
مع انطلاق القمة الخليجية الرابعة والثلاثين في الكويت تصاعد الحديث عن الاتحاد الخليجي ليس فقط في الشارع الخليجي ولكن في الشارع العربي ككل في وقت تشهد المنطقة تغيرات قد تكون الأكثر "دراماتيكية" على صعيد التقارب الغربي المعلن مع إيران...
منذ قيام ثورة الخميني في إيران والعلاقات بين الغرب وطهران تمر بأزمات متلاحقة على الأقل في العلن صحيح كان هناك دوما مفاوضات سرية وصفقات في الغرف المغلقة يتحدث عنها الكثيرون إلا أنها لم تخرج أبدا للعلن لأسباب يختلف فيها المحللون ومن أهمها في رايي أن خلافات على النفوذ والمصالح كان هو الاغلب على طبيعة هذه العلاقات رغم التوافق على بعض القضايا الجوهرية مثل غزو العراق وأفغانستان على سبيل المثال, كما يمكن أن يضاف لذلك الخوف الغربي من غضب الخليجيين الذين كانوا يشعرون بخطورة السياسة الإيرانية على المنطقة بصفة عامة وعلى أمن الخليج بصفة خاصة مع ازدياد النفوذ الإيراني في عدة دول والرغبة في تصدير ما يعرف "بالثورة الشيعية" ..
إلا أن الفترة الأخيرة التي شهدت تقاربا ملحوظا وتفاهمات بين الغرب وإيران أثار مخاوف دول الخليج خصوصا أنها فوجئت بهذا التقارب مثلها مثل غيرها دون أن تطلع على تفاصيله ولتتأكد هل هو حقيقة في صالح المنطقة وأمنها كما زعمت أمريكا ؟ أم هو نوع من تقسيم النفوذ بين الغرب وطهران على حساب دول الخليج؟.. المفاجئ في هذا التقارب أنه جاء عقب خلافات حادة بشأن القضية السورية والموقف من نظام بشار الأسد فبعد أن كان الغرب يستعد لتوجيه ضربة عسكرية ويسير بشكل يبدو متوافقا مع وجهة النظر الخليجية التي ترى في الاسد ونظامه وإيران أكبر خطر على استقرار المنطقة تغير كل هذا تماما وتم التوصل لصفقة برعاية روسية حولت الضربة العسكرية إلى اتفاقية على التخلص من الكيماوي وتم تجاهل آلاف القتلى من المدنيين وملايين المشردين الذين كان الغرب نفسه يحمل الأسد المسؤولية عنهم طوال الفترة الماضية...
الغموض حول تفاصيل الاتفاق أحبطت معظم دول الخليج وجعلها تعيد طرح فكرة لاتحاد الخليجي كضرورة ملحة في هذا التوقيت ورغم أن للبعض تحفظات قد تصل إلى الاعتراض الواضح مثل عمان على الفكرة وسط تحليلات متعددة عن أسباب ذلك إلا أنه لا يمكن تجاهل أهمية الموضوع في هذا الوقت الحرج الذي تمر به المنطقة, قد يكون الأمر يحتاج إلى روية وتمهل ودراسة وخطوات تمهيدية حتى يحقق النجاح المطلوب ولكن استبعاد الفكرة نفسها قد يعطي رسالة لإيران بأن الطريق أصبح مفتوحا بالنسبة لها لتفعل ما تشاء خصوصا مع التفاهمات الجديدة بينها وبين الغرب..
التاريخ القريب في المنطقة قد لا يكون مشجعا لدول الخليج من أجل الإقدام على فكرة الوحدة والاتحاد فلا زال ماثلا في الأذهان تجربة الوحدة بين مصر وسوريا إبان حقية الستينيات من القرن الماضي خلال عهد جمال عبد الناصر ولكن يجب الانتباه للفارق بين الزمنين وخصوصية كل تجربة والغرض منها فتجربة مصر وسوريا كانت نابعة من رغبة في الزعامة وفرض منهج معين على الشعوب وعلى المنطقة والتصدي مظهريا للكيان الصهيوني دون أسس واضحة أو خطوات تمهيدية؛ لذلك فشلت سريعا أما بالنسبة للتجربة الخليجية فهناك مجلس تعاون واتفاقيات تربط دوله منذ سنوات طويلة وهناك توافق في أهداف عديدة, ومخاطر متقاربة تحيط بدوله وهو ما يأتي في صالح الفكرة...
إن أوروبا توحدت رغم تعددها الثقافي والقومي واللغوي والمشاكل الجمة التي أحاطت بخطوات الاتحاد ولكنها تجاوزتها بهمة وبسعي دؤوب وهو ما ينبغي على دول الخليج أن تصبوا إليه وتعمل على إنجازه في المستقبل القريب لمصلحتها ولردع أي مخطط يهدف للعبث بأمنها.