الترحيب المشبوه بعودة الدور الروسي للمنطقة
25 ذو الحجه 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

كان الاتحاد السوفيتي منذ خمسينيات  القرن الميلادي الماضي وحتى أواسط التسعينيات من نفس القرن منافسا قويا للنفوذ الغربي في المنطقة العربية وانشرت الأفكار الشيوعية والاشتراكية بقوة في عدد من البلدان العربية والإسلامية على أيدي بعض المثقفين والساسة واعتبروها أفضل وسيلة للتخلص من الاحتلال الغربي والخلاص من الفقر والحاجة وانتشرت المنظمات اليسارية في أنحاء العالم العربي وكان بعضها علني وأكثرها سري, ودعم الاتحاد السوفيتي عدد من هذه المنظمات حتى تكون أذرع له في المنطقة خصوصا مع بداية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي..وتمكن عدد من المنتمين لهذه الأفكار اليسارية من الوصول للحكم في بعض الدول العربية وفرضوا النظام الاشتراكي كما حدث في مصر والجزائر وليبيا والعراق وسوريا..

 

ومن أهم معالم هذه المرحلة هو الخطاب الإعلامي المعادي للولايات المتحدة والغرب عموما مع تمجيد الاتحاد السوفيتي والنظريات الاشتراكية والشيوعية ومحاولة نشرها بالقوة على الشعوب مع ما فيها من معاداة واضحة للأديان وخصوصا الدين الإسلامي وانتشرت وقتها مقولة لتحجيم التعاليم الدينية مفادها "أن الاديان هدفها إسعاد الشعوب وهو ما ستقوم به النظريات الاشتراكية". .. في هذه الفترة تم شن حرب شعواء على الحركات الإسلامية وتم اتهامها "بالتطرف والإرهاب والرجعية" كما تم اعتقال أنصارها وإعدام عدد من قيادات هذه الحركات بحجج واهية..

 

ومن معالم هذه الفترة أيضا قمع الحريات وإلغاء الأاحزاب السياسية والاعتماد على حزب واحد هو حزب الزعيم أو الرئيس أو "القائد الملهم" كما تم إلغاء الانتخابات أو تزويرها ومصادرة إرادة الشعوب والسيطرة على أجهزة الإعلام وتوجيهها للدعاية لافكار "الزعيم العظيم" وانتهت هذه المرحلة النكدة من حياة العالم العربي التي كان للاتحاد السوفيتي السابق دورا كبيرا فيها بهزائم كبيرة وانتكاسات ضخمة لا زالت الشعوب تدفع ثمنها حتى الآن...

 

وبعد مرور سنوات طويلة على انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء حقبة الحرب الباردة تلاشى الدور الروسي الذي ورث الامبراطورية السوفيتية, من المنطقة تدريجيا وأصبحت الوجهه الوحيدة إلى الولايات المتحدة ..

 

الغريب أنه مع الانتفاضة التي شهدها العالم العربي في السنوات الأخيرة نحو الحرية والانخلاع من سيطرة الأنظمة الاستبدادية عادت مرة أخرى روسيا إلى المشهد العربي عن طريق سوريا ووقفت بقوة أمام انهيار نظام الأسد وأسفر تحالفها مع إيران إلى عقد صفقة مشبوهة مع الغرب لإبقائه ولو مؤقتا وهو ما شجع موسكو على الدخول إلى دائرة أخرى من الدوائر العربية وهي مصر حيث سمعنا غزلا من الحكومة المؤقتة وإعلامها لروسيا و"دورها العظيم في التاريخ العربي الحديث"! اعتمادا على ذاكرة الشعوب العربية الضعيفة والتي لم تر من روسيا وأتباعها سوى الفقر والهزيمة والقمع والسجون طوال عشرات السنوات....

 

إن حملة المديح التي تقوم بها بعض الدوائر السياسية والإعلامية في العالم العربي لروسيا ليست من قبيل كراهية أمريكا كما يزعمون ولكن لأن روسيا موقفها التاريخي والايديولوجي من التيار الإسلامي ومن الحريات بشكل عام ينسجم أكثر مع موقف هؤلاء في المرحلة الحالية رغم أنهم يدعون الليبرالية ولكنها ليبرالية انتهازية لا تؤمن بالحرية إلا للموالين لها فقط وهو ما صرح به أحد كبار إعلامييها مؤخرا عندما هاجم زملاءه وفضح مواقفهم  المتناقضة واتهمهم بالازدواجية..

 

إن الترحيب بعودة الدور الروسي للمنطقة هو ترحيب وقتي والجميع يعلم أنه مرتبط بالقضاء على التيار الإسلامي لأن روسيا عندها من المشاكل ما يجعلها أضعف من مساندة الحكومات الضعيفة والمتهاوية في المنطقة, كما أن المسألة في جانب منها تتعاق بإثارة غيرة الولايات المتحدة من أجل أن تقف بجدية أكثر مع محاولات استعادة الأنظمة الاستبدادية لسيطرتها على الحكم في بعض الدول....

 

إن مغازلة روسيا للعودة للعب دور ما في المنطقة بعد هذه السنوات هو فضح جديد وإفلاس للمناهج الليبرالية المنتشرة في عالمنا العربي والتي أصبح حديثها عن "الديمقراطية" والحرية مهزلة بكل ما تعنيه الكلمة.