
لم يعد يشك عاقل في أن العلاقة بين طهران من جهة وأمريكا واليهود والغرب من جهة أخرى لم تكن في يوم من الأيام كما كان يراد تصويرها للعالم العربي والإسلامي , علاقة مبنية على العداء والخصومة , من خلال التصريحات والشعارات النارية التي كانت تطلق من كلا الطرفين طوال الفترة السابقة , بل هي في الحقيقة علاقة مصالح متبادلة , كان لا بد لها – في تلك الفترة – أن تظهر بمظهر العداء لجلب التعاطف الشعبي العربي والإسلامي لإيران , كي تستطيع ممارسة دورها المرسوم لها لتنفيذ أجندتها وأجندة الغرب معها , في ضرب أهم معاقل القوة السنية بمقتل , من خلال احتلال كل من العراق وأفغانستان .
وما إن ظهرت حقيقة الموقف الإيراني تجاه أهل السنة في كل من سوريا والعراق ولبنان , وبدأ الموقف العربي والإسلامي المتعاطف مع إيران ينقلب إلى موقف عداء وصدام , حتى سارعت القوى الغربية مع حليفتها طهران إلى كشف المستور , واللعب على المكشوف كما يقولون , من خلال مفاوضات جنيف التي انتهت إلى اتفاق مبدئي , يمهد الطريق لاتفاق كامل ونهائي بشأن برنامجها النووي وملف المنطقة الإقليمي .
فقد توصلت إيران والقوى الكبرى فجر أمس الأحد إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي , والتي تعهدت فيه إيران ببعض الالتزامات أهمها :
1- وقف تخصيب اليورانيوم فيما يتجاوز نسبة 5% , إضافة لتحييد مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة تقترب من 20%، وتخفيف مخزونها الكامل من اليورانيوم المخصب، بنسبة تقترب من 20% لما دون 5% أو تحويله إلى صورة لا تناسب أي عمليات تخصيب أخرى وذلك قبل نهاية المرحلة الأولى .
2- عدم إنشاء أي منشآت إضافية للتخصيب، ووقف أي تقدم فيما يتعلق بقدرات التخصيب بعدم تركيب أي أجهزة طرد مركزي , ووقف أي زيادة بمخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.5% .
3- عدم تحقيق أي تقدم في الأنشطة بمفاعل أراك , ووقف التقدم في مسار استخلاص البلوتونيوم .
4- إتاحة المجال بصفة يومية لمفتشي وكالة الطاقة الذرية لدخول نظنز وفوردو , بالإضافة إلى الاطلاع على منشآت تجميع أجهزة الطرد المركزي , والدخول إلى مناجم اليورانيوم ومحطات تجهيزه .
وفي مقابل ذلك تلتزم الدول 5+1 بتخفيف محدود للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران , إضافة لعدم فرض أي عقوبات جديدة لمدة ستة أشهر إذا راعت إيران إلتزاماتها , ووقف عقوبات معينة على الذهب والمعادن النفيسة وقطاع السيارات وصادرات إيران البتروكيماوية , بما يتيح لإيران إيرادات تقترب من 1,5 مليار دولار , ناهيك عن السماح بنقل 400 مليون دولار من الأموال الإيرانية المجمدة .
وبعد ساعات من الاتفاق أفرجت واشنطن عن 8 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة من جانبها , كما نقلت وكالة (إرنا) الإيرانية عن خاموشي رئيس الغرفة التجارية الإيرانية السابق .
وبعيدا عن الترحيب الإيراني الشديد بالصفقة الموقعة مع الغرب , والذي وصف في طهران بأنه إنجاز وانتصار عظيم لإيران , وبعيدا عن حقيقة وجود هذا المفاعل النووي الإيراني الذي كان – وما يزال – مصدر شكوك بعض المحللين والخبراء استنادا إلى معطيات كثيرة أهمها : السكوت المريب للغرب واليهود على مفاعل نووي مزعوم طوال سنوات المفاوضات الطويلة بشأنه , فإن اتفاق جنيف يتجاوز موضوع الملف النووي الإيراني , إلى تسوية تطال الدول العربية والإسلامية , خاصة بعد التسريبات التي أكدت وجود محادثات سرية أمريكية إيرانية في سلطنة عمان مهدت لاتفاق جنيف.
وحيال ذلك لا بد أن نتساءل : على حساب من سيكون هذا الاتفاق ؟؟ وستأتي الإجابة بلا شك : على حساب المسلمين من أهل السنة في البلاد العربية والإسلامية , نظرا للخطر الذي يتحسسه اليهود والغرب مما يجري في كل من سوريا ولبنان والعراق ومصر .
ونظرا لأهمية الأمن اليهودي في السياسية الأمريكية والغربية , فإن اتفاق جنيف لا بد أن يتضمن موقفا واضحا لإيران من العلاقة مع إسرائيل , والتي ظهرت وبوضوح في كلمة روحاني في الأمم المتحدة , كما ظهرت في تهنئته ووزير خارجيته جواد ظريف اليهود بأعيادهم .
ثم يأتي هذا الاتفاق بلا شك على حساب سوريا والعراق أيضا , الدولتان اللتان تعتبران شبه محتلة من إيران , نظرا لسيطرة إيران على السياسة العراقية بالكامل من خلال رئيس الحكومة المالكي , ومن خلال ما يجري في سوريا من حرب لم تعد في الحقيقة بين جيش بشار والثوار , بقدر ما أصبحت بين الثوار وطهران , ويزداد الأمر وضوحا إذا ما لوحظ التغير الواضح - في الآونة الأخيرة – في لهجة واشنطن حيال تنحي بشار أو دور إيران في سوريا , وخاصة بعد تسليم السلاح الكيماوي السوري , الأمر الذي يوحي بصفقة ما تمت في جنيف بشأن هذا الملف الخطير .
ومن غير المستبعد أيضا أن تكون هذه الصفقة على حساب تركيا اللاعب الأبرز في الشرق الأوسط مع إيران , من خلال إضعاف دور أردغان لصالح طهران , ناهيك عن تجاهل الغضب الخليجي من التقارب الأمريكي الغربي الإيراني , الذي تعتبره اتفاقا دول الخليج على حسابها وحساب أمنها , وهو كذلك بلا شك .
فإلى متى ستبقى الدول العربية والإسلامية في موقف المتفرج على ما يجري حولها من اتفاقات على حسابها ؟!