السؤال
السلام عليكم. أنا متزوج من ثمان سنوات، ولديّ ثلاثة أبناء، وكنت مقيماً مع زوجتي في بيت، الدور الأول لأهلي، والدور الثاني لي وزوجتي. زوجتي تحبني جدًا- حسب قولها، ولكن منذ حوالي سنتين قالت لي إن أحد زملائي اتصل على تليفون البيت وهي ردت وتكلمت معه، وعرفت ظروفه، وباعت ذهبها وأعطته له ليتصرف فيه.
هي حكت لي هذا وطلبت مني أن أسامحها، وأنا وقتها ما شكيت فيها، وقالت لي هذه مكالمة فقط ولم أره، صدقت واستمريت معها، والآن سافرنا إلى بلد عربي منذ سنة، ومن حوالي شهر شعرت أنها تخبئ موبايلها كثيراً، وتقول إنها تكلم صديقتها.
المهم شككت في الأمر، تابعت حسابها على الفيس بوك، وجدت محادثة لها مع أحد أصدقائي، ضربتها وقلت لها قولي الحقيقة كاملة، قالت لي إنها تعرفت عليه عن طريق النت بحسن نية، وتفاجأت أنه أرسل رسائل عن طريق الشات، وبدأت شات معه في الدين وأموره، وأرسلت له حسابها على الفيس والباس ورد، وأرسلتت رقمها على الواتس، وبدأوا شات على مدار حوالي شهر.
وبعدما علمت هذا.. ووجدت لها محادثة مع زميل آخر على الواتس.. سألتها أنكرت في البداية، ثم الآن قالت لي إن هذا كان شات أيضاً، وكان الكلام في الدين والإلحاد.
المهم سفرتها لمصر، وطبعا من وقتها تريد أن أسامحها وأعيدها مرة أخرى، وقالت لزميلي إنها تحبني جدا، وتحب الأولاد جداً، وتريد البيت ولا تريد الطلاق أبدًا.
لا أدري ماذا أفعل، هي تتصل وترسل لي رسائل لأسامحها وأغفر لها وأعيدها مع الأولاد، وأن تذهب للحج ليغفر لها ربنا، لكي غير قادر، فهل أطلقها وأرتاح، أم أعيدها من أجل أولادي؟
مع العلم بأني لم أقصر في أي شيء نحوها أو نحو الأولاد، وعلاقتنا الحميمية جيدة جدًا، وهي تشهد بهذا، وكنت ألبي كل طلباتها، رغم أنها أثقلتني بالمطالب المادية، غير عصبيتها الزائدة، وقبل سفرها قالت لي: أنا لا أستحق واحداً مثلك، الآن ماذا أفعل؟، وهل هي زوجة أم خائنة؟!
هي تقول لي (والله أنا تبت ورجعت لربنا، أنا بعدت عنه، وكان لازم دا يحصل عشان أفوق، بس ما تطلقنيش، أنا عاوزة البيت)!! وطلبت تبيع ذهبها وتعود بالفلوس، وتكتب تنازلاً عن كل حاجتها لو أخطأت مرة أخرى، وأفضحها وأقول لأبيها..
لا أدري ماذا أفعل.. أرجوكم انصحوني؟!، أنا حياتي متوقفة، وأنا حتى الآن ساتر عليها، من أجل الأولاد، لم أعلم أهلها؛ فماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟
الجواب
أخانا الكريم:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك؛ وتألمت كثيرًا لما فيها، لأن أكثر ما يؤرق الإنسان ويقض مضجعه الشك في سلوك زوجته، كما أن طول مدة الشك تزلزل استقرار البيت وتهدم أركانه، وتذهب بسعادته، كان الله في عونك، وثبت على الحق فؤادك، ورزقك السكينة والاطمئنان وراحة البال.. آمين.
قبل الرد على استشارتك أخي الكريم أود أن أوضح لك بعض الأمور والقواعد الأساسية:
1) أن الإسلام شرَّع الزواج ليكون سببًا في جلب الخير والسعادة والاستقرار والسكن وراحة البال، وليكون عونًا للمسلم على طاعة الله، وحفظ النوع، وتهذيب المشاعر، ووضعها على الطريق السوي، والخط المستقيم، دون انحراف عن المسار الذي خلقنا الله من أجله.
2) أمرنا الشارع الحكيم أن نجتهد – قدر الإمكان- في اختيار الزوجة الصالحة، وزودنا ببعض القواعد التي تساعدنا على حسن الاختيار، وأوصانا بانتقاء ذات الدين، والظفر بها أنى وجدناها.
3) بين لنا سبحانه وتعالى أن "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"، وأنه لايوجد إنسان معصوم غير النبي صلى الله عليه وسلم وإخوانه من الأنبياء الذين اصطفاهم الله على عينه، وعصمهم من الوقوع في المعاصي، ليكونوا قدورة ونبراسًا للأمم التي سيكلفهم بإيصال رسالته إليهم.
4) أن الشر قد آل على نفسه ألا يدع الخير يمضي في طريقه، وتعهد بأن يقف له ولأتباعه وأنصاره ومريديه بالمرصاد، وأنه في سبيل ذلك سيوظف قدرات الشيطان والنفس والهوى بل والدنيا بملذاتها لحرف الصالحين عن صلاحهم، وأهل الخير عن خيرهم، وإثناء المؤمنين عن السير على الطريق المستقيم.
5) أن كل إنسان في هذه الحياة سيجازي عما فعل في السر والعلن، وأن الله لن يظلم أحدًا من خلقه، وأن هناك يوم مشهود سيعرض فيه الخلائق، ويقرأون ما سجلته الملائكة الكرام من أعمالهم، وأنهم في نهاية المطاف إما إلى جنة بصالح أعمالهم ورحمة ربهم، وإما إلى نار بسوء عملهم وغضب ربهم.
6) حذرنا ربنا سبحانه وتعالى من الوقوع في الفاحشة، وأمرنا بسد الأبواب المؤيدة إلى هذه الجريمة النكراء، وأوضح لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، أن هناك ثلاثة منافذ أو أبواب يتسسل منها مرضى القلوب، والراغبون في المتعة الحرام، أى وهي: باب النظرة.. وبين لنا فيه الشارع الحكيم أن "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس..."، وباب اللمسة.. وكشف لنا أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم أنه "لم يمس يد امرأة لا تحل له"، وباب الخلوة.. وأوضح لنا فيه أنه "ما خلى رجل بأمرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما".
أما عن ردي على استشارتك، فقد أعجبني قولك في رسالتك: إنك لم تقصر في أي شيء نحوها أو نحو الأولاد، وإن علاقتك بها كانت جيدة، وإنك كنت تلبي كل طلباتها، رغم أنها كانت تثقلك بالمطالب المادية، وإنك تحملت عصبيتها الزائدة، وإنك رغم كل ما حدث لم تفضحها بين أهلها... فجزاك الله خيرًا، وتقبل منك صبرك الجميل.. وألخص لك الجواب في النقاط التالية:
1) إياك والقنوط من رحمة الله: فإن الشيطان لا يريد منك غيرها، فلاتدع اليأس يتملكك، والحزن يبدد حياتك، بل إنني أنصحك أن تقف مع نفسك وقفة لله، تراجعها فيها، وتحاسبها على ما صدر منك من الذنوب والمعاصي، وعلى التقصير في جنب الله، والذي نعاني منه جميعًا.
2) أوصيك ونفسي بالتوبة الصادقة: وذلك بالإقلاع عن الذنوب والمعاصي الظاهرة والباطنة في الحال، والندم على ما فات من العمر في غير طاعة الله، والعزم عزمًا أكيدًا على عدم العودة إلى ارتكاب المنكرات، ثم رد الحقوق إلى أصحابها ما استطعت.
3) ادرس القرار الذي ستأخذه جيدًا من كافة جوانبه: فلا شك أن ما زرعته زوجتك بداخلك من الشك والحيرة يدع الحليم حيران، ولكن في نهاية الأمر مطلوب منك أن تحسم الأمر، وأن تأخذ فيه قرارًا قاطعًا.
أ- إما بتطليقها وشطبها من حياتك نهائيًا، وإغلاق هذا الملف المزعج، بما يحمله هذا القرار من تبعات خطيرة، وتأثيرات جانبية عليك وعلى زوجك وعلى أولادك الثلاثة الذين لا ذنب لهم في هذه الحياة إلا أنهم أبناؤكما!.
ب- وإما بالعفو عنها بشروط واضحة بعد التأديب ، ومنحها فرصة أخرى للتوبة والعودة إلى بيتها، خاصة وأن كل الأدلة والقرائن التي تتحدث عنها في رسالتك لا تصل إلى حد القطع بأنها خائنة، ، فالأمر يدور حول – وأنا هنا لا أهون مما فعلت- كونها استُدرِجَت في احاديث الانترنت لتواصل يثير الشك والريبة مع بعض زملائك، ربما بجهل منها بأمور دينها، وما يحل لها وما يحرم عليها، وربما بسذاجة وعفوية وحسن نية، وربما بمكر حيك لها بليل من مجرم وضيع لا يتقي الله أراد – كما ذكرت لك- هدم بيتكما، وزرع قنبلة الشك فيه، لتنفجر فيكما وتدمر سعادتكما، وتقضي على مستقبل أولادكما.
4) التكنولوجيًا فيها إثم كبير ومنافع للناس: والقرار فيها يختلف من إنسان إلى آخر، بحسب دينه وعلمه وثقافته وقدراته، فإذا استشعر الإنسان أن إثمها أكبر من نفعها، فعليه أن يمتنع عنها، وأن يغلق هذه النافذة إلى الحرام، وأن يجنب أهله وأولاده هذا الخطر الداهم، وهذا الشيطان الذي يوشك أن يأخذهم إلى غير رجعة، وإذا استقر في يقينه أن منافعها بالنسبة له غالبة، وأن بيده أن يحكم السيطرة عليها، وأنه صاحب قرار في فلترة موادها المكتوبة والمصورة والمسموعة، التي لا نهاية لها، فبها ونعمت. وفي تقديري الشخصي أن المنع ليس الحل النموذجي في هذا الزمان، الذي تعددت فيه الموارد والمصادر، وإنما التربية والتنشئة الصحيحة للزوجة وللأولاد وللنفس قبل كل شيء، مع مداومة المراقبة والمتابعة من آن لآخر، وعدم الغفلة عن هذه الوسائل الحديثة التي جلبت لنا – مع العلم والمعرفة والتثقيف والترفيه و.....إلخ- القلق والحيرة والخوف على الزوجة والأولاد من هذا "الحمو" و"صديق السوء" الذي نتركه مع زوجاتنا وأولادنا "دون مَحْرَم"!!.
5) لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا.. الفرصة الأخيرة!!: دعني قبل النهاية أطرح عليك وجهة نظري الشخصية، ولك مطلق الحرية في الأخذ بها أو الضرب بها عرض الحائط، ورؤيتي تتلخص في منحك لها الفرصة الأخيرة، للعودة إلى الحياة، وإظهار حسن نيتها، وصدق توبتها، أرسل لها لتعود من مصر، ومعها أولادها، وتصدق عليها بإتاحة الفرصة لها أن تؤدي العمرة، وأن تغسل أدرانها بماء زمزم، وأن تعاهد الله حول الكعبة المشرفة على التوبة الصادقة، وقطع كل صلة لها بهذا الماضي الأليم، وأن تجتهد في استدراك ما فات من تقصير في حق ربها وزوجها وأولادها. ولعل الله عز وجل يكتب لك بهذه الفرصة التي ستمنحها إياها أجرًا عظيمًا "خير لك من حمر النعم"، و"خير لك من الدنيا وما فيها".
6) صفحة جديدة.. لا لوم فيها ولا عتاب: فإن رضيت نفسك بهذا المقترح، وصفح قلبك عن هذا الماضي المملوء بالشك، فا عتبرا أنكما متزوجيّن حديثًا، ولا تسمح للشيطان أن يفسد عليكما حياتكما، فإنها آنئذ كالتي خرجت من غرفة العمليات للتو، ونقلت إلى العناية المركزة، فلا لوم ولا عتاب ولا اجتراء لهذه الليالي الحاكة السواد التي عشتها، ولا عودة للشك الذي أوشك أن يدمر بيتكما، غير أني أنصحك بأن تكون من المؤمنين، وألا تلدغ من الجحر مرتين.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يصلح لك زوجك، وأن يذهب عنك الشك والحيرة، وأن يثيبك على ما فعلت من صبر وستر خيرًا، وأن يصرف عنك قرناء السوء وأصدقاء السوء وجيران السوء، وأن يعينك بإخوة صالحين وأصدقاء مخلصين على طاعته ونيل رضاه، كما نسأله سبحانه أن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.