15 ذو القعدة 1435

السؤال

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "الدِّين النَّصيحة".
أنا متزوِّج وعندي أربعة أبناء، وأسكن في شقَّة مستقلَّة في عمارة مكوَّنة من عدَّة شقق، يسكن فيها أبي وإخوتي مع أسرهم، المشكلة أنَّ زوجتي حتَّى الآن لم تتقن أعمال البيت وتوابعه، مع أننا متزوجون منذ 10 سنين، ممَّا يضطَّرَّني أن أتدخَّل في هذه الشئون التي هي بالأصل من واجباتها، وهذا يؤدِّي إلى مشاكل وخلافات يوميَّة مستمرَّة بيننا، بالإضافة إلى أنَّها عنيدة جدًا، ولا تستجيب إلا بعد جهد جهيد، استخدمت معها كلَّ الوسائل الشَّرعيَّة من وعظ وإرشاد وهجران وحتَّى الضَّرب، ولكن دون جدوى، تكلمت معها والدتي ووالدتها أيضًا، ولكنَّها لم تتغيَّر، والمشكلة أنَّها ترى أنَّها دائما على حقٍّ، وإن أخطأتْ لا تعتذر, لأنَّها لا ترى نفسها مخطئة، وعلى العكس تحمِّلني مسئوليَّة أخطائها، وزوجتي شديدة الغيرة عليَّ، وتبيَّن لي مؤخَّرًا أنَّها تحدِّث نساء إخوتي بأنِّي مقصِّرٌ في بيتي، ولا ألبِّي حاجاتهم، وأنَّني سيء المعاملة معها، لكي تنفِّرَهم منِّي، حتَّى راجعني إخوتي وأبي بذلك، فاضطررت لأبوح لهم بكلِّ ما عندي من مشاكل في بيتي بسببها، رغم أنَّي لم أرغب يومًا أن يطَّلع أحدٌ على عورات بيتي حتَّى إخوتي؛ لكي لا أحرج زوجتي، وأكسر خاطرها أمام زوجات إخوتي. بعد كلِّ هذا فاض بي الكيل، فأرسلتها إلى بيت أهلها، مع العلم أنَّ أباها متوفٍّ، وإخوتها ليسوا من الذين يرغبون بالإصلاح، الآن لها شهر عند أهلها لم تكلِّف نفسها أن تتَّصل لتطمئن على الأولاد، أو أن تطلب منِّي الرُّجوع.
الخلاصة: أنِّي لا أرغب أن أستمرَّ معها، ولا أستطيع أن أرجعها لأنِّي لم أعد أحتمل عنادها، وأخاف على أولادي بسبب كثرة المشاكل والصراخ التي كانت بيننا أن تترك آثارًا سلبيَّة عليهم في المستقبل، أمِّي الآن هي من يعتني بأولادي، والغريب في الأمر أنَّ أولادي وبعد مضيِّ شهر لم يسألوا عن أمِّهم، أو أنَّهم قد اشتاقوا لها، ولا أجد تفسيرًا لذلك.
أرجو أن تفيدوني بالنَّصيحة التي تريحني في الدُّنيا، وتنجيني عند ربِّي في الآخرة.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبيَّ بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من عرضك لمشكلتك، أنَّ متزوج منذ عشرة سنين، ولك أربعة أبناء، وزوجتك ليس لها دراية ودُرْبَة في الأعمال المنزليَّة، ولا معرفة كافية بتربية الأولاد ورعايتهم، وأنَّك تقوم بنفسك بتغطية الأعمال المطلوبة منها، وتفاجأت بأنَّها تظهر لأهلك السَّاكنين معك في نفس العمارة، بأنَّك مقصر معها ومع أولادك، وأنَّها هي القائمة بكلِّ شيء في المنزل، ووصل الأمر لوالدك وإخوتك، وفاتحوك بالأمر ناصحين وموجِّهين ومشفقين، ممَّا اضطرَّك لأن تبوح بأسرار بيتك وزوجتك لهم، مع أنَّك حريص على ستر تصرُّفات زوجتك حتَّى لأقرب النَّاس منك، ثمَّ ذكرت أنَّها عنيدة، وغير مطيعة لك، وتسارعت المشاكل بينكما حتَّى وصلت لطردها لأهلها، وبقيت مع ذلك على عنادها، فلم تتصل مطمئنَّة على أولادها منذ ذهابها لأهلها، وتذكر أنَّ والدها ميت، وإخوتها غير مهتمِّين بعمليَّة الإصلاح، وتطلب النَّصيحة والتَّوجيه في ذلك، ألخصُ لك أخي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: العناد صفة تتفاوت بها النِّساء.
العناد صفة موجودة في الرجل والمرأة، لكنَّه أكثر وضوحاً عند المرأة، فهو السِّلاح الوحيد الذي تدافع به عن نفسها، أمام قوَّة الرَّجل واستبداده بالرَّأي أحياناً، ولأنها مخلوق ضعيف لا يقوى على الصراع الخشن، تلجأ إلى الرَّفض السِّلبي لما تراه لا يتوافق مع أسلوبها ومشاعرها، فيترجمه الزَّوج على أنَّه عناد وتبدأ المشاكل.
ويرى البعض أنَّ عناد المرأة أخطر أسرار جاذبيتها، وتستخدمه بدرجات متفاوتة؛ لإثبات وجودها أو لتلفت النَّظر إليها. والرجال يحبُّون عناد المرأة الممزوج بالدِّلال فقط.
هذا بشكل عام، ولكن قد يكون العناد مرضيَّا كحالة زوجتك، وبالتَّالي يحتاج الأمر لمعالجة ومتابعة وتدخُّل، والأفضل والأحسن أن تعالج عناد زوجتك بينكما، وألا يتدخل أحد بينكما، وما دام الأمر قد نشر منها ثمَّ منك، فما عليك الآن إلا أن تبحث عن أصحاب الرأي والمعرفة والحلم والحكمة من أفراد العائلتين، وتستعين بهم في إصلاح أمر زوجتك، وعودتها عودة حميدة لبيت الزوجية.
ثانيًا: ربَّما أنت نمَّيت فيها صفة العناد المرَضِي.
عناد زوجتك قد يكون طبعاً فيها، يضرب بجذوره إلى مراحل حياتها الأولى، نتيجة تربية خاطئة في طفولتها، وعندما تزوجتها لم تراع هذا الأمر فيها، ولم تعالجه معالجة تربوية صحيحة، فقد تكون أهملتها، ولم تشركها في قراراتك، ولم تستشيرها في بعض الأمور، ولم تثنِ على آرائها وتمدح مواقفها وتصرفاتها الطَّيبة الحسنة، ولربما احتقرت رأيها واستهزأت به، فبعض الأزواج لديهم نظرة معينة للزوجة أنَّها ناقصة عقل ودين، لذا لا يأخذ برأيها، ولا يعمل بما تقول مهما كان، كلُّ هذا بتصوري نمَّا صفة العناد في زوجتك حتَّى تحوَّل العناد فيها إلى مرض.
ثالثًا: " رفقًا بالقوارير " .
المرأة كائن رقيق حساس، تحتاج لكلمة رقراقة، وبسمة راضية، ولمسة حانية، المرأة تحتاج دائماً إلى من يقدِّرها ويحترمها؛ لتهب له كلَّ حياتها، ولتكون كالخاتم في إصبعه، أتقن فنَّ الحوار مع الزَّوجة، وفنَّ تهوين المشكلات الصَّعبة، كن حليماً قدر الإمكان، وتكلَّم معها بما قلَّ ودلَّ، واجعل حديثك معها هادئاً ومفيداً، ويحمل طابعاً إيجابياً، بعيداً عن الثَّرثرة مع الاحتفاظ ببعض الغموض، فعند عودتها لك بالسَّلامة، جدَّد طريقة تعاملك معها، وزد من احترامك وتقديرك لها، واستمل قلبها إليك، ستجد التغيُّر بدأ يسري في سلوكها وتصرُّفاتها.
رابعًا: دع الأبناء يواصلونها.
لا يكسر قلب الأم إلا أبناؤها مهما كان قلبها قاسيًا، فحثَّ أبناءك على الاتصال المباشر بأمهم، ودعهم يعبرون عما في نفوسهم، بدون أدنى توجيه منك، فكلمة واحد منهم لأمه: أين ذهبت وتركتينا؟ ويقولها بدون خدوش ورتوش وتزيينات، تؤثر فيها أكثر من خطبة رنانة، وموعظة بليغة، ونصيحة قوية.
كذلك جنِّد لها نساء صالحات، وصديقات وفيَّات، كانت تتواصل معهنَّ وتثق بهنَّ، يذهبن لها ناصحات مشفقات عليها وعلى أولادها وأسرتها وسمعتها.
خامسًا: احذر التَّدخُّل بشئون المرأة المنزليَّة.
الطَّبخ والكنس والغسيل وترتيب المنزل، وتنظيف الأولاد وإطعامهم، شئون نسويَّة بحتة، لا يباشرها الرَّجل إلا للضَّرورة الملجئة، عند مرض الزَّوجة وولادتها، لأنَّ عمله فيها يزعج المرأة، وخاصَّة لو علَّق على عملها وانتقده.
أمَّا كمساعدة ومشاركة وجدانيَّة فهو محبَّب للمرأة، وعندما توكل لها العمل كاملاً، وتجعلها تتحمَّل المسئوليَّة لوحدها، ستضطر لأن تتعلَّم خاصَّة وكونك تسكن في عمارة مع أهلك، فلو عزمت أهلك على مائدة طعام، وتركتها لوحدها تصنع الطَّعام، وترتِّب البيت وتنظِّفه، ستقوم بكلِّ نشاط وحيوية لتظهر بشكل لائق أمام زوَّارها، وتبدي لهم مواهبها وخبرتها كي لا ينتقدوها، ومع الوقت تتعلَّم وتعتمد على نفسها، ولا تغطِّي عنها شيئًا فيه مصلحتها لو أبدي.
سادسًا: لا أنصحك بطلاقها.
ذكِّرها بالله، وبعِظَم حقِّك عليها، وكونك بابًا لرضى الله عنها، ثمَّ ذكِّرها بأنَّها بعنادها تضيِّع أبناءها، وسيسألها الله عنهم، قل لها: هيَّا لنفتح صفحة جديدة في حياتنا، ننسى الماضي ومآسيه ومشكلاته، ونولد من جديد، بصفحة بيضاء نقيَّة، فإن وجدت منها تجاوبًا وأوبة فالحمد لله، ذلك ما كنت تبتغي، وإلا أنصحك بالزَّواج عليها، فقد قال أهل المثل: " اضرب النِّساء بالنِّساء، واضرب العوص بالعصا " العوص: العاصي العنيد.
تزوَّج ثانية، وقبل إجراء ذلك، أرسل لها بطريق غير مباشر رسالة بهذا الخصوص، أنَّك تبحث عن زوجة أخرى، لعلَّها ترعوي وتؤوب وترجع لرشدها وعقلها، وإلا أقدم بشكل جدِّي على الزَّواج بغيرها، وأبقها في ذمتك تقديرًا ورحمة بأبنائك.
وفَّقك ربِّي لما يحبُّه ويرضاه، ولا تنسني من دعوة صالحة بظهر الغيب، جزاك الله خيرًا.