محاكمة القرن ومهزلة العصر
3 محرم 1435
خالد مصطفى

شهدت مصر خلال الأشهر القليلة الماضية محاكمة رئيسين لأول مرة في تاريخها ولعلها المرة الأولى في تاريخ أي بلد عربي ورغم الفارق الكبير بين المحاكمتين إلا أن البعض أراد أن يقارن بينهما لكي يخفي حقائق هامة لا يمكن إغفالها في هذا الموقف ..دخل الرئيس المخلوع حسني مبارك قاعة المحكمة وهو ممدد على سرير بدعوى المرض وكان معه نجلاه وعدد من قيادات الداخلية المتورطين في قتل متظاهري ثورة 25 يناير وظهر في عينيه حسرة شديدة وحزن ووقف نجلاه أمامه لكي يخفيانه عن كاميرات المصورين حيث بثت المحاكمة على الهواء مباشرة وعندما نادى القاضي على اسمه رد بصوت واضح "أفندم" ..

 

كان مبارك يعرف جيدا أن فترة حكمه امتدت لأطول مما ينبغي وسادها الظلم والاستبداد والفساد وأن فترة الثورة شهدت عمليات قتل متعمدة؛ لذا لم يظهر شاعرا بالظلم بل ظهر مذعورا خائفا من العقاب وبدت علامات التوتر واضحة عليه وعلى نجليه ومساعديه الذين لم يتوقعوا أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه وبهذه السرعة...

 

تخلي مبارك عن السلطة بعد ضغط شعبي عارم استمر 18 يوما وسقط فيه ألف قتيل وآلاف الجرحى جراء اعتداء قوات الشرطة على المتظاهرين في كافة المحافظات وظهرت عشرات الفيديوهات التي أكدت اعتداء قوات الشرطة على المتظاهرين السلميين ودهسهم بالمدرعات ..لم يلق مبارك تعاطفا يذكر من الشعب أو حتى من عناصر الحزب الوطني الحاكم الذي تم حظره فيما بعد بل اختفى الجميع بعيدا عن الأعين ولم يظهر سوى بضع أشخاص من الطبقة المرفهة التي كانت تستفيد من نظام مبارك وخشيت على مصالحها بعد الثورة وكان وجودهم يقتصر على محيط مكان المحاكمة في نفس الوقت كان عدد كبير من أهالي الضحايا يملؤون المكان خارج قاعة المحاكمة مطالبين بالقصاص ..

 

أما في محاكمة الرئيس محمد مرسي فقد ظهر شامخا واثقا من نفسه يسير على قدميه في ثبات وإقدام ويرتدي لباسه المدني الذي ظهر به لأول مرة في ميدان التحرير عقب توليه منصب الرئاسة وهي لفتة لها دلالات كبيرة ورسالة لأبناء ثورة 25 يناير الحقيقيين الذين بدأوا يشعرون بالغربة الآن بعد 30 يونيو حتى الذين أيدوا منهم ما حدث في 3 يوليو من عزل للرئيس مرسي بواسطة الجيش..

 

لقد ظهر الرئيس مرسي وكأنه هو الذي يحاكم القضاة والسلطة التي وضعته في القفص وأخذ ينظر إلى القاضي بثبات ويكلمه والقاضي يتحاشى النظر إليه ووجه إليه كلمات قاطعة هزت أرجاء القاعة ورغم عدم دخول معظم المحامين عن المتهمين وامتلاء القاعة بمحامين معارضين للرئيس مرسي وتشديد الإجراءات الأمنية داخل وخارج القاعة  إلا أن قيادات التيار الإسلامي القابعين في قفص الاتهام وعلى رأسهم الرئيس مرسي داخل القاعة ظهر عليهم الجرأة الواضحة وعدم الخوف واستداروا جميعا وأعطوا ظهورهم للقاعة ورفعوا أيديهم بإشارة رابعة وهتفوا ضد حكم العسكر فيما وقف الرئيس مرسي وحده  يسدد نظره للقاضي قائلا: أنا الرئيس الشرعي وأربأ بالقضاء أن يشارك في الانقلاب وطالبه بأن يمكنه من أداء مهامه كرئيس للجمهورية...

 

هناك فارق شاسع بين رئيس تنحى خوفا من الشعب وغضبه بعد أن قتل وأصاب منهم الآلاف وأفقرهم على مدار 30 عاما, وبين رئيس آخر مصر على شرعية منصبه الذي جاء به تنفيذا لإرادة الشعب لأول مرة في تاريخ البلاد ومتهم الآن بقتل 10 أشخاص 8 منهم من أنصارهوهو ما يثير العجب خصوصا مع عدم توجيه اي اتهامات لوزير الداخلية وقيادات الداخلية في هذا الوقت....

 

إن الذين أرادوا عقد المقارنات لكي يؤكدوا أن ما حدث في 25 يناير يشبه ما حدث في 30 يونيو وأن الرئيسين خرجا عليهما الشعب لنفس الاسباب, سقطوا في هوة سحيقة بعد ظهور الرئيس مرسي وارتبكوا تماما مع إشادة الإعلام الغربي بقوة وثبات الرئيس مرسي ومطالبة الأمم المتحدة بضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم الرئيس مرسي وهو إن دل فإنما يدل على أن الامم المتحدة التي تعتبر أكبر مؤسسة دولية في العالم لا تعترف بماحدث من إجراءات ضد الرئيس مرسي حتى وإن وضعت في "غطاء قانوني".