دعوة للشعب السوري أن ينصر الله..
19 رمضان 1434
د. أحمد بن فارس السلوم

سُنن الله الله عز وجل ثابتة لا تتغير، كما قال الله في محكم التنزيل: (ولن تجد لسنة الله تبديلاً).. وقال - سبحانه- : ( فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً)..
ومن هذه السنن العظيمة: أنَّ الله عز وجل لا ينصر عباده المؤمنين في قتالهم حتي ينصروه، فإذا بدؤوا بنصره وحققوا ذلك، أعقبهم سبحانه بالنصر، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)..

 

هذه الآية التي يحفظها غالب المسلمين ويكررونها كثيراً، أدعوهم اليوم للتأمل فيها، فنحن محتاجون إلى معرفة ما فيها من حكم وأحكام، لأننا محتاجون إلى ما فيها من نصر الله.
فقد أيقن الشعب السوري أن العالم خذلهم، فانقطعت آماله منهم، وتصرمت حباله معهم، ولم يبق له بعد أن أوصدت بوجهه كل الأبواب إلا أن يطرق باب الملك العلام، ولهذا الملك جلَّ جلاله سنة في خلقه لا يغيرها ولا يبدلها، فإذا أردتم النصر منه فاتبعوا الطريق الذي بين لكم في هذه الآية : (إن  تنصروا الله ينصركم)..(ولينصرن الله من ينصره إن الله قوي عزيز)..

 

كيف أنصر الله؟ وهل ملك الملوك محتاج لنصرة العبد الذليل؟
هذه الآية نزلت في سورة القتال، سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى مناسبة هذه الآية للسورة التي هي فيها، لكأنَّ الله عز وجل يقول لعباده المؤمنين: أنزلتُ في سورة القتال وفي شأن قتالكم للكافرين آيةً أبين لكم فيها طريق النصر الوحيد:
إنه نصرتي، فانصروني أنصركم..
وقد اتفق علماء التفسير أن معنى نصر الله عز وجل هو نصر دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم، لأنَّ الله غني عن النصر في تنفيذ إرادته، كما قال (ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض).
فقوله تعالى: { ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم } أي: هذا ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبة ونكال من عنده، { ولكن ليبلو بعضكم ببعض } أي: ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم، ويبلو أخباركم.
كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في  قوله: { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } ..

 

هنا دعوة للسوريين -وللمسلمين عامة- أن ينصروا الله في أنفسهم، وفي حياتهم.
قال سيد قطب: وكيف ينصر المؤمنون الله ، حتى يقوموا بالشرط وينالوا ما شرط لهم من النصر والتثبيت؟
إن لله في نفوسهم أن تتجرد له ، وألا تشرك به شيئاً ، شركاً ظاهراً أو خفياً ، وألا تستبقي فيها معه أحداً ولا شيئاً ، وأن يكون الله أحب إليها من ذاتها ومن كل ما تحب وتهوى ، وأن تحكمه في رغباتها ونزواتها وحركاتها وسكناتها ، وسرها وعلانيتها ، ونشاطها كله وخلجاتها . . فهذا نصر الله في ذوات النفوس .
وإن لله شريعة ومنهاجاً للحياة ، تقوم على قواعد وموازين وقيم وتصور خاص للوجود كله وللحياة . ونصر الله يتحقق بنصرة شريعته ومنهاجه ، ومحاولة تحكيمها في الحياة كلها بدون استثناء ، فهذا نصر الله في واقع الحياة أهـ.

 

وهنا أيضا دعوة للشعب السوري أن يتغير..
دعوة لأن يرجع إلى المنهل الروي، إلى الشريعة الصافية، فإن نصرة الله عز وجل تكون باتباع دينه، وشرعه، على ما أرسل به خير رسله، وأنزله في خاتمة كتبه..
نصرة الله - إن رمت تعريفها في كلمه واحدة - هي: الاتباع..
لذلك أقول - متحسراً- : إنه وبعد سنتين ونصف من الثورة ما زال كثير منا لم ينصر الله في نفسه ولا في حياته..

 

وسأروي شيئاً مما رأيته  مما لم يتغير في نفوس الناس ولا في واقع حياتهم:
-لم تزل نفوس كثيرين تحمل في جنباتها أضغاناً وأحقاداً لإخوانها المسلمين، وما زال البعض إلى الآن يعيش نفسية العمالة والتقارير..
-ولم تزل ألسنة كثيرين تتجرأ على رب البرية، فتشتم الإله وتسب الله وتلعن الدين.
-اثنان من المقاتلين ركبا سيارة بيك أب في طريقهم إلى معركة مع العدو الأسدي فتقاولا في الطريق وتسابَّا، فما كان من أحدهما إلا أن سبَّ رب الآخر ودينه ! فإلى أين تذهبون، وعلى من تتجرؤون! وبمن تستنصرون؟!
-الشرك بأنواعه كلها رأيته في بلاد الشام، لم تتطهر منه بعد، فسمعتُ من يستغيث بغير الله، ومن يدعو علي بن أبي طالب، والرفاعي وغيره، كيف ترجون نصره سبحانه وأنتم تدعون غيره!

 

ورأيت المشاهد التي تعظم ويتبرك بها.. ويعتقد فيها ما لا يجوز لمسلم أن يعتقده إلا برب البرية.
-البدعة منتشرة، وتطل برأسها في المساجد والبيوت والطرقات، فيزيدون في الأذان ما ليس منه، ويلتزمون عبادات لم تأت بها آية ولا سنة.
-وما زال فيهم من يدافع عن العلمانية، ويرفض التحاكم إلى الشريعة الربانية، ويعادي كل من يدعو إلى الله.
- فيهم من يفرط في الصلوات، ولا يؤديها في أوقاتها..ولا يحافظ على أركانها..وأشياء أخرى ..

 

سبب ذلك كله الجهل في الدين..
فالنظام الأسدي كان يحارب العلم والعلماء طيلة نصف قرن تقريباً، ولذلك أقْوَت البلاد من العلماء، وخلت من الربانيين، وصار العالم بينهم كالكبريت الأحمر ، يعز وجوده، ويندر ملاقاته..
فالعلماء: إما مشردون في الخارج، وإما في السجون، وإما تحت الأرض!

 

وحل بدلا عن العلماء: العملاء..
قال لي رجل وهو يتحدث عن قريته مفتخراً: إن ضيعتنا ضيعة متعلمة مثقفة، فيها نحو 80 طبيبا، و100 مهندس وكذا وكذا... فقلت له: وإمام مسجدكم وخطيبكم من أين؟ قال: من ضيعة أخرى!
قلت: واغربتاه، أي علم تتحدث عنه، وأي ثقافة هذه، وأنتم لا تجدون في قريتكم من أبنائها من يقيم لكم أمور دينكم!! ولا من يدلكم على ربكم، ويبين لكم هدي رسولكم..حتى استقرضتموه من قرية أخرى..
أُدرك أنَّ النظام كان يحارب الدين والمتدينين، وينفر الناس عنهم، ولذلك لم تكن تجد أحداً يرغب في أن يدرس ابنه العلوم الشرعية..
ولكن الآن - ولله الحمد - بدأت مع الجهاد عودة إلى الله عز وجل صادقة، وهذه العودة محتاجة إلى العلماء الربانيين، كي يحفظوها من الغلو، ويصونوها من التحريف، وقلة هؤلاء العلماء كان سبباً من أسباب تأخر التغيير، وبالتالي تأخر النصر..

 

إن الحقيقة التي يجب أن ندركها أننا كلما تأخرنا في نصر الله تأخر نصر الله عنا، وأن نصر الله يكون بالعودة إلى دينه، وأن العودة يجب أن تكون للدين الخالص القيم، كما قال تعالى (ألا لله الدين الخالص) (فأقم وجهك للدين القيم ) (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة)..
لا خيار لنا إلا التوبة إلى الله سبحانه، امتثالا لأمره لما قال: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) .
فبادر أيها الشعب إلى الله كي يبادرك الله بنصره.

 

اختم مقالي هذا بهذه الجملة عن شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله ، يقول فيها:
وقوله:( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) يقول تعالى ذكره: وليعيننّ الله من يقاتل في سبيله، لتكون كلمته العليا على عدوّه، فنصْر الله عبده: معونته إياه، ونصر العبد ربه: جهاده في سبيله، لتكون كلمته العليا.
وقوله:( إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) يقول تعالى ذكره: إن الله لقويّ على نصر من جاهد في سبيله من أهل ولايته وطاعته، عزيز في مُلكه، منيع في سلطانه، لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب.