بعد 12 عاماً
12 شوال 1434
إسماعيل باشا

في خضم التطورات المتسارعة والأحداث الساخنة، مرت يوم الأربعاء الماضي بهدوء الذكرى الثانية عشرة لتأسيس حزب العدالة والتنمية التركي الذي نجح في تغيير وجه تركيا خلال العقد الأخير بإصلاحات اقتصادية وسياسية أذهلت الأعداء قبل الأصدقاء. ذكرى تستحق الوقوف عندها للتأمل في القفزة التي حققتها تركيا بقيادة أردوغان ورفاقه.

 

قبل 12 عاما، انطلق حزب العدالة والتنمية بشعار التغيير وهو ما كان يحلم به الشعب التركي الذي سئم من الزعماء السياسيين القدامى ويئس منهم، ولم يبق هذا الشعار حبرا على الورق، بل شرع قادة الحزب الجديد منذ اللحظة الأولى بإنجازه في سلسلة من الإصلاحات وكانت أولى حلقاتها إنشاء الحزب على أسس ديمقراطية سليمة تعبر عن تطلعات الشارع التركي.

 

تأسيس حزب جديد بزعامة رجب طيب أردوغان كان مطلبا شعبيا بعد أن رأى الناخبون نجاح أردوغان في إدارة بلدية اسطنبول، كبرى مدن تركيا، واستجابة لهذا المطلب قام أردوغان ورفاقه بتأسيس حزب العدالة والتنمية في 14 أغسطس 2001 واختاروا كوادر الحزب في جميع أنحاء تركيا بناء على استطلاعات آراء الأهالي والتشاور مع منظمات المجتمع المدني والجماعات. وبمعنى آخر، أن الشعب هو الذي طلب تأسيس الحزب وهو الذي اختار كوادره قبل أن يصوت له في الانتخابات. وكان هذا من أهم أسرار الحزب الجديد.

 

حزب العدالة والتنمية لم يترك منذ تأسيسه جس نبض الشارع التركي والاستماع إلى ما يقوله الناخبون وأخذ آراءهم بعين الاعتبار وهكذا حافظ على شعبيته ولم يخسر حتى الآن في أي انتخابات خاضها وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه يتمتع حاليا بتأييد حوالي 50 بالمائة من الناخبين.

 

ومن المبادئ التي قام عليها حزب العدالة والتنمية عدم ترشح أي عضو في الانتخابات البرلمانية أو المحلية أكثر من ثلاث مرات متتالية وذلك لمنع احتكار الكراسي من قبل كبار السن ولفتح الطريق أمام الشباب. والتزاما بهذا المبدأ، لن يترشح عدد من أقطاب الحزب في الانتخابات القادمة. وقد يبدو هذا المبدأ عائقا أمام الاستفادة من خبرات القادة الكبار إلا أن مصلحة التجديد مقدمة في ظل وجود طرق أخرى للاستفادة من خبرات هؤلاء.

 

منذ انطلاقه مر حزب العدالة والتنمية بتحديات مختلفة، وكان أخطر هذه التحديات رفع المدعي العام عبدالرحمن يالتشينكايا قضية إلى المحكمة الدستورية في مارس 2008 بطلب حظر الحزب ومنع 71 من أعضائه بمن فيهم أردوغان وغول من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات، بتهمة تحول الحزب إلى بؤرة للأنشطة المناهضة للنظام العلماني. وكان الحزب مهددا بالتفكك والانشقاقات، إلا أنه نجح في الحفاظ على وحدته وتماسكه، وتجاوز هذه الأزمة برفض المحكمة الدستورية حظر الحزب ومنع أعضائه من ممارسة العمال السياسي واكتفائها بحرمانه من نصف ما يحصل عليه من مساعدات الخزانة العامة التركية للأحزاب.

 

اليوم، يقف حزب العدالة والتنمية على أبواب مرحلة صعبة وحساسة رغم قوته وتمتعه بشعبية واسعة وهي مرحلة تجديد القادة والكوادر، وتسليم أردوغان وعدد من قادته مناصبهم إلى أعضاء آخرين لم يسبق لهم الترشح أو لم يترشحوا ثلاث مرات متتالية في الانتخابات. وهناك سؤال كبير ما زال ينتظر جوابه وهو: «من سيخلف أردوغان في رئاسة حزب العدالة والتنمية؟»

 

الحزب الذي حكم تركيا منذ تأسيسه اختلف في السنوات الأخيرة مع بعض الكتاب الليبراليين الذين أيَّدوه في مكافحة نفوذ العسكر وشبكة أرغينيكون الإجرامية. وهناك بوادر خلافات مع جماعة فتح الله كولن، وهي من أهم الجماعات الإسلامية التي دعمت أردوغان وحزبه منذ 12 عاما. ومع ذلك، قادة الحزب واثقون من حجم التأييد الشعبي للحزب نظرا لنتائج استطلاعات الرأي.

 

ومن المتوقع أن يترشح أردوغان في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى العام القادم ولم يبق أمام حزب العدالة والتنمية وقت كبير لتحديد خليفة أردوغان وإعادة ترتيب البيت الداخلي. وإذا تجاوز هذه المرحلة الحساسة بنجاح ولم يتخلَّ عن المبادئ التي تأسس عليها قبل 12 عاما، فلن يجد صعوبة في مواصلة قيادة تركيا لفترات أخرى.

 

المصدر/ العرب القطرية