الإعلام المصري يفضح نفسه
1 ذو القعدة 1434
علا محمود سامي

يخطئ من يظن أن الإعلام المصري يمكن تصنيفه الى عام (رسمي) وآخر خاص، على نحو ما كان يوصف به قبل الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013م، وعزل أول رئيس منتخب في البلاد، هو الدكتور محمد مرسي، أو أن يوصف هذا الإعلام بما هو راسخ في الأذهان بأن إعلام الخدمة العامة يجاوره آخر يعبر عن ملاكه أيا كانوا سواء كانوا جماعات مصالح أو رجال أعمال أو إعلاميين.

 

وعلى الرغم من أن صورة التزاوج بين أجهزة الاعلام الرسمية والخاصة كانت قائمة قبل الانقلاب، فإنها تزايدت بعده، ما جعل المتلقين أمام لون أحادي من الإعلام لا يفرق بين إعلام ينبغي أن يكون لكل الشعب بمختلف فصائله وتياراته، وإعلام يفترض فيه أن يقدم لوناً آخر انحيازاً منه الى المهنية، والضمير الذي ينبغي أن يكون حاكماً عند منسوبيه.

 

ومع كل هذه الافتراضات فقد فضح الإعلام المصري نفسه أمام الانقلاب، من خلال ممارسته –بشقيه:العام والخاص-معا لخطاب تحريضي ضد جميع المعارضين للانقلاب، والمؤيدين للشرعية القائمة، التي كانت محصلة جولات انتخابية واستفتاء على الدستور، شهد العالم بأكمله بأنها جرت وفق ارادة حرة للمصريين، وعبر عملية اقتراع نزيهة في جميع مراحلها، لأول مرة في التاريخ المصري.

 

منذ الانقلاب على الشرعية، واصل هذا الإعلام دوره التحريضي ضد أبناء التيار الإسلامي، على مختلف فصائلهم، وهو ما انعكس على الأرض، عندما أصاب

 

سعار هذا التحريض أصحاب النفوس الضعيفة فأخذوا يفرقون بين دماء المصريين، وكأنها الشماتة في الموت، في تحول لافت لإنسانية من ادعوا ثورة 25 يناير، غير عابئين بدين أو حرمة للموت، أو لدماء أبنائهم وأشقائهم في الوطن، على نحو ما حدث من خطاب تحريضي يتساوى فيه الإعلام الخاص والرسمي، فكلاهما يمارسان خطاباً إقصائياً، وانظر مثلا إلى إشاعة إعلام الدولة -الذي ينبغي أن يكون لكل المصريين- لمصطلح "الاحتلال الإخواني"، وكأنه يبعث برسالة إلى جميع المصريين، أن عليهم تطهير وطنهم من جماعة الاخوان المسلمين.

 

ومنذ صعود الإسلاميين عبر الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مصر، أصبح توصيف أصحاب التيار الاسلامي جميعاً على رغم اختلاف فصائلهم بأنهم إخوان، لذلك حينما يروج هذا الإعلام للمصطلح المشار إليه فإنه يعني التيار الإسلامي كاملاً، وليس اختزاله في جماعة الإخوان كما يبدو من مسماه.

 

ومن ثالثة الأثافي أن هذا الاعلام مع تحلله من حرمة دماء المصريين، لا يعترف إلا برأي من يدعمه ويروج له، بل صار ألعوبة في أذهان الانقلابيين أنفسهم، على نحو التدخل العسكري في توجيه المواد الإعلامية، بل وإعادة ما يعرف بالرقيب العسكري، الذي يقيم في مقار الصحف والمجلات لمراجعة المواد الإعلامية قبل نشرها، وهو ما ظهر بالفعل من خلال اعتراضه على العديد من المقالات والموضوعات الصحافية، التي دفعت أصحابها الى تغليب ضمائرهم المهنية.

 

كل هذه الأوضاع التي صار عليها الإعلام المصري، لم تكن من قبيل المصادفة، إذ إنه مع اللحظة الأولى التي كان يدشن فيها الانقلاب، كانت لغة الخطاب الاعلامي تتغير في جميع المحطات الإعلامية لتتفق مع اللحظة الانقلابية وتعمل على دعمها، وبالقابل كان التحرك سريعا ضمن إجراءات أخرى لإسكات صوت الفضائيات الإسلامية، بل واعتقال طواقمها وضيوفها، وإغلاق مكاتب لمحطات فضائية عربية في القاهرة، والعمل على التشويش الدائم على محطات تنقل وقائع اعتصامات واحتجاجات مؤيدي الشرعية، فضلاً عن منع قنوات من البث على القمر "نايل سات"، بالإضافة إلى إجراءات أخرى تعلقت بتوقيف رموز لأحزاب سياسية إسلامية وقيادات فاعلة في جماعة الإخوان المسلمون، وإسباغ الصبغة القانونية اللازمة على كل هذه الإجراءات، التي تبدو واضحة للعيان بأنها تحمل لوناً سياسياً واضحاً.وكلها إجراءات هدفها في الأساس العمل على دعم خارطة الطريق الانقلابية، حتى لو كان ذلك على حساب أشلاء المصريين، واعتقال المعارضين لهذا الانقلاب، في نكوص واضح عن مكتسبات ثورة 25 يناير، والتي كانت الحريات العامة من أبرزها، وعلى رأسها الحرية الصحافية والإعلامية، الأمر الذي فضح معه أجهزة الاعلام المرئية والمطبوعة، والتي لم تراعِ يوماً حق المواطن المصري في المعرفة، وتقديم المعلومة له بحقائقها كاملة من جميع الجوانب.

 

قد تكون هذه الفضائيات تبحث عن مكسب سريع، كونها هي الصوت الاعلامي المسموح به في الساحة المصرية، غير أن المشاهد المصري حتما سيلفظ هذه النوعية من الإعلام ولو بعد حين، خاصة بعدما تكشفت له العديد من المؤامرات التي كانت تحاك لإقصاء أول رئيس مدني منتخب في البلاد، وتوظيف كل الأزمات الى حين ساعة الصفر، وهي صدور أمر عسكري بعزله بتغطية من الأزهر والكنيسة ورموز سياسية تحمل حقداً دفيناً على كل ما إسلامي، على نحو ما كشفته تصريحاتهم في تسريب إعلامي بأنهم مستعدون لإراقة دماء المصريين في سبيل أن تصبح مصر علمانية بالقوة طبعاً..