلحه لك ويصلحك له.
3- أما عن رعايتك لأبيه وأمه: فصحيح أن الشرع لا يلزمك إلزامًا بخدمتهما، لكن لك في رعايتهما الأجر الكبير من الله عز وجل في الدنيا والآخرة، ولك بذلك المكانة الكبيرة والمعزة الخاصة عند زوجك، وحتى تطيب نفسك لهذا الأمر تخيلي أن والدته أمك، وأن والده أبوك، فهل كنت تقبلين منه أن يعاملهما بما تعاملينهما الآن؟!، راجعي نفسك ابتغاء مرضاة الله,
4- من أكثر ما يعمق العلاقة بين الزوجين وقوف الزوجة مع زوجها وبجانبه في الشدائد والمحن التي يمر بها في حياته، فهو جميل لا ينسى لها، وموقف يظل محفورًا في قلب الزوج على طول السنين، لكن الزوج لا يحب أن يسمع زوجته تمن عليه بهذا الموقف، وتذكره للناس وأمام الناس، وكأنها تعايره، كبرياؤه يرفض هذا، وإياك أن تجرحي كبرياء زوجك، فأحرصي على إنكار جميلك عليه، ودعيه هو الذي يذكره.
5- امتنعي عن طلب الطلاق منه: ولو على سبيل التهديد، ولا تكثري من كلمة "طلقني"، لزوجك خاصة في ساعة الغضب، فإن الشيطان يكون من الغضبان أقرب، وإنها (هذه الكلمة) من أصعب الكلمات على الرجل خاصة إذا خرجت من لسان زوجته، فلا تستثيري غضبه، ولا تشعلي النار بداخله.
6- لا تدخلي أحدًا في الأمر بينكما: وإن كانت أمك أو أمه، فالكثير من حالات الطلاق التي وقعت كان السبب فيها الطرف الثالث، ولو تركت أمور الخلاف بين الزوجين لهما وحدهما لانحلت بابتسامة رقيقة، أو اعتذار لطيف، أو لمسة حانية، أو جلسة خاصة، ليلة يقضيانها معًا، أو فسحة لا يشاركهما فيها أحد.
7- وعلى زوجك أن يتق الله فيك: وأن يعرف أنك مازلت صغيرة، وأنك حديثة عهد بالزواج، وأنك في الحمل الأول وهو الأكثر مشقة على المرأة، وأنك بحاجة لحنانه وتدليله، وإشعارك بأنك الأحب إلى قلبه، والأغلى عنده، وأن يحاول جاهدًا أن يرفع عنك المشقة، وأن يخفف عنك الأعمال الثقيلة، وأن يعينك على بر أبيه وأمه، وأن يخفف عنك التعب والألم، وهذا هو خلق نبينا وهدي رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته وأزواجه.
وختامًا، أسأل الله العلي القدير أن يصلح فساد بينكما، وأن يصرف عنكم كيد الشيطان ومكره، وأن يقينا وإياكم الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يعلمنا وإياكم هدي السبل وسبل الهدي، وأن يرزقنا وإياكم الحكمة في القول والعمل... آمين. وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.