مكر اليهود بالقدس والأقصى
29 شوال 1434
د. عامر الهوشان

منذ احتلال اليهود للجزء الغربي من مدينة القدس عام 1948م , ثم احتلال الجزء الشرقي من المدينة عام 1967م , ومحاولات تهويد المدينة المقدسة لم تتوقف , والانتهاكات الجسيمة بالمسجد الأقصى لم تهدأ , في سعي يهودي دؤوب على تغيير الملامح العربية الإسلامية للمدينة , ومسح تاريخها وتراثها ذو الصبغة الإسلامية الصرفة , وإحلال الصبغة اليهودية المزيفة على المدينة ومسجدها , من خلال ممارسات التهويد الممنهجة , والتي طالت الإنسان والتاريخ والتراث , ووصلت إلى حد تغيير معالم الحجر والشجر والمقدسات .
لم تكن هذه الممارسات بعيدة عن أعين الإعلام , ولم تكن تعمل بالخفاء , وليست وليدة يوم أو شهر أو سنة , ولكنها كانت على أي حال تواجه ببعض الانتقادات والتنديدات العربية الخجولة , كما أنها كانت تواجه بدعم عربي إسلامي واسع للمرابطين والمجاهدين في القدس المحتلة والمسجد الأقصى , وللجمعيات والمؤسسات والتنظيمات العاملة هناك .
أما اليوم وفي ظل انقسام السلطة الفلسطينية في الداخل , وانشغال العالم العربي والإسلامي لما يجري في كل من سوريا ومصر وتونس وليبيا وغيرها من الدول العربية , فقد أطلق اليهود لأنفسهم وأحلامهم الشيطانية في القدس والأقصى العنان , و استغلوا واستثمروا المفاوضات التي يجرونها مع السلطة الفلسطينية في رام الله , وكذلك انشغال العرب والمسلمين بمشكلاتهم الداخلية , بزيادة الانتهاكات الجسيمة الممنهجة , وتسريع وتيرة عمليات التهويد للمدينة المقدسة ومسجدها الأقصى , للوصول إلى الهدف المنشود , بجعل القدس والأقصى يهودية المعالم والمبنى .
وقد شملت هذه الانتهاكات المدينة المقدسة (القدس) ومسجدها الأقصى المبارك , والشخصيات والقيادات الفاعلة في مدينة القدس , والتي تقف بالمرصاد في وجه جرائم واعتداءات الاحتلال بحق القدس والأقصى .
1- أما بالنسبة لمدينة القدس بشكل عام , فقد قالت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا : إن مدينة القدس تتعرض لعملية تهويد منهجية , في ظل صمت كامل من المجتمع الدولي , وعلى مرأى ومسمع من الإنسانية جمعاء .
وأضافت المنظمة في بيان لها أمس الثلاثاء (3|9) : إن سلطات الاحتلال تقوم بهدم المنازل وتشريد سكانها من نساء وأطفال ورجال , دون أي اعتبار لكل المواثيق والقوانين الدولية ، كما تقوم سلطات الاحتلال بتوسيع المستوطنات في القدس وجلب المزيد من المستوطنين لإضفاء صبغة يهودية كاملة على المدينة .
وفي قرية صموئيل العربية التي تقع في قضاء مدينة القدس , حولت سلطات الاحتلال مسجد القرية التاريخي المعروف (بمسجد صموئيل) إلى منطقة عسكرية , في عملية تهويد مستمر لتلك القرية , بعد أن سيطرت واستولت عليه , كما استولت على موجوداته الأثرية التي يعود تاريخها إلى الحقبة اليبوسية , وغير ذلك من الانتهاكات الصارخة , ومحاولات التهويد المستمرة للمدينة المقدسة .
2- وأما المسجد الأقصى فهو بيت القصيد ومحل نظر اليهود منذ دخولهم مدينة القدس , فلم تتوقف يوما محاولات تهويده , من خلال الحفريات التي تجري على قدم وساق , في محاولة لهدمه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه , كما لم يتوقف يوما اقتحامه من قبل المستوطنين .
أما الاقتحامات فهو حدث شبه يومي , وقد وثقت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث آخر تلك الاقتحامات وهي :
• اقتحام 65 مستوطنا يهوديا صباح الأحد الماضي المسجد الأقصى بصحبة بعض الحاخامات من جهة باب المغاربة , وسط حراسة أمنية مشددة , حسب المنسق الإعلامي للمؤسسة محمود أبو العطا .
• اقتحمام العشرات من المتطرفين اليهود باحة المسجد الأقصى الشريف صباح أمس الثلاثاء، تحت مسمى السياحة الأجنبية .
• إعلان بعض الجمعيات اليهودية المتطرفة نيتها اقتحام المسجد الأقصى اليوم الأربعاء لإدخال حجر الأساس لبناء الهيكل المزعوم ، ولأداء ما يُسمى بطقوس عيد رأس السنة العبرية الجديدة ، كما سيتبعه سلسلة اقتحامات في الفترة بين 19 و25 من الشهر الحالي ، تزامنا مع ما يسمى (عيد الغفران) و (عيد العُرَش) بمرافقة عدد من الحاخامات وأعضاء الكنيست ووزراء من جانب اليمين اليهودى المتطرف .
وفي محاولة للوقوف في وجه هذه الاقتحامات والانتهاكات , دعت الحركة الإسلامية في الداخل الفسلطيني ومؤسسة الأقصى للوقف والتراث للمشاركة اليوم (الأربعاء) (بيوم النفير) تحت شعار (قادمون ياقدس ..قادمون يا أقصى) , معتبركة المشاركة فيه نوعا من أنواع الرباط ومواجهة انتهاكات الاحتلال .
وأما الحفريات التي تتم تحت المسجد الأقصى في محاولة لهدمه وبناء الهيكل اليهودي المزعوم على أنقاضه , فلم تتوقف في أيام هدوء واستقرار الأنظمة العربية التي تشهد اليوم ثورات ومواجهات , فكيف بها الآن في ظل انشغال عربي وإسلامي كبير عما يجري في القدس والأقصى ؟!!
لقد زادت وتيرة العمل بالحفريات بشكل لافت , ووثقت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث الكثير من الانتهاكات الجسيمة بحق المسجد الأقصى , لعل من أهمها حديثا :
• بيان المنظمة العربية لحقوق الإنسان أمس الثلاثاء (3/9) , الذي أكد على مسلسل التهويد والتسريع في مخطط بناء ما يسمى الهيكل , من خلال تنشيط بلدية الاحتلال لأعمال الحفر أسفل المسجد الأقصى , مما أدى إلى حدوث انهيارات خطيرة في أماكن مختلفة ، كما أكد على قيام سلطات الاحتلال ببناء كنس يهودية أحاطت المسجد الأقصى من كل جانب , وهناك مخطط لبناء كنيس في ساحات المسجد الأقصى عند مدخل المصلى المرواني في الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى .
• كما كشفت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث , قيام أذرع الاحتلال الاسرائيلي وفي مقدمتها ما يسمى (بسلطة الآثار الاسرائيلة) بحفريات جديدة معمّقة أسفل المسجد الاقصى ، تكشّف عنها وجود نفقان جديدان , وحذرت مؤسسة الأقصى من المخاطر الناجمة عن هذه الحفريات , مشيرة إلى أنها تكشف أساسات المسجد الاقصى وجداره الغربي .
3- انتهاكات طالت قيادات وشخصيات فاعلة في مدينة القدس , ومقاومة لأعمال التهويد هناك , كأمثال الشيخ رائد صلاح , الذي تم اعتقاله بالأمس من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي , بتهمة إثارة أعمال الشغب في القدس والأقصى , في إشارة إلى يوم انعقاد مؤتمر صحفي دعت إليه القوى الوطنية والإسلامية في بيت المقدس , كان الشيخ رائد صلاح مشاركا فيه وفي طريقه إليه , وعشية يوم النفير للأقصى الذي دعت إليه الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني .
ورغم استنكار القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية , ممثلة بكتلة التغيير والإصلاح البرلمانية , والشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا , والشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني , وتجمع النقابات المهنية الفلسطينية , لهذا الاعتقال ووصفه بالجريمة الصهيونية التي تستهدف رموز الشعب الفلسطيني وقياداته , لإسكات الأصوات المدافعة عن الأقصى والمقدسات , إلا أن ذلك لم يغير من حقيقة الوهن الذي يعاني منه الجسد العربي والإسلامي المتفرق المتشرذم , في مواجهة الاحتلال اليهودي المتغطرس المتجبر .
إن أولى خطوات الحلول العملية لكل قضايا المسلمين المصيرية , وعلى رأسها وفي أولويتها قضية القدس والمسجد الأقصى , تتمثل في وحدة هذه الأمة على كتاب ربها وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ونبذ الخلافات الجزئية الجانبية , وتحييد الأهواء والمصالح الضيقة والشخصية .
لقد كانت بدايات عودة القدس والأقصى للمسلمين في عهد عماد الدين ونور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي هي توحيد مصر والشام , وجعلهما رأس حربة المسلمين في مواجهة عدوهم المشترك اليهود وإسرائيل , وقد قدموا وبذلوا من أجل هذه الوحدة الغالي والنفيس , وبإخلاص منقطع النظير, وقد وفقهم الله تعالى وكلل عملهم بالنجاح في نهاية المطاف .
فهل يمكن أن يعيد التاريخ نفسه ؟؟